"قدرنا أن نتلقى الطعنات في الظهر من قبل الجميع، الحلفاء وغيرهم، ولكننا لم ولن نعول على أحد في الدفاع عنا... سندافع عن أنفسنا حتى الرمق الأخير، فلا سبيل آخر أمامنا .. فالدول تحكمها المصالح، لا المبادئ، وربما اختار الجميع أن تكون مصلحتهم مع تركيا، وبالتالي فهم الآن صامتون على غزوها لمناطقنا". بهذه الجمل، لخّص صالح مسلم، القيادي الكردي البارز، الوضع الراهن في ظل إعلان تركيا اكتمال استعداداتها لشن عملية عسكرية ضد مناطق التمركز والوجود الكردي في شمال وشرق سورية. وقال مسلم في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية: "الكل يقول إنه عقب سحب الولاياتالمتحدة قواتها من مناطقنا، وفي إطار الاستعداد لصد الهجوم التركي، يتعين علينا المسارعة بمد الجسور والتحالف مع روسيا والنظام السوري، بل والقبول بعرض إيران، خصم أمريكا اللدود، بتأمين مناطقنا... أقول للجميع: إن إيرانوروسيا والنظام السوري متواطئون مع تركيا... ونحن لا نتحالف مع طرف ما لمجرد خلافه أو عداوته لطرف آخر لم يلتزم بوعوده معنا... مواقفنا لا تتخذ بهذه الطريقة." وشدد مسلم على أنه رغم "انفتاح الأكراد على الحوار مع الجميع، بما في ذلك الأتراك، لتجنيب أهالي ومكونات مناطق الإدارة الذاتية، من عرب ومسيحيين سريان وكرد أيضا، خطر الإبادة الجماعية أو العرقية، إلا أنهم لم ولن يلجؤوا إلى أي طرف طلبا للدعم." وأوضح أن "الدول لها مصالحها... هذا ما نعرفه. وبالتالي، نحن لا نتوقع من أحد أن يحمل السلاح أو أن يدافع عنا... وإقدام أي طرف على تقديم الدعم اللوجستي أو التسليحي لنا سيتوقف بالدرجة الأولى على حجم المصلحة التي ستتحقق له جراء ذلك، أي لو رأت إيران أو روسيا أو النظام السوري أن لأي منهم مصلحة في التعاطي معنا ودعمنا، فسيفعلون ذلك... وهناك بالفعل مصالح عدة تجمعنا بالمنطقة، في مقدمتها الحرب على الإرهاب، ولكننا في الوقت نفسه لا نعلم ماذا عرضت عليهم تركيا مقابل دعمهم لها... في اعتقادي، وفي ظل ما يظهر الآن، هناك صفقات جماعية ومقايضات عقدت بالفعل... لقد حصل الأتراك على ضوء أخضر لعمليتهم العسكرية ضدنا من قبل تلك الدول، وإلا كيف نفسر صمت الجميع عن الغزو... كيف نفسر تحديدا صمت النظام السوري عن قبوله لاحتلال تركيا جزءا آخر جديدا من الأراضي السورية". وتابع القياد الكردي قائلا: "احتلت تركيا عفرين من قبل، وقامت قواتها العسكرية بمساعدة مجموعات ما يعرف بالجيش الحر بالكثير والكثير من عمليات التنكيل والظلم ضد الأهالي هناك، وقاموا بعمليات تتريك وتغيير ديموغرافي واسع... فماذا فعل النظام السوري؟ مع الأسف، التزم الصمت، حتى شكوى واحدة للأمم المتحدة لم يقدمها حول ما حدث بعفرين من جرائم... النظام يتكلم عن السيادة السورية، فليتفضل ليدافع عن هذه السيادة معنا، ربما يريد منا أن نستسلم له بشكل كامل... ولكننا نشك كثيرا في قدرة هذا النظام على فعل أي شيء... ربما هم استسلموا لتركيا". وأردف بالقول: "نعم قدراتنا العسكرية لا تقارن بقوة دولة كتركيا، ولكننا لن نستسلم، وسندافع إلى النهاية." وكان البيت الأبيض أصدر بيانا، مساء أمس الأول الأحد، قال فيه: "الولاياتالمتحدة لن تقف، ولن تتدخل، في وجه الهجوم التركي الذي لطالما هددت أنقرة به طويلا في شمال شرقي سورية." وأعلنت قوات سورية الديمقراطية (قسد) أنها فوجئت بالقرار الأمريكي بسحب عناصرها الموجودة في هذه المناطق التي يشكل الأكراد المكون الرئيسي لسكانها، وهو ما اعتبرته "قسد" الضوء الأخضر من واشنطن لتشن تركيا هجوما على مواقع الأكراد. واستبعد الرئيس المشترك للجنة العلاقات الخارجية بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري أن يكون هدف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من احتلال وضم مناطق في شمال وشرق سورية إنشاء منطقة آمنة على الحدود مع سورية، ليعيد إليها ما يقرب من ثلاثة ملايين ونصف مليون سوري موجودين حاليا في بلاده. وأوضح مسلم أن "الهدف ليس القضاء على التهديد الكردي لتركيا في كل من تل أبيض ورأس العين