يعاني أطفال عراقيون ولدوا في ظل حكم تنظيم الدولة الإسلامية المعروف ب"داعش"، الذي دحر قبل عام ونصف العام في بلادهم، من صعوبات بالغة في الحصول على حقوقهم في التعليم والتطبيب، وذلك بسبب عدم امتلاكهم أوراقا ثبوتية رسمية. وتقول سليمة (36 عاما)، وهي أم لأربعة أطفال تسكن في مخيم ليلان 2 للنازحين في محافظة كركوك بشمال العراق: "هذا ظلم". فقد ولد ثلاثة من أبناء سليمة خلال سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق تقارب مساحتها ثلث العراق بين 2014 و2017، وهم اليوم محرومون من ارتياد المدرسة أو حتى مغادرة المخيم بسبب عدم استصدار أوراق ثبوتية رسمية لهم. في حضن أمه، يتنفس عبد الكريم، أحد هؤلاء الأولاد، بصعوبة في ظهيرة يوم حار، فيما بدا صدره منتفخا، وتقول والدته إنه يعاني من الربو. وتشير سليمة، وهي تمسح على رأس طفلها، إلى وجود عيادة في المخيم.. "لكنها لا تفيدنا، دائما تصدر لنا إحالة على المستشفيات، وأمن المخيم لا يقبل بها". للخروج من مخيم ليلان 2، يستوجب على العائلات النازحة تقديم وثائق إلى الشرطة الاتحادية عند المدخل، وقد يتطلب الأمر أحياناً كفيلا يضمن عودتها إلى المخيم. وتشدد القوى الأمنية العراقية إجراءاتها على المخيمات التي تضمّ عوائل عناصر كانوا يقاتلون في تنظيم الدولة الإسلامية. وتقول سليمة، التي تتشح بالسواد، إنها حاولت مرات عدة عرض عبد الكريم على طبيب في مدينة كركوك القريبة، لكنها منعت من ذلك. ورغم محاولتها استصدار هويات لأطفالها، يبدو الأمر مستحيلاً، إذ يتطلب ذلك تقديم وثائق الوالدين. وقتل زوج سليمة الذي كان عنصرا في تنظيم الدولة الإسلامية في المعارك، وصادر أمن المخيم جميع الوثائق الشخصية للعائلة. وتضيف سليمة: "منذ سبعة أشهر أحاول إصدار "مستمسكات" (أوراق ثبوتية) ولا أقدر، لأننا عائلات داعش"، مضيفة: "هذا يؤثر على أطفالي من كل النواحي، الأمنية والاقتصادية والصحية والدراسة". "حياة هامشية" وأعلنت السلطات العراقية دحر تنظيم الدولة الإسلامية نهاية العام 2017، بعد معارك طويلة تركت آثاراً مدمرة. ولازالت آثار الحرب ماثلة في مناطق كثيرة من البلاد، إذ لازال نحو 1.6 ملايين شخص في عداد النازحين. من بين هؤلاء، 45 ألف طفل ولدوا إبان سيطرة التنظيم المتطرف على مناطقهم، وبالتالي فهم من دون أوراق ثبوتية، حسب إحصاءات المجلس النرويجي للاجئين. وإضافة إلى حرمانهم من الدراسة والتطبيب، قد لا يتمكن هؤلاء الأطفال مستقبلا من الزواج أو التملك، حسب المنظمة نفسها. ويقول المتحدث باسم مخيم ليلان 2، حسين حبد، إن المخيم يطبق الإجراءات الأشد، مضيفا: "ثلاثة أرباع العائلات في المخيم غير مسجلة، تنقصها مستمسكات، وخروجها ممنوع"، ويتابع: "يمنع خروجهم حتى لو كانوا مرضى سرطان، أو مصابين بأمراض جلدية". لكن عنصرا من القوات الأمنية المتواجدة على حاجز يبعد كيلومترات عدة عن المخيم يؤكد أن الأوامر تسمح بمرور الحالات الصحية، وحتى من دون أوراق ثبوتية. إلا أن المجلس النرويجي سجل حالات أطفال بلا وثائق منعوا من الحصول على لقاحات في مناطق حول بلدة الحويجة، التي تبعد ب80 كيلومترا غرب ليلان، ما أدى إلى ظهور أمراض الجرب والحصبة وغيرهما. في مدينة الموصل، التي كانت يوما عاصمة "الخلافة" التي أقامها تنظيم الدولة الإسلامية، لم يسمح للنساء اللواتي لا يحملن وثائق شخصية بالإنجاب في المستشفيات، وفقا للمنظمة غير الحكومية، الأمر الذي ينعكس على المواليد الجدد لأنهم سيحرمون من شهادات ميلاد رسمية صادرة من الدولة. وحذر المجلس النرويجي من تداعيات هذا الأمر الذي قد يحكم على الأطفال بالعيش "حياة هامشية". وتقول المتحدثة باسم المجلس في العراق ألكسندرا صايح: "في حال لم تتم معالجة هذا الأمر فورا قد يتفاقم. هذا الأمر لم ينته مع انتهاء النزاع ضد تنظيم الدولة الإسلامية". مستقبل مهدد ويعرقل غياب الأوراق الثبوتية قدرة العائلات على الدخول في برامج رعاية اجتماعية حكومية. وأصبح هذا الأمر مدمراً لميثاق البالغ من العمر خمس سنوات، والذي ولد بعد أقل من أسبوع على اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية لبلدته عام 2014؛ وتقول والدته آلاء حمزة من منزلها التي استأجرته في الحويجة: "ابني يعاني من الصرع والتوحد، ولا يملك جنسية". وتفتح حمزة كيسا بلاستيكيا تبعثر محتوياته على سجادة ممزقة تتوسط غرفة الجلوس، لتظهر الوصفات الطبية وصور أشعة دماغية وغيرها من الفحوصات التي يعود تاريخها إلى العام 2017، وتقول: "راجعنا أربعة أطباء، في كل مرة يأخذون المال. مرة دفعنا لطبيب في تكريت 300 ألف دينار (نحو 250 دولارا) للفحوصات وتخطيط الدماغ، وفي كركوك 200 ألف دينار (نحو 150 دولارا). كله دفعناه عبر المساعدات". وتضيف حمزة: "حالتنا المادية مزرية. نحتاج جنسية كي نصدر عقد رعاية يستفيد منه ابني"، وتتابع: "إذا أردت أن أحصل له على هوية، أحتاج على الأقل إلى 25 أو 30 ألف دينار (نحو 25 دولارا). لا أمتلك هذا المبلغ". ويتناول ميثاق كل ليلة أدوية حصل عليها من منظمة "أطباء بلا حدود" تخفف عنه نوباته، لكن والدته تشير إلى أنه في حاجة إلى مساعدة أكبر، وتقول: "صار عمره خمس سنوات وليس قادرا على الكلام.. بت أخاف على مستقبله". *أ.ف.ب