لا آمال أوْ طمُوحات لهم، حبلُ الحياة مُنْقطع، ولا رغْبة لهم في الاستمرار.. هم صغارٌ في السنّ إلاّ أنهم أصبحُوا عاجزين عن تذوّق طعم الحياة التي حاباهم بها الله، إلى أنْ قرّروا أنْ يضعُوا لها حدّا بصفة نهائية، مُتخلّصين بذلك من "مرارة" العيش. أصْبحت أخبار انتحار الشباب والأطفال بل وحتّى الكهول مُنتشرة بكل مدن المملكة؛ لكن المُلاحظ أنّها أضحت أكثر تداولا في صفوف المُراهقين بعدد كبير من مدن شمال المملكة، إذ سُجّلت خلال الأسابيع القليلة الماضية أكثر من 5 محاولات انتحار، خاصة في صفوف شباب لا تتعدّى أعمارهم 18 سنة. حسب منظمة الصحة العالمية، يصنف المغرب كثاني بلد عربي تسجل فيه أكبر معدلات الانتحار، التي تقدرها أرقام المنظمة ب5.3 حالات لكل مائة ألف نسمة. المُلاحظ وطنيا أنّ هناك غياب أيّة أرقام رسمية تحدّد عدد المنتحرين بالمملكة، لا سيما في ظلّ غياب أي إستراتيجية وطنية لمقاومة الظاهرة أو الحدّ منها. عبد ربه البخش، باحث في علم الاجتماع، أكّد أن "نسبة التعاطي للموت أصبحت في تزايد مستمر في المغرب، خاصة بجهة طنجةتطوانالحسيمة، في ظل التقلبات الاجتماعية والاقتصادية التي تلعب دورا مهما في استفحال ظاهرة الانتحار". وأكّد البخش، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنّ "نسبة التعاطي للموت ترتفع كلما انهارت الروابط الاجتماعية وتقلبت الأحوال الاقتصادية، ومنطقة شمال المغرب خاصة أقاليم تطوان وشفشاون ووزان والحسيمة تمر من أزمة اقتصادية خانقة نتيجة تراجع الرواج الاقتصادي المرتبط بزراعة الكيف والتهريب المعيشي". وأضاف منسق لجنة الدراسات والأبحاث بجمعية أصدقاء السوسيولوجيا بتطوان أنّ "ظاهرة الانتحار بشمال المغرب ترتبط بظواهر اجتماعية أخرى، كظاهرة زراعة الكيف والهجرة السرية والتهريب وتعاطي المخدرات والمواد السامة"، مشيرا إلى أنّ "الفاعل في هذه الظواهر هو فرد ينشط خارج القانون، ومن ثم فالإقبال على الجريمة أو الانتحار أمر وارد بالنسبة إليه في كل لحظة". وأورد المُتحدّث أنّ "هناك عوامل فردية-نفسية تتصل بمزاج وطبع وسوابق الفرد الشخصية؛ وتبعا لذلك، فحينما يقرر الفرد الانتحار فهو يسعى إلى التخلص من سلسلة من التعقيدات النفسية والاجتماعيات والاقتصادية التي تحيط به أكثر مما يسعى الى التخلص وإلحاق الأذى بجسده". وأبرز البخش، ضمن التصريح ذاته، أنّ هناك عوامل ثقافية أيضا وراء إقبال المراهقين عن الانتحار؛ والتي تظهر في كيفية مواجهة الفرد للأزمات والهزائم التي يتعرض لها خاصة عند المراهقين، وهكذا يصبح الانتحار مخرجا ومنفذا للتخلص من الأفق المجهول والغامض الذي يقف أمام المنتحر، عوض مواجهته". *صحافية متدربة