وغيرها من المواقع التي انسحبت منها القوات الأمريكية بالفعل حاليا، وليس السبب أيضا تعالي شكوى الشعب التركي مؤخرا جراء تحمله تبِعات وجود كثير من السوريين بأراضيه والمطالبة بإعادتهم إلى الداخل السوري، وبالتالي تكون تلك المنطقة الآمنة هي الحل لتوطينهم... فالقرار الأمريكي بالانسحاب كان مفاجئا لنا ولكثير من العسكريين الأمريكيين، وقد اعترض كثير من المسؤولين الأمريكيين عليه، وحذروا من تبعاته الكارثية على المنطقة والعالم... فوجود تركيا في تلك المناطق يعنى، بلا جدال، السماح لبقايا داعش وخلاياه النائمة في سورية والعراق بتنظيم أنفسهم من جديد، وحينها سيكون على الجميع الاستعداد من جديد لمواجهة هذا الخطر." وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، هناك ما يقرب من 14 ألف عنصر من "داعش" معتقلين الآن لدى قوات سورية الديمقراطية، ويحذر مراقبون من تبعات إطلاق سراحهم بأي شكل كان، سواء بقرار سياسي من تركيا أو فرارهم خلال العمليات العسكرية. ويتوقع المراقبون تحول هؤلاء إلى قوة ضارية تشكل تهديدا حقيقيا على الدول العربية والغربية التي دعمت الحرب على التنظيم. وسخر مسلم من تبريرات الرئيس الأمريكي لقرار سحب القوات الأمريكية من المنطقة الحدودية لسورية مع تركيا، وحديثه عن التكلفة المادية التي تحملها الأمريكان، وكيف أن الأكراد حصلوا على الأموال والأسلحة من التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة خلال الحرب على التنظيم الإرهابي "داعش"، مما يعني أنه ليس مدينا لأحد. وقال: "إذا كانت القضية تقاس بالدولار، فنحن بالتأكيد لا نعرف الثمن أو القيمة... ونترك له التقييم، فهو ضليع وماهر في تلك المسائل." وأضاف مسلم: "لكننا دفعنا وقدمنا أكثر من 11 ألف شهيد من قواتنا خلال المعارك مع داعش على مدار سنوات الحرب، والسؤال هو: كم قدم ترامب من القوات الأمريكية؟ وكم سقط من هذه القوات خلال المعارك مع التنظيم الإرهابي الذي مثل خطرا على الإنسانية وقيمها؟... هل قدم جنودا في سورية مثلما قدم في أفغانستان والعراق؟ نعم زودتنا أمريكا بالسلاح والمعدات ولكن كان هذا في إطار الشراكة للقضاء على داعش، أي لمصلحتها ومصلحة جميع أعضاء التحالف الدولي... فالأمر لم يكن منحة مجانية لنا". ورفض مسلم بشدة ما يطرحه مراقبون من أن الأكراد لم يتعلموا الدرس جيدا، وأن الأمريكان كانوا سيتخلون عنهم خلال هذه الأزمة لانتهاء المصلحة المشتركة بعد إعلان القضاء على "داعش" في منطقة الباغوز السورية في مارس الماضي. وأوضح أن "هذا ليس حكما أو قياسا صحيحا... أولا نحن لم نعتمد من البداية على توفير الأمريكان الحماية لنا كمكون لنقول الآن إنهم تخلوا عنا... بالأساس عندما هددت داعش وجودنا بوضع السيوف على أعناقنا، لم نجد من يقف إلى جورانا... طلبنا المساعدة من الجميع وتحدثنا تحديدا مع الروس بهدف استخدام نفوذهم لدى النظام ليساعدنا، ولكن للأسف لم يستجب أحد لدعواتنا." وتابع: "كنا ندافع عن وجودنا وعن القيم الإنسانية، ومع بشائر انتصارنا على داعش في كوباني، وما رصده الأمريكان من بسالتنا في التصدي له، عرضوا علينا المشاركة عبر التحالف الدولي وحققنا سويا انتصارات تاريخية ونتائج باهرة... كانت هناك مصلحة مشتركة بيننا، أما اليوم، فالأمريكان، وتحديدا ترامب، قد وجدوا مصلحتهم مع تركيا." واختتم مسلم حديثه قائلا: "بالطبع، ترامب خالف وعود بلاده لنا بأنه لن يسحب القوات الأمريكية قبل أن يتم القضاء على داعش نهائيا، ويتحقق الاستقرار للجميع عبر آلية الحل السياسي... نعم داعش انتهى كتنظيم عسكري موحد، ولكن خلاياه النائمة موجودة غربي الفرات وفي مواقع أخرى... وقد ينشط التنظيم مع تسلم تركيا لتلك المناطق... وقد توجهت أغلبية القوات الكردية التي كانت تحمى معتقلي التنظيم إلى مراكز التعبئة بفعل الاستنفار والاستعداد لصد العدوان التركي، وهو ما يشكل خطرا على الجميع، وليس علينا وحدنا... بالنسبة لنا، داعش صنيعة تركيا، لقد تغافل الجميع أو تناسوا تاريخ الأتراك وغرامهم بقطع الرؤوس". *د.ب.أ