معانقة السجناء للحرية لا تعني بالضرورة أنهم بقضائهم عقوباتهم الرادعة سيتمكنون من التخلص من وزر أخطائهم وتبعات ما ارتكبوه من جنح وجرائم. فكثيرا ما يكون المفرج عنهم محط نظرات مزدرئة وحاطة من الكرامة، فما بالك أن يحظى السجناء السابقون بالثقة ويحصلون على فرص شغل تفتح لهم آفاقا جديدة لينعموا بحياة ثانية آمنة تقيهم العودة من جديد إلى الزنازن. الحال نفسه بإيموزار كندر، التي بادر عدد من السجناء السابقين بها، قبل أربع سنوات، إلى تأسيس إطار جمعوي اختاروا له اسم "جمعية الأمل لإعادة إدماج السجناء" بهدف المساهمة، إلى جانب تغيير نظرة المجتمع إليهم، في شحذ همم "ذوي السوابق" لخوض معركة الحياة بكل عزيمة، عبر مساعدتهم على الحصول على فرصة شغل.. جمعية تحول مقرها إلى مركز للاستماع والإنصات الدائم لمعاناة السجناء السابقين بإيموزار كندر. فرص شغل موسمية أعوين بنعيسى، السجين السابق ورئيس جمعية "الأمل لإعادة إدماج السجناء" بإيموزار كندر، قال لهسبريس إن عوائق كثيرة واجهها بعد معانقته الحرية في الحصول على فرصة شغل تضمن له تكوين أسرته الصغيرة والاندماج في المجتمع، مشيرا إلى أنه عندما حصل على عمل مؤقت بعد مغادرته أسوار السجن طرد منه قبل أن يكمل يومه الأول. "فصلني المشغل عن العمل في الحادية عشرة صباحا بعد علمه بكوني من ذوي السوابق القضائية، مما شكل لي صدمة كبيرة، حيث رفضت، على إثرها، أن أتقاضى أجري عن نصف يوم من العمل الذي أنجزته، وعدت إلى منزل أسرتي مهموما أفكر فيما عساني فعله حتى يرحمني المجتمع"، يواصل بنعيسى قصته مع صعوبة الحصول على فرصة شغل بعد مغادرته أسوار السجن. ويتابع هذا السجين السابق، الذي واصل دراسته داخل السجن ليرتقي في مساره التعليمي من السنة الثالثة إعدادي إلى السنة الثانية ثانوي: "يحول الماضي دون تمكيننا من الظفر بفرصة عمل ولو في الأشغال الشاقة، وهو ما دفعني، رفقة سجناء سابقين آخرين، إلى التفكير في تأسيس جمعية الأمل لنوصل من خلالها الرسالة لمن يهمه الأمر بأننا، بعد تجربة الاعتقال، صرنا مواطنين صالحين ولا نريد العودة مرة أخرى إلى السجن". وعما حققته جمعية "الأمل لإعادة إدماج السجناء" بإيموزار كندر، أوضح أعوين أنها وفرت فرص شغل موسمية لعدد من أعضائها، قبل أن يضيف "تمكنت جمعيتنا من تشغيل عدد من السجناء السابقين، الصيفين الماضيين، كحراس مؤقتين بمنتزه عين السلطان والحدائق ومواقف السيارات والمعرض التجاري". أمل في "المبادرة" وأكد أعوين أن جمعيته لم تستطع الاستجابة لطلبات أعضائها الكثيرة في الحصول على فرصة عمل، ولو مؤقت، مشيرا إلى أن فرص العمل الموسمية التي يتم تخصيصها لفائدة بعض السجناء السابقين خلال فصل الصيف هي ثمرة عقد شراكة مبرمة مع المجلس الجماعي المحلي، ودعم من السلطة المحلية. وتابع رئيس جمعية "الأمل لإدماج السجناء" بإيموزار كندر قائلا: "اتصلنا بمسؤولي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للبحث في سبل استفادتنا من مشاريع المبادرة، غير أن طلباتنا لم تجد تفاعلا معقولا، حيث اقترحوا علينا الاستفادة من أربع دراجات ثلاثية العجلات، وهو ما رفضناه لأن هذا لا يكفي، فعدد أعضاء الجمعية يزيد عن 40 سجينا سابقا". "نحن نعمل في صمت ولا أحد يعرف ما نقدمه من خدمات لهذه الفئة، ففي غياب مشاريع اندماج حقيقي، نكتفي حاليا بالتضامن فيما بيننا للتخفيف من معاناتنا"، يضيف بنعيسى، متمنيا أن تحظى جمعيته بالتفاتة مقبولة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية "لأن عددا من السجناء السابقين في حاجة إلى فرصة شغل تقيهم العودة إلى السجن"، يقول رئيس الجمعية. من جانبه، أوضح يونس انسمن، رئيس اللجنة المالية بجماعة إيموزار كندر، في تصريح لهسبريس، "أنه رغبة من المجلس المحلي في إعمال مبدأ التشارك والإدماج، واعترافا بأن لكل شخص الحق في أن ينعم بالحياة، تم العمل على الأخذ بيد عدد من المنتسبين إلى جمعية الأمل". وأوضح عضو مجلس جماعة إيموزار كندر أن "إدماج السجناء رهين بإعمال فكر الانفتاح وطي صفحة الماضي، بما يتماشى مع خطة الدولة في مجال إدماج السجناء السابقين وإقرار حقوق الإنسان ودعم الديمقراطية"، مضيفا أن "الشغل الشاغل لجماعتنا هو مساعدة هذه الفئة في الحصول على فرصة عمل، وقد قمنا كخطوة أولى، لتحقيق ذلك، بإبرام اتفاقية شراكة مع جمعية الأمل لإعادة إدماج السجناء".