يظن البعض أن عقدة التعليم قد فكت، عقب التصويت البرلماني على القانون المثير للجدل (القانون الإطار) الذي سيشكل وعاء قانونيا يؤطر الإصلاحات التي بشرت بها "الرؤية الإستراتيجية للإصلاح"، في إنقاذ منظومة التربية والتكوين من أوحال الرتابة والجدل والانحطاط، بشكل يؤسس لتعليم عصري، ناجع، فعال، عادل ومنصف؛ لكن واقع الممارسة يعطي الانطباع أن "دار لقمان" ما زالت على حالها، في زمن "رؤية إصلاحية" دخلت موسمها الرابع، دون أن تقوى إلى حد الآن على زحزحة "قارات" المناهج المتجاوزة والبرامج العقيمة الغارقة في أوحال "الكم" والمكرسة للرتابة والنفور، وطرائق التقويم التي ما زالت مصرة على مخاطبة الذاكرة والتعامل مع المتعلم(ة) بطريقة آلية، تجعل منه مجرد "ماكينة" لا تصلح إلا للشحن والحفظ، بشكل يكرس أجيالا معاقة على مستوى المناهج والنقد وطرق التفكير والمواقف والمهارات...، تختزل كل أحلامها في الحصول على "كارطونة"/ شهادة الباكالوريا في استحقاقات موسمية، سارت مقرونة بالنفير وإعداد العدة والوعد والوعيد والكر والفر، وكأننا في معارك حامية الوطيس، في صورة نمطية تعكس وجه منظومة تعليمية، تحتاج إلى نقاش حقيقي، في أفق بلورة "النموذج التنموي المرتقب". نموذج تنموي ستنكب عليه "اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي" المرتقب تنصيبها غضون الدخول المقبل، والتي أمكن الإحاطة بمواصفاتها والإطار العام الذي سيتحكم في منهجية عملها وحدود تدخلها وهوامش تصرفها، على ضوء ما ورد في مضامين خطابي "العرش" و"ثورة الملك والشعب"، إذ يجب عليها "أن تأخذ بعين الاعتبار التوجهات الكبرى، للإصلاحات التي تم أو سيتم اعتمادها، في عدد من القطاعات، كالتعليم والصحة، والفلاحة والاستثمار والنظام الضريبي، وأن تقدم اقتراحات بشأن تجويدها والرفع من نجاعتها". وعليه، وفيما يتعلق بقطاع التعليم، ستجد "اللجنة" نفسها أمام "الرؤية الإستراتيجية" و"القانون الإطار"، وهي مطالبة بتشخيص أمثل ودقيق لواقع الحال، عبر التحلي بروح المسؤولية والموضوعية والتجرد واستحضار الصالح العام، وتملك القدرة على فهم نبض الشغيلة التعليمية وانتظاراتها وتطلعاتها، دون إغفال ما صاحب ويصاحب القانون الإطار من جدل متعدد المستويات، وحالة الاحتقان التي يعرفها القطاع بكل فئاته، في اتجاه "تقديم مقترحات" تسمح بتجويد والرفع من نجاعة ما تم تنزيله أو سيتم تنزيله من مشاريع إصلاحية، بشكل يسمح ببلورة "مشروع تعليمي" حقيقي، يشكل عمود "النموذج التنموي المرتقب" الذي لا يمكن كسب رهانه إلا بالتعليم وفي ظل التعليم. انفتاح "تركيبة اللجنة" على مختلف التخصصات المعرفية والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص، تتوفر على شروط ومعايير "الخبرة" و"التجرد" و"القدرة على فهم نبض المجتمع التعليمي" و"استحضار المصلحة العليا للوطن"، من شأنه مقاربة واقع التعليم من زوايا مختلفة تتيح وبدون شك زخما من الرؤى والمعطيات والمقترحات، التي من شأنها تجويد ما تم القيام به من توجهات إصلاحية كبرى وإضفاء النجاعة عليها، مع الحرص على ضرورة التحلي بالموضوعية، وتملك الجرأة في قول الحقيقة، ولو كانت قاسية أو مؤلمة، والشجاعة والابتكار في اقتراح الحلول الناجعة، التي من شأنها