واجهة بحرية لها ثِقلهَا ووزنها الإقليمي ستنافسُ لا محالة دولاً أوروبية تتوسَّع أكثر عبر المُتوسّط للبحثِ عن أسواقٍ تجارية جديدة؛ إنه ميناء "طنجة المتوسط 2" الذي سيتحوّل المغرب مع افتتاحه إلى منصّة بحرية مفتوحة تجلبُ أكبر الشّركات العالمية، وذلك ما خَلص إليه تقرير أوروبي جديد حولَ تأثيرات هذا التّوسع على حسابِ العلاقات الأوروبية المغربية. وأوردَ التّقرير، الذي أعدّه مركز الاستشارات الأوروبي "Dialogue for Europe"، أنّ "ميناء طنجة المتوسط 2 أصبحَ الأضخم في المنطقة المتوسطية، متفوقاً على مينائي بورسعيد في مصر، وديربان في جنوب إفريقيا. ويقع الميناء، ذو الأربع محطات بسعة 9 ملايين حاوية و7 ملايين مسافر و700 ألف شاحنة ومليون سيارة، في موقع استراتيجي عند مفترق الطرق بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط. وقالت إيلي هايدزيفا، باحثة أوروبية معدّة الورقة البحثية من بروكسيل، إنّ "الميناء سيؤمّن 98٪ من التبادلات التجارية للمغرب التي تمرُّ عبر الطرق البحرية، و20٪ من التجارة العالمية عبر مضيق جبل طارق"، مشيرة إلى أنّ "ميد 2 في موقع استراتيجي سيمكنه من التحول إلى مركزٍ تجاري حقيقي منافس لكلّ الدّول الأوروبية المطلة على المتوسط". وأبرزت الورقة البحثية أنّ "حركة المرور على المضيق البحري تكونُ مزدحمة بشكل خاص في فصل الصيف، مع تنقل حوالي 4.5 ملايين مسافر و900 ألف سيارة عبر الموانئ المغربية، معظمها من ثلاث دول أوروبية-إسبانيا وفرنسا وإيطاليا"، مشدّدة على أنّ "مجمع الموانئ يمكن من الوصول المباشر إلى القطارات عالية السرعة والطرق السريعة الحديثة، التي تعد جزءًا من شبكة نقل شاملة تم تطويرها خلال العشرين عامًا الماضية". ويهدف برنامج استثماري جديد قيمته 9 مليارات درهم (2.3 مليار يورو) إلى زيادة تحسين شبكات النقل والإمداد وجعل المغرب جهة فاعلة عالمية كبرى في مجال اللوجستيات، تضيفُ الورقة، متوقفة عند تنفيذ أحد أكبر المشاريع الاقتصادية في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، وما سيكون لذلك من آثار إيجابية على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. وأكدت الورقة أنّ التطور المستمر للبنية التحتية والصناعية والاقتصادية والاجتماعية في المغرب سيفيد الاتحاد الأوروبي، الشريك "المميز" الذي كان أحد أكبر المؤيدين والمتحمسين ل "Tanger Med" وساهم في تمويل المشروع عبر بنك الاستثمار الأوروبي. ويحتل "Tanger Med"، بحسب المصدر ذاته، المرتبة الأولى من بين الموانئ العشرين الأكثر اتصالًا في العالم مع وصول كلي إلى 186 منفذًا بحرياً في 77 دولة، ويضم 912 شركة (نصفها أوروبي) متخصصة في الملاحة الجوية واللوجستيات والمنسوجات والأعمال التجارية الزراعية والسيارات والخدمات. وتوفر المنطقة الاقتصادية الحرة للميناء مزايا مالية وإدارية وجمركية للشركات مع تزويدها بنظام بيئي فريد من نوعه وآلية أمنية وخدمات داخلية. وتشارك الشركات الأوروبية الرائدة أيضًا بشكل كبير في تشغيل الميناء، وتدير أكبر مصنع للسيارات في إفريقيا ضمن المنصة الصناعية لمجمع الموانئ. وقال المصدر ذاته إن "هذه قفزة كبيرة بالنسبة للجارة الجنوبية للاتحاد الأوروبي، التي تحولت من دولة مصدرة للفوسفاط إلى دولة مصدرة للسيارات (تنتج 65٪ من قطع غيار السيارات) في السنوات القليلة الماضية، لتصبح واحدة من أكبر ثلاث شركات مصنعة في إفريقيا". وأشار التقرير الأوروبي إلى الآثار الايجابية لميناء طنجة على التعاون بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، خاصة في مكافحة الهجرة غير الشرعية. فخلال الأشهر الستة الأولى من عام 2019، انخفض عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى إسبانيا من المغرب بنسبة 23.3٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وعلى الرغم من أن هذا يمكن أن يعزى جزئياً إلى زيادة التعاون بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في إدارة الحدود، وتنسيق قوات الشرطة ومكافحة الاتجار بالبشر والشبكات الإجرامية، ومختلف برامج الاتحاد الأوروبي المخصصة لحماية اللاجئين والمهاجرين، فإن تنمية الاقتصاد المحلي للمملكة تلعب دوراً حاسماً في كبح الهجرة غير النظامية. ويمكن لميناء "طنجة ميد" أن يساهم أيضًا في التنمية الاقتصادية والبشرية والاجتماعية للقارة الأفريقية ككل. وقالت الورقة البحثية إنه "منذ انضمامه إلى الاتحاد الأفريقي في عام 2017، أصبح المغرب جسراً بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وسرعان ما أصبح يضطلع بدور قيادي في المنظمة الإفريقية".