ظل منصب السفير الأمريكي في الرباط شاغرا منذ تولي الرئيس الحالي، دونالد ترامب، دفة الحكم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ما دفع كثيرا من المراقبين إلى التساؤل عن سبب أو أسباب ذلك، خصوصا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وطوال الفترة السابقة، ربط عدد من المراقبين المغاربة هذا الشغور بفتور علاقات الرباطوواشنطن خلال السنوات الأخيرة، لكن تحليل السياسة الخارجية الأمريكية الحالية يبرز خلاف ذلك ويبين مدى الأزمة التي تعيشها في ظل حكم الرئيس ترامب. أبرز معالم أزمة السياسة الخارجية التي تعيشها واشنطن تتمثل في عدم تعيين أو تثبيت سفراء لها ليس فقط في عدد من العواصم العالمية، وإنما أيضا في المنظمات الدولية، مع عدم اهتمامها كثيرا بذلك. فراغ سفارات واشنطن عبر العالم وحسب جرد قامت به هسبريس استنادا إلى معطيات وزارة الخارجية الأمريكية، فإن 48 منصب سفير أمريكي ما يزال شاغرا، بما في ذلك سفراء أمريكا لدى عدد من المنظمات الدولية وبعدد من العواصم العالمية، منها سفارتها ب "طريق زعير" بالعاصمة المغربية الرباط. المثير في هذا الفراغ الذي تعيشه سفارات واشنطن عبر العالم، كونه يشمل عددا من الدول التي تحتضن أراضيها قواعد عسكرية أمريكية، أو تجمعها مع واشنطن مصالح استراتيجية كبيرة، كما هو الحال بالنسبة لليابان وقطر، بالإضافة إلى بلدان تعد خصوما للولايات المتحدة على الصعيد الدولي، كروسيا وكوبا. وإلى جانب ذلك، فإنه إلى حدود منتصف العام الجاري ظلت أكثر من خمسين سفارة أمريكية عبر العالم بدون سفير، وبدا لافتا أن هذا الشغور يشمل "المناطق الساخنة" التي تتدخل فيها الولاياتالمتحدة بشكل مباشر، كالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذا أمريكا اللاتينية. وفي الوقت الذي يشرف فيه على السفارة الأمريكيةبالرباط القائم بالأعمال ديفيد غرين، فإن رجل الأعمال ديفيد فيتشر فشل في الحصول على ثقة مجلس الشيوخ رغم وجود أغلبية جمهورية، ما جمد عملية إقرار سفير جديد. وحسب المكتب الأمريكي للمحاسبة، فمنذ عام 2008 واجهت واشنطن مشاكل عدة من أجل سد الخصاص في عدد من المناصب الشاغرة عبر العالم لأسباب أمنية وتدبيرية، كما أن الإدارات المتعاقبة لا تتوفر على أي خطة من أجل الحد من هذا الخصاص، ما يؤثر بشكل سلبي على عمل الدبلوماسيين الأمريكيين في الخارج. هل تتراجع واشنطن دوليا؟ بالمقارنة مع عددها خلال الإدارتين السابقتين، فإن عدد مناصب سفراء أمريكا الشاغرة حاليا يمثل أكثر من الضعف، بحيث إن فترة إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، عرفت شغور 11 منصبا، في حين خلال فترة جورج بوش وصل العدد إلى 15 منصبا. وإلى جانب ذلك، قامت إدارة ترامب بخفض المساعدات التي تقدمها وزارة الخارجية لعدد من الدول عبر العالم بنسبة 29 في المائة سنة 2018، بالمقارنة مع إدارة أوباما، ما يدفع كثيرا من المحللين عبر العالم إلى الاعتقاد أن الدور الأمريكي على الصعيد الدولي أصبح يتراجع. وفي هذا السياق، كشف استطلاع للرأي أجراه مركز "غالوب" الأمريكي حول معدل التأييد للدور الأمريكي عبر العالم تراجعه من 48 في المائة إلى 30 في المائة خلال بداية العام الجاري، مقابل بروز قوي للدور الصيني، حيث وصل معدل التأييد لسياسات بيجين على الصعيد الدولي إلى 30 بالمائة في وقت قياسي، وهو ما لم تكن تحظى به خلال السنوات الماضية.