القطع مع الجدل والاحتقان، وإعادة الثقة في المدرسة العمومية وإحاطتها بشروط الأمن والاستقرار، من أجل تنزيل أمثل وناجع للإصلاحات المأمولة. إذا كان خطاب العرش قد أشار إلى "التعليم" باعتباره يدخل في خانة التوجهات الكبرى للإصلاحات التي تم أو سيتم اعتمادها في عدد من القطاعات، فإن "القطاع" حظي بإشارة سريعة في خطاب الذكرى ال66 لثورة الملك والشعب، في سياق الحديث عن التكوين المهني وأهمية في الاندماج المهني والاستقرار الاجتماعي، بعدما أكد جلالة الملك محمد السادس أن "الحصول على الباكالوريا، وولوج الجامعة، ليس امتيازا، ولا يشكل سوى مرحلة في التعليم. وإنما الأهم هو الحصول على تكوين، يفتح آفاق الاندماج المهني، والاستقرار الاجتماعي"، وهي رؤية ملكية، تسائل طرائق التدريس المعتمدة في التعليم المدرسي (نظام الباكالوريا) والجامعي، في ظل مناهج وبرامج لازالت مصرة على مساءلة الذاكرة والحفظ، عوض مساءلة المناهج والمواقف وطرق التفكير والتحليل والمهارات والقدرات، والارتباط الناعم بما يتطلبه سوق الشغل من تخصصات وتكوينات، بدليل أن نسبة كبيرة من حاملي الباكالوريا والمتخرجين من الجامعات، خاصة ذات الاستقطاب المفتوح (كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، كليات الآداب والعلوم الإنسانية ...)، يصعب عليهم إيجاد فرص شغل، في ظل "دبلومات"، من يحصل علها، يستوجب عيه التدريب والتكوين المهني، لاكتساب الكفايات وتملك المهارات الضرورية التي تسمح بالاندماج المهني. على ضوء ما ورد في خطاب "ثورة الملك والشعب"، بات واضحا للعيان أن الدولة ماضية في اتجاه "النهوض بالتكوين المهني الذي أصبح ضرورة ملحة، ليس فقط من أجل توفير فرص العمل، وإنما أيضا لتأهيل المغرب، لرفع تحديات التنافسية الاقتصادية، ومواكبة التطورات العالمية، في مختلف المجالات"، بعدما بلورت خارطة الطريق المتعلقة بتطوير عرض التكوين المهني وإحداث مدن المهن والكفاءات، باعتباره "رافعة إستراتيجية حقيقية لتعزيز القدرة التنافسية للمقاولات، وعاملا أساسيا لإدماج للشباب في سوق الشغل"، إلا أن "التكوين" على مستوى التعليم المدرسي والجامعي يبقى في حاجة ماسة إلى خارطة طريق واضحة المعالم، تسمح بالرفع من مستوى وجودة التكوينات المقدمة، وإعادة هيكلة الشعب والتخصصات، والارتقاء بمستوى المناهج والبرامج، بما يتلاءم وحاجيات ومتطلبات سوق الشغل، بشكل يفتح أفقا رحبة للاندماج المهني والاستقرار الاجتماعي، مع التنصيص على ضرورة تعزيز سبل التواصل والتعاون والتجانس بين التعليم المدرسي والجامعي من جهة، والتكوين المهني من جهة ثانية، من أجل بلورة "رؤية" شمولية للتكوين. وحرصا منا على إغناء النقاشات المتعددة المستويات، بشأن "النموذج التنموي المرتقب" خاصة في الشق التعليمي، واستثمارا لما نعاينه في واقع الممارسة كأساتذة ممارسين، من مظاهر القصور والرتابة والمحدودية التي تعتري العمليات التعليمية التعلمية والحياة المدرسية بشكل عام، يمكن إبداء الملاحظات والمقترحات التالية، التي يمكنها الإسهام في تصحيح مسار الإصلاح". "القانون الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين" الذي سيؤطر "الرؤية الإستراتيجية"، هو سابق للمهمة التي ستباشرها "اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي" المرتقب تنصيبها في قادم الأسابيع، ولا مناص اليوم، من إعادة فتح هذا القانون المثير للجدل، من أجل تجويده بما يضمن نجاعته والإجماع عليه، شأنه في ذلك شأن "الرؤية الإستراتيجية" وما بشرت به من مشاريع إصلاحية. إعادة فتح ملف الأساتذة أطر الأكاديميات بروح من المسؤولية والتجرد والواقعية، في اتجاه تجويد "القانون الأساسي" وإحاطته بما يكفي من الضمانات القانونية، بما يضمن تحقيق الاستقرار الوظيفي والأمن المهني، ومعالجة باقي الملفات العالقة وفق رؤية شمولية ترمي إلى النهوض بالأوضاع العامة للشغيلة التعليمية تحت لواء "نظام أساسي جديد" عادل ومنصف ومحفز، بشكل يسمح بالقطع مع كافة أشكال الجدل والارتباك والاحتقان، وإعادة الاعتبار لمهنة "التدريس" حتى تستعيد قيمتها وجاذبيتها وتأثيرها المجتمعي والتربوي. التفكير في إرساء آليات للتحفيز، وإعادة النظر في منظومة التعويضات (المخاطر، مهمة المراقبة/الحراسة، مهمة التصحيح ...إلخ)، بما يعزز الارتقاء بالمستويين المادي والاجتماعي، ويحقق "الفاعلية" و"الجاهزية" و"الأريحية"، وقبل هذا وذاك "المردودية" و"الجودة"، وبلغة الصراحة والمكاشفة، مجموعة من المدرسين في التعليم العمومي يتهافتون على المؤسسات الخصوصية، في محاولة للحصول على مدخول شهري إضافي، من شأنه تحسين مستواهم المادي، وهم بذلك يتحملون مجهودات إضافية ويستنزفون طاقاتهم وقدراتهم بين التعليمين "العمومي" و"الخصوصي"، بدل استثمار كل الجهد وتسخير كل الطاقة في أقسامهم ولفائدة تلاميذهم، وبالقدر ما يمكن إدانة هذا الواقع المقلق، بالقدر ما يمكن التطبيع معه على مضض، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار محدودية الأجور في التعليم العمومي وغياب شروط العمل المحفز (لا يمكن تحقيق المردودية بدون تحفيز). إعادة الاعتبار لنساء ورجال التعليم يقتضي أيضا إعادة الاعتبار لمهنة "التدريس" التي سارت أبوابها مفتوحة على مصراعيها لكل من هب ودب، مما ينعكس على قيمة المهنة. وفي هذا الصدد، وفي الوقت الذي نجد فيه مجموعة من المهن والوظائف تشدد في شروط الولوج إليها من أجل انتقاء الأجود، يسجل أن "مهنة التدريس" أضحت سهلة المنال والإدراك، ومتاحة للجميع بدون قيد أو شرط تقريبا؛ وهو ما يفرض إعادة النظر في شروط ومعايير الولوج إلى مهنة، تقتضي مواصفات خاصة ومعايير وشروط انتقاء دقيقة، بما في ذلك إخضاع المرشحين لاختبارات "بسيكو تقنية" صارمة، للتأكد من قدراتهم النفسية ومدى استعدادهم لتحمل مسؤولية تدريس الأجيال. الارتقاء بصناعة "المدرس" على مستوى التكوين الأساس والتداريب الميدانية، والنهوض بالتكوين المستمر وإحاطته بشروط الجاذبية والتحفيز، من أجل المواكبة المستدامة لما يحدث في المشهد التعليمي الدولي من تحولات، على مستوى طرائق التدريس والمقاربات والبيداغوجيات التربوية والوسائل الديدكتيكية وغيرها. (إمكانية خلق منصة للتكوين عن بُعد). العناية بالصحة النفسية للمدرس في مهنة سارت مرادفة للتوتر والقلق والضغط والانفعال، في ظل أجيال جديدة من التلاميذ يتقاسمون التهور والعبث والتسيب واللامبالاة (مع وجود الاستثناء)، ولا يمكن التحكم فيهم، إلا بمدرس(ة) متوازن نفسيا، قادر على إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل القائمة أو المحتملة، بأساليب تربوية لائقة، بعيدا عن "الانفعال" الذي قد يولد ردات أفعال غير متوقعة وغير متحكم فيها من قبل بعض التلاميذ المتهورين، والمواكبة النفسية يجب أن تطال أيضا بعض المتعلمين الذين تظهر عليهم آثار العنف والانفعال لأسباب نفسية أو أسرية أو اجتماعية مختلفة. يسجل فراغ تشريعي من شأنه حماية المدرس(ة) من مخاطر المهنة، خاصة في حالات الاعتداء المادي واللفظي والنفسي، في ظل ارتفاع منسوب العنف المدرسي وما يرافقه من تصوير وتشهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لذلك، لا مناص اليوم من تنزيل تشريع قانوني من شأنه إحاطة نساء ورجال التعليم بما يكفي من الحماية والضمانات القانونية في حالة ما إذا كانوا موضوعا لأي اعتداء، وهي فرصة للتأكيد على ضرورة الانخراط في التنظيمات المهنية التي من شأنها سد الفراغات القائمة، ونخص بالذكر "منظمة التضامن الجامعي" التي يمكن الرهان عليها لتعزيز ثقافة التضامن والتعاضد بين مكونات الأسرة التعليمية. إحداث ثورة عميقة على مستوى المناهج المتهالكة والبرامج المتجاوزة وطرائق التدريس وأساليب التقويم، استحضارا للمتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية، واعتبارا للثورة الرقمية الهائلة التي تقتضي التخلص الذي لا رجعة فيه، من مفردات "التلقين" و"الحفظ" و"التخزين" و"الاستظهار"، وتقديم عروض تربوية عصرية، تؤسس لتلميذ(ة)/طالب(ة) يعرف كيف يتعامل مع المعلومة؟ كيف يفكر؟ كيف يناقش؟ كيف ينتقد؟ كيف يحلل؟ كيف يبدي الموقف؟ كيف يجادل؟ كيف يقترح الحلول؟ وكيف يبدع وكيف يتميز؟ أكد جلالة الملك محمد السادس في خطاب "ثورة الملك والشعب" أن "الحصول على الباكالوريا، وولوج الجامعة، ليس امتيازا، ولا يشكل سوى مرحلة في التعليم. وإنما الأهم هو الحصول على تكوين، يفتح آفاق الاندماج المهني، والاستقرار الاجتماعي"، وهذا يفرض الانتقال بالمنظومة التعليمية من الطابع "التعليمي" الصرف (ما يتلقاه التلميذ(ة) في إطار المواد المدرسة) إلى الطابع "التكويني" وفق رؤية تنفتح بشكل متبصر على "الحياة المدرسية" التي يمكن استثمارها في صقل مواهب ومهارات وقدرات التلاميذ عبر التدريب اليدوي والتعلم الذاتي والتعلم مدى الحياة والتأهيل المهني، بشكل يفتح آفاقا رحبة للاندماج المهني والارتقاء الاجتماعي. الرهان على الحياة المدرسية يقتضي أولا التخفيف من كم البرامج الدراسية (العبرة في الكيف وليس في الكم) من أجل توفير حيز زمني يسمح بالانخراط في كل ما يتعلق بالتدريب والتأهيل، ويقتضي ثانيا الارتقاء بالمؤسسات التعليمية على مستوى البنيات (ملاعب رياضية، قاعات مغطاة، مسارح، قاعات عروض، قاعات للورشات ...