لا أخفيكم سرًّا، قرائي الأعزاء، أن ما دفعني إلى حمل قلمي وتحرير هذه الأسطر هو قلقي الشديد وحسرتي على ما أصبح عليه مراهقونا وشبابنا من فساد أخلاقي وانحرافات سلوكية، فأينما نُولِّي وُجوهنا تَصْدِمْنا مشاهد فتيات وفتيان، في سن الزهور، وهم يتعاطون مختلف أنواع المخدرات، إما بقلب الأحياء السكنية أو بجوار المؤسسات التعليمية، دون أن يكترثوا لحركة المارة.. وحين يَرخي الليلُ سدوله تصير بعض الأزقة التي لا تتوفر على إنارة، وكذا بعض "المناطق الخضراء" المجاورة للأحياء السكنية، بمثابة بؤر تظهر فيها كل أشكال الانحرافات السلوكية، وبعض الممارسات الشاذة التي تخدش الحياء، وقد يمتد الأمر إلى شَرعنةِ هذه الانحرافات من لدن فئة من التجار المختصين في تدمير العقول، الذين لا يرون مسألة تحقيقهم لأرباح مادية قياسية وبسرعة البرق إلا من زاوية الاتجار في مختلف أنواع المخدرات، وفي بني البشر كذلك، بحيث صارت بعض النوادي الترفيهية والمقاهي أماكن لترويج وتعاطي كل أشكال المخدرات بصيغة شبه قانونية، أي بعدما يتم منح الرخص لبعض المقاهي مثلا يُحوّلها أصحابها مباشرة إلى فضاءٍ آمنٍ يُلبي طلبات المدمنين شيبا كانوا أو شبابا، وعلى سبيل المثال لا الحصر انتشار ظاهرة "مقاهي الشيشة" التي تغلغلت داخل الأحياء السكنية الشعبية والراقية على حد سواء، وحتى بالقرب من المؤسسات التربوية، وقس على ذلك فضاءات أخرى تُعبد الطريق لشبابنا للوقوع في مستنقع الإدمان والرذيلة... فشرح الواضحات من المفضحات !!... إلا أن ما يثير انتباهنا وبشكل مستفز هو أن هذه النوادي الترفيهية، إن صح التعبير، أصبحت تستقطب فئة التلاميذ المراهقين الذين يجدون فيها فرصة للترويح عن النفس، وفي الوقت نفسه محاكاتهم لسلوكيات الشباب المنحرف، الذين في نظرهم يفوقونهم تجربة في الحياة. كما أنهم يَطربُون وهم يستمعون لرواياتهم البُطولية الوهمية التي حققوها في عالم الانحراف، وهذا هو حال المراهق بصفة عامة، التواق دائما إلى خوض تجارب عديدة في سن مبكرة، خاصة المحظورة منها، ضاربا بذلك عرض الحائط الخطاب الأسري التربوي الذي يتعارض جملة وتفصيلا مع ما يرغب في تجريبه والخوض فيه بكل حماسة وتعصب، انتصارا لأناه؛ فكل متعاطٍ لمختلف أنواع المخدرات، حسب ما صرح لِي به أحد المدمنين على المخدرات بمختلف أصنافها، يختزل الحياة كلها ويطوي مسافات الزمان بمجرد أخذه لجرعة مخدر ما. وأضاف المصرح نفسه أن هذه المخدرات السامة، سواء تعلق الأمر بالمخدرات التي تمر عبر الفم كتدخين الشيشة ولفافات الحشيش وشرب الكحول وتناول الحبوب المهلوسة أو ما شابهها أو التي تمر عبر الأنف كالكوكايين دون أن ننسى كذلك أنواعا أخرى تمر عبر الدم بواسطة الحقن المخدرة، لها تأثيراتها التخديرية؛ فمنها ما ينشط الذهن ويجعل المدمن يحس بسعادة غير مبررة، أو يحدث العكس فيجهش بالبكاء وتَسودُّ الدنيا في عينيه؛ ومنها ما يجعله مكبلا لا يقوى على الحركة؛ ومنها ما يجعله يدخل في نوبات عصبية ولا يتحكم في ردود أفعاله؛ ومنها كذلك ما يدخله في حالة الصرع والهستيرية... إذن، نحن أمام حرب غير متكافئة، حرب لا يوجد في ساحتها خصمان متعاركان، بل عدو قاتل وفتاك، وضحايا منهكون ذهنيا وجسديا ونفسيا...