تعددت أوجه التنافس الأمريكي والصيني خلال السنوات الأخيرة، فبعد أن كان الطرفان يسابقان الزمن ل"غزو" الفضاء وتطوير الأسلحة والسيطرة على الموارد الطبيعية عبر العالم، أضحى تطوير شبكات الجيل الخامس لشبكات الاتصال أحد أبرز معالم هذا التنافس. ما بين 15 و17 فبراير الماضي، انعقد مؤتمر ميونخ للأمن في ألمانيا، حيث يعتبر هذا الحدث الكبير مناسبة لطرح عدد من القضايا التي تهم العالم الغربي، خصوصا ما يتعلق بما تعتبره هذه الدول "الخطر الصيني والروسي"، وكذا مواضيع الإرهاب والتسلح وغيرها. لكن النقطة الفريدة التي طرحها الجانب الأمريكي جاءت من ثاني رجل في هرم السلطة، وهو نائب الرئيس مايك بنس، الذي خير حلفاء بلاده في أوروبا بين الولاياتالمتحدةوالصين، خصوصا في ما يتعلق بتطوير شبكات الاتصالات. وقال بنس حينها: "الولاياتالمتحدة تحت قيادة ترامب ستعمل على تحقيق السلام في العالم"، مستدركا: "لكننا واضحون بشأن تهديدات "هواوي" الصينية لأمننا، ونطالب بوقف أي تعامل قد يهدد أنظمتنا المعلوماتية". نائب الرئيس الأمريكي دعا إلى إبعاد "هواوي" عن القيام بأي مشروع لإنشاء البنى التحتية، موردا: "لا يمكن حماية أمن الغرب إذا كان حلفاؤنا تابعين للشرق". ولمح المسؤول الأمريكي إلى عدد من مشاريع العملاق الصيني للاتصالات في عدد من الدول الأوروبية، والتي ظلت خلال السنوات الأخيرة أحد أبرز الحلفاء من أجل مواجهة روسيا، كما هو الحال بالنسبة لجمهورية التشيك. ما يؤرق الأميركيين والأوروبيين في موضوع التشيك أن شركة "هواوي" هي التي أشرفت على الجيلين الثالث والرابع للاتصالات، إذ أوردت جريدة "نيويورك تايمز" في أحد تقاريرها عن هذا المشروع أن "شبكة الاتصالات المحيطة بمقر الرئاسة المتواجد في العاصمة براغ أشرفت عليها هواوي، ما دفع واشنطن إلى تخيير حليفها بين الولاياتالمتحدةوالصين". وانتقد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في مناسبات عدة، حتى قبل وصوله إلى البيت الأبيض، توجه عدد من الشركات الأمريكية إلى إنشاء مصانع لها في الصين، إذ اتهم الأخيرة بسرقة التكنولوجيا فائقة الدقة التي تطورها الولاياتالمتحدة، وطالب بعودة هذه المصانع إلى الولاياتالمتحدة، كما وعد بأن يدفع هذه الشركات إلى مغادرة الصين. وتتوفر عدد من الشركات الأمريكية في مجال التكنولوجيا على استثمارات ضخمة في الصين، كما هو الحال بالنسبة ل"أبل" و"مايكروسوفت"، حيث تستفيد من الولوج إلى السوق الصينية التي تعد الأضخم في العالم، كما استفادت من اليد العاملة ذات الأجر المنخفض بالمقارنة مع الولاياتالمتحدة أو أوروبا. حالة طوارئ! لم تكتف الإدارة الأمريكية بلغة التهديد، بل ذهبت إلى إعلان "حالة الطوارئ الوطنية" تجاه شركة هواوي، وهو إجراء يمنح الجهاز التنفيذي صلاحيات واسعة وامتياز التصرف في عدد من الموارد المالية في عدد من القطاعات الأمريكية. لكن الإجراء الأخير ضد الصين جعل الرئيس ترامب يوقع على أمر تنفيذي يمنع الشركات الأمريكية من استخدام معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية لشركات وصفتها الإدارة بأنها "تشكل خطرا على الأمن القومي"، كما هو الحال بالنسبة ل"هواوي". وتعد حالة الطوارئ هذه الخامسة من نوعها في عهد الرئيس ترامب، وكانت آخر حالة طوارئ أعلنها في فبراير الماضي، حول ما اعتبره "أزمة المهاجرين في الحدود الجنوبية مع المكسيك"، ما أدخل البلاد في أزمة سياسية لأكثر من شهر. أول المستجيبين لهذا القرار كان شركة "غوغل" التي أعلنت سحب منتجاتها من هواتف "هواوي"، في خطوة تحاول ضرب مبيعات الشركة خارج الصين، بالنظر إلى تواجد أنظمة تشغيل مختلفة داخل البلاد. وفي انتظار تبعات هذه الإجراءات الأمريكية تجاه الصين فإن المسألة شبه المؤكدة كون التنافس الأمريكي الصيني تجاوز الأبعاد التجارية والسياسية، ليصل إلى ما هو تكنولوجي، إذ يرى صناع القرار في بلاد "العم سام" أن أكبر تهديد للهيمنة الأمريكية في العالم ليس روسيا أو ما تسمى "الجماعات المتشددة"، وإنما الصين باستثماراتها الضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي. وإلى جانب ذلك، فإن ما يقض مضجع الأمريكيين هو التطور السريع لمبيعات "هواوي"، خصوصا أن سقف مبيعات هواتفها أضحى يتجاوز 200 مليون هاتف سنويا، وأعلنت جاهزية هواتفها لاستخدام الجيل الخامس بداية 2018، في تطور لم يكن الأمريكيون يتوقعون حدوثه بهذه السرعة.