سيكون على الرئيس التونسي الجديد، قيس سعيّد، رفع تحديات كثيرة؛ لعلّ أبرزها التوصل إلى تشكيل حكومة تكون شريكا فاعلا له لتنفيذ خططه: إنعاش الاقتصاد، ومكافحة البطالة والفساد وعجز الخزينة، وتحسين الوضع الأمني، وأيضا بدء العمل على لامركزية سياسية موسعة. وتشمل الملفات الحارقة التي أمام أستاذ القانون الدستوري المنتخب بغالبية الأصوات صلاحياته الدستورية، وأيضا ما لا يخصه مباشرة. هل ننتظر تغييرا في السياسة الخارجية للبلاد؟ دبلوماسيا، قدم سعيّد (61 عاما) الذي لا يمتلك خبرة في السياسات الخارجية وليست له شبكة علاقات خارجية، "مواقف ومبادئ أكثر منها خططا عملية واضحة"، وفقا لخبير العلاقات الدولية توفيق وناس. وظهر ذلك خصوصا في مساندة قوية أبداها سعيّد ل "تجريم التطبيع" مع إسرائيل واعتباره "خيانة عظمى" ودعم القضية الفلسطينية، ما جعل منه "بطلا قوميا" في نظر أنصاره. ويمكن تلخيص تصريحات الرئيس المنتخب بخصوص الملفات الخارجية في "الإبقاء على ثوابت الدولة وتعهداتها الخارجية"، بالإضافة إلى أنه يدعو إلى أن تكون تونس "قوّة اقتراح" لحل مشكل النزاع في كل من سوريا والجارة ليبيا. يقول وناس، وهو دبلوماسي سابق لدى الأممالمتحدة، "لا ننتظر تغييرا جذريا في سياسة تونس الخارجية"، ولكن في المقابل "يمكن أن نرفع بعض الضبابية والغموض" في موقف تونس تجاه الوضع في سوريا وإمكانية إعادة العلاقات التي قطعها الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي في 2012. تترأس تونس هذه السنة جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى أنها ستكون عضوا في مجلس الأمن. وأعلن سعيّد أن زيارته الأولى إلى الخارج ستكون إلى الجزائر، متمنيا أيضا زيارة ليبيا. أوروبيا، يري وناس أنه "سيكون هناك تواصل في العلاقات مع فرنسا والاتحاد الأوروبي"، وهو ما أكده سعيّد حين سئل عن فرنسا قائلا "علاقاتنا استراتيجية". ماهي أبرز التحديات الأمنية؟ ما تزال حال الطوارئ سارية في البلاد إلى نهاية العام الحالي، وتم إقرارها إثر هجمات شنها مسلحون في 2015 استهدفت سياحا وأمنيين وعسكريين. وتقلصت وتيرة الهجمات التي انطلقت منذ 2012 لكنها لم تنته. في نهاية شهر يونيو الفائت، هزّ تفجيران انتحاريان العاصمة تونس أسفرا عن مقتل عنصر أمن ومدني وإصابة سبعة أشخاص بجروح، ما أعاد ملف "الإرهاب" إلى دائرة الضوء. وخلال المناظرة التلفزيونية التي جمعته بمنافسه نبيل القروي، الجمعة، دافع سعيّد عن فكرة مقاومة الإرهاب بالتعليم وتدريس الفلسفة في المدارس "لحماية" الشباب من هذه الآفة. وجعل الرئيس المنتخب من التعليم والصحة والمرافق العمومية وملف المياه أولويات له، واعتبرها تدخل في نطاق الأمن القومي الذي هو من صلاحياته بموجب الدستور التونسي. كيف سيعالج المسائل المتعلقة بالأزمة الاقتصادية؟ لا يملك سعيّد مجالا واسعا للتدخل في مجال الاقتصاد الذي يعتبر حكرا على الحكومة. جزء كبير من الذين انتخبوه يرون فيه الرجل القادر على مقاومة الفساد والقيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية تمكّن من الحدّ من البطالة والتضخم في البلاد. لا يملك سعيّد في هذا الملف سوى تقديم مشاريع ومقترحات قوانين للبرلمان من أجل خلق فرص عمل للشباب مثلا. هل بالإمكان أن يطبق فكرة "لا مركزية السلطة"؟ ينطلق سعيّد في مقترحاته من شعار رفع خلال ثورة 2011 "الشعب يريد"، ويقدم فكرة توزيع السلطة على مجالس جهوية في مختلف مناطق البلاد، ما يسمح بإرساء "الديمقراطية المباشرة"، وفقا لتعبيره. ومن الصعب أن تتفق كتل البرلمان المشتتة والمتنوعة على هذا المقترح. في المقابل ربما يحظى بدعم من الكتلة الأولى، حركة "النهضة" (52 نائبا من مجموع 217)، التي دعت أنصارها للتصويت لسعيد في الدورة الرئاسية الثانية. وما يزال مشروع إحداث توازن بين المناطق الداخلية في البلاد عبر لامركزية السلطة، الذي كان مطلبا جماهيريا خلال ثورة 2011، قائما. إلا أن الطبقة السياسية لم تكن حريصة على تنفيذه بالشكل الذي يقنع التونسيين. وتمت المصادقة على قانون الجماعات المحلية قبيل الانتخابات البلدية منتصف العام 2018 من أجل منحها تفويضا وسلطات أوسع في اتخاذ القرارات، لكن تطبيق ذلك لم يلق صداه على أرض الواقع لخلافات سياسية في تركيبة المجالس. وتقول نسرين جلايلية، رئيسة منظمة "بوصلة" التي تتابع الشأن البرلماني في تونس، "رفض وزراء ونواب فكرة توزيع السلطة (...) وسيكون هناك دفع جديدة لفكرة اللامركزية" مع وجود رئيس يتبنى الفكرة. *أ.ف.ب