اتسع نطاق التعبئة في فرنسا ضد إصلاح نظام التقاعد في محاولة لجعل الحكومة ترضخ لمطالب المحتجين، وتجلى ذلك في تظاهرات عدة مع استمرار الاضطرابات في قطاع النقل العام، وذلك قبل اختبار قوة جديد يوم الثلاثاء القادم. الأمين العام لنقابة "القوى العاملة"، إيف فيريه، قال: "سددنا، طيلة يوم السبت، ضربة قوية ولدت ديناميكية"، قبل أن يحدد تجمُّعُ النقابات موعداً جديداً للتعبئة في العاشر من دجنبر الجاري. والخميس الماضي، حشدت التظاهرات عدداً أكبر من المشاركين مقارنة بالأيام الأولى من التحركات الاجتماعية بشأن التقاعد في 1995 و2003 و2010. واندلعت موجة الغضب بسبب "النظام الشامل" للتقاعد الذي يُفترض أن يحلّ اعتباراً من عام 2025 مكان 42 نظاماً تقاعدياً خاصاً معمولا به حالياً. وتعد الحكومة بترتيب "أكثر انصافا"، في حين يخشى المعارضون للإصلاحات إلحاق الضرر بالمتقاعدين. وشارك في التظاهرات أساتذة وعمال سكك الحديد ورجال إطفاء وعاملون في القطاع العام، وغيرهم كثيرون. ونزل أكثر من 800 ألف شخص إلى الشارع، منتصف الأسبوع، فيما تراجع نشاط بعض القطاعات أو حتى توقّف مثل معامل التكرير. وعززت حركة النقابات المعارضة لنظام الإصلاحات موقعها. ونظام التقاعد موضوع حساس للغاية في فرنسا؛ ويأمل المعارضون الأكثر تشدداً في أن تستمر الحركة وأن يتمّ إغلاق البلاد كما حصل في دجنبر 1995. وآنذاك، تسببت الحركة الاحتجاجية ضد إصلاحات النظام التقاعدي في شلّ وسائل النقل المشترك لثلاثة أسابيع، وأرغمت الحكومة على التراجع. وتبدو الأيام المقبلة حاسمة بالنسبة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي جعل من "تحوّل فرنسا" هدفاً لفترته الانتدابية. وتجازف الحكومة في سياق اجتماعي متوتر أصلاً، مع تحركات محتجي "السترات الصفراء" غير المسبوقة منذ أكثر من عام، وتفاقم الاستياء في المستشفيات وفي صفوف الطلاب وعمال السكك الحديد والشرطة، ورجال الإطفاء والأساتذة والمزارعين. وقالت مديرية الشرطة في مدينة نانت إنّ نحو 2800 شخص تظاهروا، السبت، ضدّ الإصلاحات المطروحة، مشيرة إلى أنّ التظاهرة شابتها صدامات بين قوات الأمن والمتظاهرين. وفي باريس تظاهر نحو ألف من "السترات الصفراء"، في جنوب العاصمة وسط جو متوتر، وفي ظل رقابة أمنية لصيقة. وتحت شعار "إصلاحك يشبه لافتتي، إنّهما من ورق"، تظاهر نحو 1800 شخص في مرسيليا، بحسب مديرية الشرطة، تلبية لدعوة الاتحاد العام للعمل، وانضم إليهم متظاهرون من "السترات الصفراء". وتأثر قطاع النقل أيضاً بالإضراب، السبت؛ إذ جرى تسيير 15% من القطارات في الضواحي الباريسية، وقطار سريع واحد من أصل ستة، في حين أكدت الهيئة المستقلة للنقل في باريس إغلاق تسعة خطوط مترو. التجّار قلقون وعد رئيس الوزراء الفرنسي، إداورد فيليب، بأنه سيعرض، الأربعاء القادم، "مشروع الحكومة كاملاً". وشدّد أيضاً على أنه "ليس في منطق المواجهة". وقال الأمين العام للكونفدرالية العامة للعمل، فيليب مارتينيز، السبت في مستهل تظاهرة باريس، إنّ الحكومة تفعل "كل شيء لكي تستمر التعبئة والإضرابات". وأعرب عن أسفه لكون رئيس الوزراء "تكلم أمس لتحديد عدد من الأمور، ولكن في العمق" فإنّه "لم يقل إنّه سيسحب مشروعه". وعلى الحكومة أن تحتوي الغضب على صعد مختلفة، ليس فقط على صعيد نظام التقاعد الخاص. وعليها خصوصاً الاستجابة لمخاوف الأساتذة الذين يخشون انخفاض معاشاتهم بسبب قواعد الاحتساب الجديدة. وفي محاولة لتهدئة تلك المخاوف، تعهد ادوارد فيليب بإجراء "إعادة تقييم تدريجي". وقبل أيام من أعياد نهاية العام، أخذ العاملون في التجارة والسياحة يعربون عن قلقهم من تداعيات حراك احتجاجي يحتمل أن يستمر طويلاً. واصدرت مديرية الشرطة في باريس، السبت، أمرين بخصوص التظاهرات المرتقبة الثلاثاء القادم، يتعلق الأول بإغلاق المتاجر، فيما يحدد الثاني مناطق يحظر فيها التظاهر. *أ.ف.ب