إلخ)، وهي إجراءات وغيرها، من شأنها أن تجعل من المدارس فضاءات جذابة، تتيح فرصا للتعبير وإبراز الهوايات واكتساب المهارات وتطوير القدرات، وتنويرا للرؤية، يبرز واقع الممارسة، أن عددا من التلاميذ لهم مؤهلات دراسية محدودة، ولكن لهم قدرات في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وكم من تلاميذ متهورين لهم قدرات رياضية، وآخرين لهم ميولات للموسيقى أو التمثيل، أو القصة أو الشعر أو الفنون التشكيلية، والأمثلة في هذا الصدد كثيرة، لذلك، لابد من الرهان على صقل المواهب وإكساب المهارات والقدرات، بشكل متناغم ومتجانس مع العمليات التعلمية داخل الفصول الدراسية. في ظل الاهتمام الواضح للدولة بقطاع التكوين المهني كآلية للاندماج المهني والارتقاء الاجتماعي، يمكن توجيه البوصلة نحو نظام "الباكالوريا المهنية" كوجه من أوجه الإصلاح المعتمد، وهذه التجربة تفرض تشخيص أمثل لواقع الحال، لثلاثة اعتبارات: أولها أن هذه الباكالوريا أضحت تستقطب تلاميذ متواضعين من حيث المستوى (لا هم أدبيين ولا هم علميين)، بدليل أن أدنى المعدلات في استحقاقات الباكالوريا وفي فروض المراقبة المستمرة تسجل في الباكالوريا المهنية، ثانيها: أن حصر "الدروس النظرية" في "التعليم المدرسي" و"الدروس التطبيقية" في "مؤسسات التكوين المهني"على قلتها، قد يشكل عبئا إضافيا على هذه المؤسسات في ظل محدودية الطاقات الاستعابية وقلة المؤطرين (مما قد يؤثر على الجودة والمردودية)، ثالثها: خضوع التلاميذ إلى جهتين (التعليم المدرسي، التكوين المهني) قد يصعب معه تفعيل آليات المراقبة والمواكبة والتتبع، خصوصا في الحالات التي يغيب فيها التواصل والتنسيق بين الجهتين، يضاف إلى ذلك غموض الرؤية على مستوى المسارات بعد الباكالوريا. لذلك، ومن باب الاقتراح، كان يفترض الرهان على "ثانويات مهنية" (على غرار الثانويات التقنية) مجهزة بأقسام ومدرجات للشق النظري وورشات خاصة بالدروس التطبيقية، أو إدماج هذا النوع من الباكالوريا في مؤسسات التكوين المهني في أفق تنزيل مدن المهن والكفاءات، وفي جميع الحالات، فالمرحلة تقتضي فتح ملف "الباكالوريا المهنية" وتجويد ما يمكن تجويده، بما يضمن الارتقاء بها. الإقرار بفشل النموذج التنموي القائم منذ سنوات، والتنصيب المرتقب للجنة الخاصة بالنموذج التنموي، التي ستنكب على بلورة "نموذج تنموي جديد"، يسائل بشكل مباشر بعض المواد المدرسة كما هو الحال بالنسبة لمادة التاريخ والجغرافيا بالسلك التأهيلي (الجغرافيا أساسا)، حيث تحضر بعض الوحدات الدراسية (الأولى باكالوريا علوم، الأولى باكالوريا آداب ..) ذات الصلة بالتنمية والتهيئة الحضرية والريفية وسياسة إعداد التراب الوطني، حيث تقدم مجموعة من البرامج والمخططات التنموية، تعد في الواقع جزءا لا يتجزأ من النموذج التنموي الفاشل، مما يجعلنا وجها لوجه، أمام برامج دراسية عقيمة "تجووزت" قياسا لما عرفته أو ما ستعرفه الساحة الوطنية من متغيرات مرتبطة بالنموذج التنموي المرتقب وما سيعرفه من جيل جديد من المشاريع والمخططات التنموية، ومع ذلك ستدرس كما جرت العادة، إلى أجل غير مسمى، وهي دعوة موجهة إلى الزملاء الأساتذة والسادة المفتشين التربويين، لفتح نقاشات متعددة المستويات بشأن منهاج "التاريخ والجغرافيا" وما يرتبط به من برامج دراسية وأطر مرجعية وأساليب تقويمية، في اتجاه تقديم البدائل، التي من شأنها الارتقاء بمادة، أصبحت مرادفة للرتابة والنفور، وما قيل عن منهاج التاريخ والجغرافيا، ما هو إلا مرآة عاكسة للمناهج ذات الصلة بعدد من المواد والتخصصات، التي تحتاج إلى التغيير في زمن التغيير. الرهان على "تعليم عصري" منفتح على روح وثقافة العصر يقتضي الانفتاح على "تكنولوجيا الإعلام