أولى الأدباء والنقاد الهولنديون مع أواخر القرن الثامن عشر عناية كبيرة واهتماما بالغا بالأدب العربي القديم، سواء تعلق الأمر بالشعر أو بالنثر، لكن السؤال المثير للانتباه يكمن في الدواعي والأسباب الكامنة وراء هذا الاهتمام من طرف الهولنديين بالأدب العربي. خلصت الباحثة الهولندية المعاصرة "كريستين دوهمان" في بحث لها، نالت به شهادة الدكتوراه في الأدب، تمحور موضوعه حول "السرد الشرقي خلال القرن الثامن عشر"، إلى حقيقة مفادها أن العرب القدماء أبانوا عن قوة تصوير وتخييل عالية، وهذا ما نجد له سندا أيضا عند القدماء من النقاد الهولنديين، ففي سنة 1766 حاول الناقد الأدبي والكاتب الهولندي رايكلوف ميخائيل فن خونس دراسة مدى قوة المتن السردي عند العرب والمسلمين القدامى، وأظهر كيف أن قوة التصوير والتخييل عند العرب كانت وراء هذه المتانة والإحكام في هذه النصوص والمتون الأدبية الأصيلة، وقد ضرب مثالا بحكاية ألف ليلة وليلة التي أدهشت الأوروبيين طيلة قرون طويلة وما تزال مصدر اهتمام كبير عند كثير منهم، هذا الاهتمام ترك صدى حسنا عند المستشرقين أيضا. خلال أواخر القرن الثامن عشر، قدم كل من ففن در بالم وسخلتونس خلال هذه الفترة صورة مغايرة عما كان سائدا يومئذ، فبحثا موضوعات القيمة الفنية والأدبية للأعمال الأدبية الكبرى، وأشار سخلتونس سنة 1776 إلى فكرة مفادها أنه لا مناص من ضرورة الاطلاع على الأدب الشرقي من لدن المتخصصين الأوروبيين عامة والهولنديين خاصة، لأن في ذلك إثراء وإغناء للأدب المحلي الهولندي، هذا ما تردد أيضا عند زميل له، ألا وهو فته، الذي ذهب سنة 1850 مذهب أن الشعر العربي يمنح الدلالات والمعاني العميقة عن الأوساط الاجتماعية والثقافية للعرب البدو، بل الأشكال التعبيرية الجديدة التي لم يسبق للهولنديين أن اطلعوا عليها، والتي لم تعرفها البيئة المجتمعية الأوروبية، ولم يتردد هذا الأخير في الدعوة إلى ضرورة الاستفادة من هذه الأشكال التعبيرية الجديدة، يقول: "إن تحمل شعرائنا وأدبائنا عناء الاشتغال على الشعر العربي والتعمق فيه سيزودهم بلا شك بكنز كبير من الأشكال التعبيرية والصور التخييلية التي لم يسبق للأدب الغربي أن عرفها". تجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن معظم النقاد والشعراء والأدباء الهولنديين، الذين اهتموا بالأدب الشرقي، كانت أفكارهم عن الأدب العربي وتمثلاتهم له مجرد أفكار عامة وملاحظات شخصية، لم تصل مرتبة الرؤى النقدية ولم تؤسس لنظريات أدبية، ويرجع السبب في ذلك إلى كون جل هؤلاء لم يتمكنوا من سبر أغوار هذه النصوص، لعدم تمكنهم من ناصية اللغة العربية، إلا نزرا يسيرا منهم، هذا ما حال دون القيام بهذه المهمة الصعبة، وهذا ما جعل كثيرا من النقاد والشعراء الهولنديين يكتفون بالاطلاع عبر الواسطات، ومن أهم هذه الواسطات أعمال الأديب الفرنسي المعروف "فيكتور هيغو". تذهب بعض الدراسات إلى القول إن الشاعر الهولندي الوحيد الذي تمكن بالفعل من الإطلاع المباشر على النصوص العربية الكلاسيكية، ولم يكتف فقط بالاطلاع على هذه النصوص بل قام بترجمة كثير من الشعر العربي والفارسي إلى الهولندية، هو فيلم بيلدر دايك 1756–1831، ومع ذلك ما تزال تحوم كثير من الشكوك حول مدى تمكن هذا الشاعر من العربية، إذ إن كثيرا من الرسائل التي كتبها تثبت عكس هذا الإدعاء، هذا فضلا على أنه قد عرضت عليه وظيفة تعليم اللغة العربية بجامعة أكسفورد، مقابل مجموعة من البحوث التي ينبغي أن يقدمها للجامعة المذكورة. ففي تعليقات له عن إحدى نصوص "ابن دريد"، تحدث عن صدق اللغة الشعرية في القصيدة العربية ونقائها التعبيري في الكشف عن المعاني البليغة، ومقارنتها باللغة الشعرية في القصيدة المكتوبة باللغة الهولندية التي تفتقر إلى هذه الأشكال والأغراض التعبيرية. هذا الاهتمام نجد له صدا أيضا عند برنارد ترهار 1806–1880، الذي أبدى عناية بالغة بالشعر العربي وبقضاياه الوطنية وهو ما يزال طالبا، وقد نشر سنة 1880 قصيدة بعنوان "عبد القادر"، والعنوان يحيل على شخصية بطولية في التاريخ العربي المعاصر، الذي أبدى استماتة وبسالة منعدمة النظير تجاه المستعمر الفرنسي الذي سلب الإنسان العربي حريته وكرامته. أما "أدريان فن درهوب" في قصيدته التي نظمها سنة 1830 وقدمها لبعض من أصدقائه المقربين بعنوان "نشيد العربي في الصحراء"، وهي كالتالي: O vriendentrist, wien 't bloed, gelijk mij bloed Door de aarden bruischt, en wie het oost doet smachten: Schoon middagzon, noch morgenlandsche gloed, Uw eersten groet aan de aarde, tegen lachten, فتكشف عن ارتباط عميق بالشعراء العرب القدماء؛ إذ يشبه نفسه وأصدقاءه بهم في الرقي بالصور الشعرية إلى مستوى عال ومرتبة سامقة، بل يحاول أيضا أن يحاكي الشعراء العرب حتى في لباسهم وأثاث بيوتهم وطرائق تزيينهم لها، فكثير من الشعراء الهولنديين، من قبيل "فيلم بيلدردايك" و"لويس روير"، كانوا يحرصون على ارتداء اللباس الشرقي، "فروير" كان دائم ارتداء الطاقية الفاسية أو سلهام أو عمامة كما هو الشأن بالنسبة لبلدردايك. في بدايات القرن التاسع نلمس تغيرا ملحوظا في طرائق اهتمام النقاد والمستشرقين الهولنديين، فلم يعد هؤلاء يكتفون بالأحكام العامة؛ فبتطور مناهج علوم اللغة الفيلولوجيا وقراءة النصوص الأدبية، قدم النقاد والمستشرقون الهولنديون قراءات نقدية معتبرة وترجمات جدية للنصوص العربية القديمة.