تعتبر صناعة الفخار واحدة من أقدم الصناعات التقليدية التي أبدع فيها الإنسان المغربي، وتوارثتها الأجيال، وظلت محافظة على رونقها وشكلها الأصلي مع إدخال بعض التغييرات عليها في الهندسة والديكور. صناعة الفخار كانت تمثل حاجة ماسة للمجتمع نظرا لعدم وجود الأدوات المنزلية الضرورية قديما، لكنها الآن أصبحت على حافة الاندثار بسبب الإهمال، بالرغم من أن هذه المهنة كانت تحقق لصناعها ربحا وتغطي تكاليف الأسر في الحياة المعيشية. صناعة الفخار بإقليمورزازات استطاعت أن تقاوم الزمن والعصرنة، خاصة في ما يتعلق بالأواني الطينية التي ما زالت تستقطب عشاقها، رغم المنافسة التي تفرضها المنتجات العصرية والحديثة، وما تزال أطقم الأكل وأنواع أخرى من الأواني الطينية تزين طرقات بعض مناطق الإقليم، خصوصا واحة سكورة، وتستوقف المارين من هناك والباحثين عن سحر الصناعة التقليدية لتزيين موائدهم وبيوتهم. صناعة الأجداد تقاوم الاندثار رغم قدمها وأهميتها في حياة الناس، أصبحت مهنة "الفخارة" بإقليمورزازات وباقي الأقاليم المجاورة تواجه خطر الاندثار، بعد أن تركها جيل اليوم تختفي من حياته، إلا من رحم ربك. وأغلب "المعلمين" الذين كانوا يزاولون هذه المهنة أو الحرفة عن قناعة ووفاء منهم من مات، ومنهم من تركها لتقدمه في السن أو لزحف الأواني العصرية على كل ما هو تقليدي. عبد الصمد بنعلي، باحث في التراث المادي واللامادي بإقليمورزازات، أوضح أن صناعة الفخار ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ، مشيرا إلى أن الشعوب البدائية كانت تستعمل الأواني المصنوعة من الطين في جميع مجالات الحياة، في الأكل والشرب وللاحتفاظ بالحبوب وغيرها، موردا أن "هذه الصناعة لا يمكن تحديد تاريخها بالضبط، لكن ما لا يمكن الاختلاف حوله كونها تعود إلى عصور ما قبل التاريخ"، وفق تعبيره. وأضاف المتحدث ذاته، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن بعض الأسر بالجبال ما زالت تحافظ على هذه الأواني وتستعملها في حياتها اليومية، مبرزا أن "صناعة الفخار يتعدى مفهومها النطاق المحدد من طرف صناعها أو مستعمليها، بحيث إن الرموز والأشكال الموجودة في هذا الفن لم تبرز إلى الوجود من العدم، وإنما هي خلاصة الحياة اليومية حيث تنجز لتنتقل للأجيال عبر هذه الصناعة ذات الطابع الجمالي المميز". ولم يخف عبد الصمد أن هذه الصناعة تتجه اليوم إلى حافة الانقراض والاندثار، معتبرا أن "الوضع يتطلب من القطاعات الرسمية المكلفة بالصناعة التقليدية التدخل والعمل على إحياء هذه الحرفة التي تساهم في التنمية المحلية من خلال استغلالها في الترويج السياحي، وكذا الترويج لمنتجات الصناعة التقليدية التي تزخر بها مناطق عدة بإقليم زاكورة، خاصة سكورة". صناع الفخار يشتكون اعتاد محمد سكوري، أحد الحرفيين في صناعة الفخار بدوار الكدارة بجماعة سكورة إقليمورزازات، منذ عقود من الزمن، على صناعة الأواني والأدوات الفخارية التي تستخدم في الحياة اليومية، والتي أصبحت جزءا أصيلا من التراث المحلي، لكنه أكد أن هذه المهنة التي ورثها أبا عن جد "لم تعد كما كانت من قبل بسبب إقدام الناس على اقتناء الأدوات العصرية"، وفق تعبيره. وأضاف ممتهن صناعة الفخار بسكورة، في تصريح لهسبريس، أن "هذه المهنة لم نعد نستطيع من خلالها توفير ضروريات الحياة، نحن نحافظ فقط عليها كإرث محلي تركه لنا الآباء الذين بدورهم تركه لهم الأجداد"، وزاد: "هناك صراع محتدم اليوم بين الصناعات التقليدية