لا حاجة لي أن أذكرك بأن العصر يسبق المغرب، وأن التعليم بالمغرب لا ينتمي إلى العصر. وتعال معي إلى مَطْنَزَتي لأعطيك عصير المزاح لتكون أكثر جدية، أو إلى محلبتي لأطعمك قطعة جبن لتكون أكثر شجاعة. والشجاعة تفرض علينا أن نلتمس العذر للقائلين بأن تعليمنا متخلف، والحال أن سقوط نقطة واحدة لا يوجب السقوط في مستنقع التيئيس، فالقصد أن تعليمنا متخلق، والله دائما من وراء القصد. ونعم لتخليق الحياة المدرسية، شريطة وجود حياة مدرسية، فلا بد أن نَخلُقها قبل أن نُخَلّقها. ويقضي التلميذ سحابة عمره الدراسي داخل مدرسة كئيبة تكره الحياة المطرزة بالفنون والجمال والحرية، وتُعلم الأطفال كيفية القيام بصلاة الجنازة وكيفية النجاة من عذاب القبر بالتضرع بالبكاء وبالاستماع إلى أئمة البكاء. ومازال في مدارسنا من يحذر التلاميذ من المشاركة في الأنشطة الفنية والأدبية بحجة أن نشاط التلميذ يجب أن ينصب في حفظ دروسه (يتعلق الأمر هنا بثلاثة تلميذات على الأكثر) وتحضير النقلة النوعية بأنواعها من عدسات لاصقة بطبلة الأذن وحروز مطلسمة تقي حاملها من شر العين.. عين المراقب التي لا تنام. ولا يحق لأي مراقب أن يغض الطرف إلا عن الطرف. واتصلت بصاحبي لأقول له إن غالبية مدارس المغرب لم تتحول إلى مدارس العصر، لكن صاحبي أغلق الهاتف بوجهي عندما رُفع أذان المغرب. وإذا رجعتُ بذاكرتي إلى الخلف، فلا بد أن أسقط على قفاي من الضحك المجروح لمّا أتذكر كيف كنا نفرح كثيرا عندما يفتحون لنا أبواب المعتقلات ويطلقون سراحنا لنطلق سيقاننا للريح. وأتذكر أننا كنا نُساق إلى المسلخ في صباحات يناير الباردة ليسلخ المعلم أيدينا بضربات متتالية بعصا الزيتون، دون أن يمنحنا مهلة كافية للنفخ وتبريد الألم. لا يمكن لطفلك أن يصقل شخصيته إلا في مدرسة تعلمه مهارات التفكير الإبداعي، والضمير الأخلاقي، والمهارات التواصلية، والطلاقة الرقمية. ولا يمكن أن تقوم قائمة لتعليم تنغل فيه جراثيم مثل كثافة المواد، رعب الامتحانات وكثرتها، طول وقت الدراسة، الواجبات المنزلية، "السوايع" الخصوصية. تلميذ مصاب بهذه الجراثيم لا تعاتبه إذا أخذ "دوشا" باردا داخل "الطوبيس" نكاية فينا جميعا.. أليست النظافة من الإيمان؟ العيطة عليك تسبب اختفاء العلم الوطني في مدرسة ابتدائية نواحي الحسيمة، في جر مديرها وأستاذين إلى المساءلة القضائية، بسبب عدم تبليغهم عن جريمة في حق علم البلاد. وقد أقدم ستة أطفال(تلاميذ بالمدرسة)، تتراوح أعمارهم ما بين 8 و11 سنة، على استبدال العلم الوطني، الذي كان معلقا في المدرسة براية بيضاء، بقيت مرفرفة لأربعة أيام. لا أجد أي مبرر لما فعله الأطفال إلا إذا كانوا يريدون إعلان استسلامهم وعدم قدرتهم على الاستمرار في مقاومة الأوضاع المُحبِطة التي يدرسون فيها. كلمة شكر أشكر جريدة هسبريس الإلكترونية. أشكر الكاريكاتوريست عماد السنوني. أشكر كل القراء الكرام، واللئام، الذين تابعوني "قِرائيا" وليس قضائيا طيلة شهر رمضان الكريم، كما أُخلي مسؤوليتي من أي مضاعفات جانبية جرّاء التناول المفرط لعصير المزاح. عيد فطر سعيد. www.facebook.com/fettah.bendaou