، فالعدو متمثل في تجار المخدرات ومن يسبح في فلكهم، والضحايا هم فلذات أكبادنا الذين لا يستطيعون مقاومة إغراءات مروجي هذه السموم الذين يستدرجون شبابنا ومراهقينا في بداية الأمر عن طريق منحهم جرعات مخدر بالمجان إلى أن يسقطوهم في سيل إدمان جارف، ليتحول بعدها الشاب المدمن من فرط استعماله للمخدرات إلى ثور جريح هائج يجوب حلبة المصارعة طولا وعرضا مطاردا خصمه، وقد يتطور الأمر إلى دفعه إلى رهن كل ما يملك أو إلى سرقة أسرته وأهله، بل قد يتنازل حتى عن ملابسه الداخلية، في سبيل حصوله على جرعة مخدر تنقله من حالة الهيجان إلى حالة السكون، ولو مؤقتا.. فماذا عسانا أن نقول تجاه هذه الظواهر السلبية التي عصفت بشبابنا؟ من الذي يتحمل المسؤولية في هذا الانفلات الأخلاقي والأمني؟ كيف يمكننا تأمين مستقبل أبنائنا، والحفاظ على سلامتهم الصحية، في ظل تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات في صفوف المراهقين؟ إنها أسئلة تستدعي منا وقفة بطولية مسؤولة كفيلة بإزاحة الستار عن المتورطين في تخدير أبنائنا، حتى صار شبابنا عبارة عن مومياء بأجساد متهالكة، وعقول معاقة لا تقوى على التفكير والإبداع والخلق.. إننا اليوم في أمس الحاجة إلى طاقاتنا الشابة التي بإمكانها أن تساهم في رقي بلدنا ومجتمعنا، إنها لقادرة على أن تبدع في مختلف التخصصات والمجالات.. وهذا ما يحصل الآن في العديد من الملتقيات والمسابقات الدولية التي يشارك فيها شبابنا المغربي، حيث حصلوا على مراتب مشرفة، بل على مراتب أولى في تخصصات عديدة، خاصة في مجال الاختراع والابتكار... بمجهودات ذاتية وإمكانات فردية نقلتهم من العدم إلى النجومية والعالمية.. إذن، ما يلزمنا هو أن تتضافر جهودنا جميعا، وكل من موقعه، لإعطاء الفرصة كاملة لشبابنا الذين إن تهيأت لهم ظروف الإبداع، مع التوجيه والتكوين الأكاديمي المستمر، بالإضافة إلى ضمان حقهم في العمل والتطبيب والتعليم وتمكينهم من تقلد مناصب عليا دون محسوبية أو زبونية، حينها سنتحدث عن شباب مغربي كفء قادر على تحمل المسؤولية، مساهم في تحقيق تنمية شاملة لبلده. أما إذا جعلناهم عرضة للتخدير والتهميش والإقصاء، فحالهم حينئذ سيصير أشبه بحال القطط المتشردة، التي تتسكع ليلا، في شهر مارس حيث البرد القارس، بين الأزقة الضيقة بحثا عن الدفء، أو علها تعثر بين القمامات على ما تُسكت به سيمفونية الجوع التي تعزفها أمعاؤها بلا كلل ولا ملل. فأرجوكم، كفوا عن تدمير عقول طاقاتنا الشابة، التي نحن في أمس حاجة إلى قطف ثمارها مستقبلا.