والصناعات العصرية، والناس لم يستوعبوا خطورة وسلبيات الصناعات العصرية وما تكتنزه الصناعات التقليدية من إيجابيات"، وفق تعبيره. من جهته، أوضح حسن الحمري، مْعلّم الفخار بورزازات، أن هذه الصناعة ستختفي بمجرد وفاة "لمْعلمين" الحاليين الذين ما زالوا يحافظون عليها، مشيرا إلى أن المادة الأولية بدورها أصبحت من المشاكل التي تعرقل عمل الحرفيين؛ بحيث لم يعودا يعثرون عليها إلا بشق الأنفس، مشددا على أن الوزارة الوصية على القطاع لم تهتم بهذه الحرفة أو الصناعة كما تهتم بالصناعات التقليدية الأخرى، "لذلك نشعر بأننا كحرفيين في هذه الصناعة غير مهمين لديهم (المسؤولين)". ولفت المتحدث ذاته، ضمن تصريح خص به هسبريس، إلى أن "الحرفيين في هذه الصناعة مستاؤون من الإقصاء الذي تنهجه الدولة في حقهم مقابل تمكين باقي الحرفيين في مجالات أخرى من امتيازات وتسهيلات كثيرة وكبيرة"، معتبرا أن "الوقت حان لوضع نهاية لهذه المهنة بالإقليم، ولم لا في المغرب بصفة عامة، والبحث عن حرف أخرى قادرة على توفير لقمة العيش للحرفيين وأسرهم"، وفق تعبيره. التسويق والمنافسة أضحت صناعة الفخار تعاني جملة من المشاكل، أبرزها عدم الاهتمام بها بشكل كبير في الفترة الأخيرة، ما أدى إلى تحول كثير من الحرفيين إلى مهن أخرى لقلة الربح، وساهم في تغيير نشاط كثير من الأوراش الكبيرة التي كانت تتخصص في هذه المهنة، بالإضافة إلى قلة صبر الأجيال الجديدة التي لا تعرف قيمة ذلك الفن الرفيع، أضف إلى ذلك استيراد منتجات صينية تعتمد على الشكل الخارجي فقط، فألوانها تمحى بعد فترة قصيرة من الزمن، وجودتها ضعيفة جدا، لكن أثمانها الرخيصة تجعل الإقبال عليها كبيرا، ما أدى إلى إضعاف هذه الحرفة بصورة كبيرة وتهديدها بالانقراض. وتواجه هذه الصناعة المحلية عدة إكراهات، في مقدمتها قلة فرص التسويق، والمنافسة التي أضحت تفرضها التكنولوجيا الحديثة، وعزوف أبناء الحرفيين عن الاستمرار في ممارسة الحرفة. وفي هذا الإطار، يؤكد محمد سكوري أنه غالبا ما يتم توجيه المنتوج المحلي إلى الأسواق في المدن الأخرى والمجاورة، بناء على الطلبات التي يتوصلون بها من حين إلى آخر. عقود من العطاء استطاع العشرات من الحرفيين المتخصصين في صناعة الفخار بإقليمورزازات استقطاب اهتمام عشاق هذا النوع من الصناعات التقليدية، التي تعتبر إرثا مميزا وعريقا. وتعلم هؤلاء الحرفيون هذه المهنة عن آبائهم وأجدادهم، واستطاعوا بفضل سنوات من العطاء والإبداع أن يحصلوا على شهرة كبيرة في صناعة جميع أنواع الأواني والأدوات الفخارية على مستوى الإقليم. يقول محمد سكوري، في حديثه لجريدة هسبريس، إن "هذه الصناعة تعرف تراجعا كبيرا بسبب تراجع عدد الحرفيين المعروفين بها بشكل كبير"، مذكرا بأنه "في الثمانينيات من القرن الماضي كان العدد كبيرا، أما اليوم أصبح أقل من عشرة حرفيين". وبهذا الخصوص، نبهت جميلة بوناصر، طالبة في سلك الماستر ابنة واحة سكورة، إلى "أهمية تواصل الشباب مع ماضيهم والتمسك بهويتهم والالتفات إلى حرف الآباء والأجداد المتميزة والبديعة، التي كانت هي الأساس في ما نشهده اليوم من تطور وحضارة"، مستحضرة أن "العمل الحرفي يتطلب ممارسة جادة وعملا دؤوبا وحبا وتفانيا للحفاظ عليه وتطويره وإيصاله للأجيال القادمة" . وحسب المتحدثة ذاتها، فإن "صناعة الفخار تشكل مهنة ليس لها وقت أو موسم معين، وغالبا ما يتم الإقبال عليها طوال أيام السنة، خصوصا من قبل الأجانب الذين يقدرونها"، وفق تعبيرها.