والاتصال"، واستثمار ما تتيحه من إمكانات معرفية وتواصلية وتقنية هائلة، في بناء مناهج وتنزيل برامج متفاعلة مع الوسائل الحديثة وعاكسة لها، من أجل الارتقاء بالعمليات التعليمية التعلمية، التي ما زالت أسيرة "الطباشير"/ "القلم" والسبورة، ولا مفر من حسن استثمار المعدات والوسائل الديدكتيكية الحديثة من قبيل السبورات التفاعلية، الموارد الرقمية، أشرطة الفيديو، الدروس الرقمية، أجهزة "دتاشاو" وغيرها، كما أن الوزارة الوصية، تبقى مطالبة بالتفكير في خلق منصة رقمية رسمية، تتيح موارد رقمية ومعطيات وإحصائيات محينة بشكل دوري، من شأنها أن تشكل بنكا للمعلومات، بشكل يساعد المدرس(ة) على تطوير ممارسته والارتقاء بها، من أجل تعلمات أكثر عصرنة وأكثر نجاعة. وعليه، وتأسيسا على ما سبق، ستكون "اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي" مطالبة أولا، بوضع اليد على المداخل الكبرى للإصلاح المأمول، ومن ضمنها "مدخل التربية والتكوين"، في أفق بلورة رؤية شمولية للنموذج التنموي المرتقب، وفق إستراتيجية عمل ثلاثية الأبعاد : "تقويمية" (تقويم ما تم إنجازه أو سيتم إنجازه من مشاريع إصلاحية (الرؤية الإستراتيجية، القانون الإطار) و"استباقية" (استباق المشاكل والأزمات المحتملة، عبر التنزيل الاستباقي للخطط والتدابير اللازمة، للحيلولة دون إعادة صناعة مناخ الجدل والاحتقان) و"استشرافية" (استشراف المستقبل ورسم أهداف تعليمية مستقبلية واضحة المعالم، تقطع مع مفردات الارتباك والعشوائية ...)، ونذكر في هذا الصدد، أن التعليم هو قطاع إستراتيجي يمكن التعويل عليه في صناعة الإنسان وبناء صرح المواطنة والقيم، وكسب رهان التنمية الشاملة، وآن الأوان لمقاربة واقعه بالتحلي بالمسؤولية والموضوعية، والصراحة والتجرد، والقدرة على الإصغاء لنبض الشغيلة التعليمية وانتظاراتها، والجرأة في تقديم المقترحات والبدائل التي من شأنها التأسيس لتعليم عمومي ناجع وفعال، بقيت الإشارة أخيرا وليس آخرا، أن حال المدرسة العمومية، لن يستقيم إلا برجل التعليم الذي لازال خارج معادلة الإصلاح المأمول، وأي رهان لا يأخذ بعين الاعتبار الارتقاء بأوضاع نساء ورجال التعليم ماديا ونفسيا ومهنيا، هو رهان خاسر، عسى أن تنتبه "اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي" إلى واقع حال الشغيلة التعليمية، وتقدم المقترحات التي من شأنها تحسين وتجويد أوضاعها وظروف عملها، من منطلق أن "الإصلاح" يقتضي "شغيلة تعليمية" محفزة ومستقرة مهنيا ووظيفيا، بشكل يجعلها قادرة على تنزيل المشاريع الإصلاحية على أرض الواقع وضمان نجاحها، وأي توجه أو رؤية بعيدة عن هذا المنحى، لن تكون إلا تغريدة خارج السرب، على أمل أن تكسب "اللجنة" رهان تصحيح مسار الإصلاح، بما يضمن كسب رهان الارتقاء المأمول، مع الإشارة أننا لسنا من دعاة "التيئيس" ولا ممن تعود على إشهار سلاح "التبخيس" بشكل مجاني، سنظل أوفياء مساندين لكل المبادرات المواطنة والخلاقة، التي من شأنها الإسهام في النهوض بأوضاع الشغيلة التعليمية، والارتقاء بمستوى المدرسة العمومية، ولن نجد حرجا في توجيه البوصلة نحو مكامن الخلل ومواطن الضعف والهوان، التي تعيق الوطن وتحرمه من فرص التطور والإقلاع الشامل. [email protected]