"مزدلفة" ثالث المشاعر المقدسة التي يمر بها الحجيج في رحلة إيمانية يؤدون فيها مناسك الحج، بعد الوقوف بمشعر عرفات، ويقيمون فيها صلاتي المغرب والعشاء جمعًا وقصراً، ويجمعون فيها الحصى لرمي الجمرات بمنًى، ويمكثون بها حتى صباح اليوم التالي، يوم عيد الأضحى، ليفيضوا بعد ذلك إلى منى. وتقع مزدلفة بين مشعري منى وعرفات، والمبيت بها واجب، من تركه فعليه دم، والمستحب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في المبيت إلى أن يُصبح، ثم يقف حتى يسفر، ولا بأس بتقديم الضعفاء والنساء، ثم يدفع إلى منى قبل طلوع الشمس. ويعود تسميتها بمزدلفة، حسب ما ذكره العلماء والمؤرخون، إلى نزول الناس بها في زلف الليل، وقيل أيضاً لأن الناس يزدلفون فيها إلى الحرم، كما قيل إن السبب أن الناس يدفعون منها زلفة واحدة، أي جميعاً، فيما سماها الله تعالى المشعر الحرام وذكرها في قوله: ﴿فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام﴾. ويعد مشعر مزدلفة بكاملها موقفاً عدا وادي محسر، وهو موضع بين مزدلفة ومنى يسرع فيه الحجاج في مرورهم، حيث يحدها من الغرب ما يلي: منى ضفة وادي مُحَسِر الشرقية (وهو واد صغير يمر بين منى ومزدلفة، وهو ما يمر فيه الحاج على الطريق بين منى ومزدلفة)، فيكون الوادي فاصلًا بينها وبين منى، ويحدها من الشرق ما يلي: عرفات ومفيض المأزمين، وهما جبلان بينهما طريق تؤدي إلى عرفات، فيما يحدها من الشمال الجبل، وهو ثبير النصع، ويقال له أيضا جبل مزدلفة. وحظي مشعر مزدلفة باهتمام كبير ومشروعات تطويرية من حكومة المملكة العربية السعودية على مر السنين، في إطار تصدر خدمة الحرمين والمشاعر المقدسة اهتمامات ولاة الأمر-حفظهم الله-من أجل راحة ضيوف الرحمن وتسهيل حجهم ابتغاء مرضاة الله، حيث جاء في مقدمة ما قامت به الدولة، توسعة المشعر الحرام وتهيئة ساحات المبيت في مزدلفة للحجاج وتزويدها بكل ما هو مطلوب من الخدمات والمرافق الطبية والصحية والمياه النقية والطرق والإنارة ودورات المياه والاتصالات والتغذية والمراكز الإرشادية والأمنية، وتنظيم أماكن المبيت فيه لتسهيل حركة المرور، إلى غير ذلك من خدمات. ومساحة مشعر مزدلفة الإجمالية 963 هكتارا، يستفاد منها للحجاج 682 هكتارا، وفيها مسجد المشعر الحرام، وهو المسجد الذي ورد ذكره في قول الله تعالى: ﴿فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام﴾، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عند قبلته، ويقع في بداية مزدلفة على قارعة الطريق رقم 5 الذي يفصل بين التل والمسجد، ويبعد عن مسجد الخيف نحو 5 كيلومترات، وعن مسجد نمرة ب7 كيلومترات. وكان في بداية القرن الثالث الهجري متواضع المساحة والبناء، ولم يكن مسقوفاً، وله ستة أبواب. وفي العهد السعودي تمت توسعته وأصبح طوله من الشرق إلى الغرب (90 متراً) وعرضه (56) متراً، وبات يستوعب أكثر من 12 ألف مصلٍ، وله منارتان بارتفاع 32 متراً، ومداخل في الجهات الشرقية والشمالية والجنوبية.