إلى النهاية تمضي عقود من اعتماد اللغة العربية وسيلة لتلقين المعارف للتلاميذ، بعد أن تقرر رسميا إدراج اللغات الأجنبية بدورها داخل منظومة التدريس على مستوى المواد العلمية؛ فرغم بعض التلكؤ الذي أبداه نواب حزبي العدالة والتنمية والاستقلال، إلا أن القانون الإطار المصادق عليه بالأغلبية يوم الإثنين جاء ناسخا لقرارات وزير التربية الوطنية عز الدين العراقي، القاضية بتعريب التعليم. ومعروفٌ أن الاستقلالي عز الدين العراقي كان وراء فكرة تعريب التعليم سنة 1977، وانقسمت القراءات للقرار سنوات بعد اعتماده، إذ اتسعت رقعة رابطي فشل المنظومة التعليمية باعتماد اللغة العربية على مستوى التلقين، باعتبارها غير مستعدة للعب أدوار كبيرة، فيما تتجه تيارات أخرى إلى اعتبار تنمية الرصيد المعرفي مرتبطة باللغة العربية التي اعتاد عليها المغاربة إلى جانب اللغات الأم، الأمازيغية والدارجة العامية. فشل كارثي قال أحمد عصيد، الأستاذ الباحث في اللغة والثقافة الأمازيغية، إن "سؤال الحصيلة هو أهم شيء في كل هذا النقاش الدائر الآن، وإلى حدود الساعة لا الدولة ولا المحافظون يريدون الجواب عنه؛ فقبل اعتماد القانون الإطار علينا الاطلاع على حصيلة 40 سنة الماضية، والبحث عن الدواعي التي دفعت الدولة إلى تغيير موقفها"، مشددا على أن "الحصيلة كارثية بكل المقاييس". وأضاف عصيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: "منذ إقرار التعريب، كم عدد الدراسات التي أنجزت باللغة العربية؟ وكم عدد الطلبة الذين تفوقوا في العالم؟"، مشددا على أن التلاميذ أصبحوا ينفرون من التوجهات العلمية بسبب تعريب الشعب العلمية، وزاد: "غياب التعريب عن التعليم العالي يعود بالأساس إلى عدم قدرة اللغة على استيعاب المفاهيم الكبيرة التي تطرح على مستوى الجامعة". وأوضح المتحدث أن "اللغة لا يمكن أن تجيب عن سؤال البحث العلمي إلا إذا كانت تستطيع ممارسته"، مشيرا إلى أنه "في السياق نفسه الذي اتخذت فيه الدولة قرار التعريب اختارت الأسلمة، وبالتالي ارتبطت العربية بالإخوان والوهابية والخرافة والشعوذة"، مؤكدا أن "التوجهات المحافظة قضت على اللغة العربية، إذ لا يمكن أن تقوم بوظائف تقليدانية، ويطلب منها البحث العلمي". وانتقد عصيد ما أسماه "تبجح عبد الإله بنكيران وحركة التوحيد والإصلاح بالدفاع عن اللغة العربية، في حين أن كافة أبنائهم يدرسون في المدارس الفرنسية"، مشيرا إلى أنه "حتى عزالدين العراقي صاحب قرار التعريب كل عائلته لم تدرس باللغة العربية"، واصفا ما وقع ب"التحايل التاريخي"، ومطالبا ب"الكف عن القول إن الفرنسية ليست لغة العلم، لأن العربية قطعا أدنى منها بكثير". واستعاد الباحث في اللغة والثقافة المغربية "مطالب للجمعية المغربية لمدرسي الرياضيات، قدمت لوزير التربية عزالدين العراقي، تقول إن التدريس بلغة غير علمية ينذر بالدمار والفشل؛ لكن الوزير نفى رئيس الجمعية إلى خارج محيط الرباط، ردا على المراسلة التي قدمت له سنة 1981"، على حد قوله. التعريب أنقذ المغرب قال فؤاد بوعلي، رئيس الوطني من أجل اللغة العربية، إن "قانون التعريب عندما قرر لم يكن مفاجئا، بل نتيجة طبيعية لنضالات الحركة الوطنية وتجاوزا للفكر الاستعماري"، مشددا على أن "فكرة التعريب تعود إلى دستور 1908 مع المولى عبد الحفيظ، حيث كان حضور العربية قويا، وحددت كشرط رئيسي لتولي الوظائف والمناصب العالية". وأضاف بوعلي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "التعريب أنقذ المغرب واستجاب لمطالب النهوض بقطاع التعليم، بعد أن لم يكن يتجاوز عدد الناجحين في الباكالوريا 10 في المائة؛ وقد مكن من تحقيق عديد الإيجابيات، لكن تدخل لوبيات أفشل الأمر، وهي نفسها التي تتدخل الآن من أجل إقرار القانون الإطار الخاص بالتربية والتعليم، وفرنسة المواد العلمية"، وفق تعبيره. وأوضح المتحدث أن "من المفروض أن يصل التعريب إلى غاية التعليم العالي، لكن الملك الحسن الثاني قرره إلى غاية الباكالوريا فقط"، مشددا على أنه "لم ينجح بشكل مطلق بسبب غياب رؤية كاملة"، وزاد: "جميع اللغات تستطيع حمل المعرفة، ومن يقول غير ذلك هو يتحدث بشكل انطباعي أو لا يطلع على الدراسات اللغوية"، مسجلا أنه "من الناحية المفاهيمية لا تتجاوز المصطلحات العلمية داخل اللغات 6 في المائة، وقد تم نقلها كلها تقريبا إلى العربية". ولفت بوعلي الانتباه إلى "كون الدولة تعتمد على نهج اعتباطي في تعاطيها مع الحقل اللغوي؛ فكيف يعقل أن يدرس الأستاذ خلال الموسم الدراسي الماضي بالعربية، ويطلب منه في المقبل أن يدرس باللغة الفرنسية؟"، مطالبا ب"إنقاذ مسار الوطن من الفشل".