من موسيقى الهامش إلى أشكال فنية خارجة عن المألوف، خلق مهرجان "بولفار" طيلة عشرين سنة الحدث بعروض فنية قادمة من الهامش، بعد أن راكم العديد من التجارب والمكاسب التي تحقّقت بعد مكابدات مضنية وتضحيات طويلة. واجتاز المهرجان، منذ تأسيسه سنة 1999، بمبادرة من جمعية التربية الفنية والثقافية "لبولفار " L'Boulevard، تحت إشراف الثنائي النشط (محمد مرهاني الملقّب ب"مومو" وهشام باهو)، العديد من الفترات الصعبة واعترضت طريقه كثير من الصعاب والإكراهات، واتهم أحياناً، بالتحريض على الفسق، إفساد أخلاق الشباب، نشر الموسيقى الشيطانية وغيرها. كثير من الفرق، التي قدّمها المهرجان سابقاً وحصلت على جوائزه وتقديراته، أصبحت من الفرق الشهيرة اليوم في أشكال موسيقية مختلفة؛ من بينها "كباريه الشيخات"، التي انطلقت بمبادرة مِن مخرجها غسان الحكيم، حيث وضع أعضاء الفرقة الرجالية مساحيق تجميل وارتدوا فساتين نسائية لتقديم لوحة فنية موسيقية تعيد الاعتبار لفن العيطة و"المرأة الشيخة" التي لعبت دورا مهما في استقلال المغرب، حسب قائد الفرقة. مهرجان البولفار كان فرصة أمام المجموعة، يقول غسان، "للخروج من الفضاءات المغلقة نحو الفضاء العام، إذ إن التجاوب الإيجابي للجمهور مع العرض أعطى شحنة إيجابية لأعضائها من أجل تقديم العرض في جل الفضاءات". وخلف خشبات المسرح، بعث المخرج المغربي هشام العسري "منقبة الصاية" للدفاع عن حقوق المغربيات في اللباس، وتصوير ردود أفعال الجمهور الحاضر في المهرجان على طبيمدير، وقدمها في إطار فيلم موسيقي لمعالجة موضوع التحرش بالمرأة، وسكيزوفرينيا المجتمع في تعامله مع النساء. تصوير تلك المشاهد من داخل "بولفار" لم يكن سهلا، يؤكد العسري، ويضيف: "التعامل مع الحدث بتشنج كبير من طرف الحضور أولا، ثم سخط رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين عبروا عنه بعد تداول الصورة، ثم إصدار أحكام مسبقة عن العمل"، مبرزا أن الشريط اعتمد على الفتاة المنقبة كشخصية رئيسية، في حين تم تصوير ردود أفعال الجمهور الحاضر في المهرجان على طبيعتها. محمد المغاري الشهير ب(مومو)، مدير المهرجان، أورد، في حديثه لهسبريس، أن "المهرجان لم يعد ينحصر على الموسيقى فقط، بل انفتح على أشكال ثقافية وفنية أخرى، كالمسرح الارتجالي والسرك وفنون الشارع. ويمكن القول إنه تحول إلى فضاء فني تمارس فيه حرية التعبير، من خلال كل الأشكال والأصناف الفنية". وأضاف مومو أن المهرجان اعتمد في بداياته على موسيقى الهامش، التي تُصنف في موسيقى الروك والراب ثم الموسيقى الإلكترونية، وهي أنماط كانت تعَد جديدة ودخيلة على المجتمع المغربي آنذاك؛ لكن اليوم بإمكاننا أن نجد الأب والابن والجدة يصغون بشكل جماعي لموسيقى بولفار". وسيكون الجمهور البيضاوي على مدى 10 أيام على موعد مع عروض فنية لفرق محلية، علاوة على موسيقيين شباب ينحدرون من كل من البنين والسنيغال وموريتانيا والجزائر ومصر ولبنان واليونان وهولندا والبرازيل والولايات المتحدةالأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة وبلجيكا وإسبانيا وإندونيسيا والبوسنة والهرسك. وبهدف خلق ثقافة موسيقية بديلة تنهل من التراث المغربي وتمتزج بموسيقى شبابية من أجل بلوغ العالمية، يستقبل المهرجان هذه السنة 19 مجموعة موسيقية ستأتي من مختلف أنحاء المغرب. كما سيتم فتح الفضاء المخصص للفاعلين الجمعويين بهدف منحهم فرص التقاء مهنيي المجال الثقافي والفني بالعاصمة الاقتصادية؛ وهو مفتوح أيضا في وجه الجمهور العريض والفنانين، ويتيح مجالا أوسع للمشاهدين الصغار، باختياره لموضوع "كيف تتم الوساطة مع الجمهور الناشئ؟"، يقول مدير المهرجان. وسيخصص فضاء "السوق" من أجل خلق البهجة والفرح عند الجمهور، خاصة الأطفال وأسرهم، فضلا عن تنظيم عددا من الأنشطة والورشات المقترحة من لدن الجمعيات العارضة حول مواضيع مختلفة من الرسوم المتحركة إلى النضال البيئي وتنظيم عروض موسيقية مفتوحة أمام المواهب الشابة والارتجال الموسيقي.