لم تصل بعد في الجزائر "جمعة الحسم" ولا يزال الحراك مستمرا، وكل أسبوع يتطلب منهجية ومجهودًا لفهم الحراك، ومقارنته بما يجري بمنطقة شمال إفريقيا والساحل، من ناحية وضعية أجهزة الحكم، ودور الشعوب في إصلاح أوضاعها،، وكل ذلك سهل بفضل انتشار وسائل الإعلام الإلكترونية التي كسرت الحصار الإعلامي لأجهزة الحكم المستبدة، ونشير في الجمعة العاشرة إلى ما يلي: أولا تغيير بعض الولاة، ومدير سوناتراك SONATRACH ولد قدور، وتعويضه برشيد حشيشي، الذي هو بمثابة مدير المكتب الشريف للفوسفات بالمغرب، OCP وبمثابة مدير شركة مناجم الحديد في الزويرات SNIMبموريتانيا، وبمثابة مثلهما في تونس وليبيا، وهي أكبر شركات استغلال الثروات الأولى في كل واحد من تلك الأقطار، وهذه الشركات هي الدولة العميقة ومقرات العفاريت التي تسكن بغيران المعادن، ويحرسها العسكر، والدرك والشرطة لصالح الدول الغنية الكبرى في الخارج.. ثانيا تغيير المدير العام للتلفزة الجزائرية، وهو توفيق خلادي الذي له أمثال في المغرب وتونس وموريتانيا وليبيا، لا نحتاج إلى ذكرهم.. لكن لم تشمل التغييرات السياسية في الجزائر سوى قليل جدا من 48 ولاية، وربما يعتبر ذلك من نتائج تفجير الحراك الشعبي لصراع بين البيروقراطية العسكرية والبيرقراطية الإدارية. وهنا يفهم معنى مصطلح العصابة Bande الذي يستعمله الحراك الجزائري، واستعمله حراك الريف سنة 2016. ثالثا اعتقال بعض من سموهم بالمفسدين (ربراب وحميد ملزي) تحريك رفع الحصانة عن عضوين في البرلمان (ولد عباس، وبركات،) وهما وزيران سابقان بقصد محاكمتهما.. لكن لم يشمل التطهير أثرياء العسكريين، والدركيين، وعكس ذلك تم تركيز الدعاية الإعلامية على كون العسكر الجيش الوطني الشعبي (ANP) يحمي الدولة والشعب والدستور، بينما العسكر في كل تاريخ البشرية هو مخصص لخوض الحروب، وليس في الجزائر حرب واضحة... ، مما جعل الحراك يخلق صراعا بين الرأسمالية العسكرية (رئاسة الأركان ) والرأسمالية المدنية، (رجال الأعمال) وهذه الصراعات هي التي عرقلت "الحوار السياسي" الذي يعتبر الكثيرون أنه الوسيلة الممكنة لتحقيق مطالب الحراك، ويفسر غموض شعار الحراك الذي يقول "رحيل الوجوه القديمة"، ونتساءل هل الجيش والدرك ليس فيها "وجوه قديمة"؟ وكذلك غموض شعار "التغيير الجذري"، وهل ليس في القضاء وجوه قديمة؟ حتى تحال عليه ملفات الفساد؟ مع اعتبار أن القضاء والجيش ظهرت فيهما حركة شبابية بدأت تبرز خاصة في القضاء وفي العسكر الفقراء الذين يحرسون الحراك في الشوارع والساحات العمومية.. رابعا فشل مؤتمر FLN ووفاة عباس مدني رئيس مؤسس للجبهة الإسلامية للإنقاذFIS، ونشر إعلان من وزارة الداخلية بالترحيب بطلبات تأسيس الأحزاب والجمعيات الجديدة، لكن شروط التأسيس لم تتغير عما كانت عليه، وهل ستتجاوز الجزائر عراقيل تأسيس الأحزاب التي توجد أيضا في المغرب؟ خامسا خروج الجنرال حسين بن حديد لمواجهة كايد احمد، وهو من أعمدة صفوف الضباط الكبار الذين يمكنهم فضح خبايا البيروقراطية العسكرية التي حكمت الجزائر مثل العماري واليمين زروال، والعربي بلخير الذي كان وراء جلب محمد بوضياف من المغرب وتعيينه رئيسا ليقتل بواسطة جندي يسمى بولعراف، وبعد ذلك، عين سفيرا للجزائر بالمغرب ليقود دبلوماسية الحقد والكراهية المزروعة بين البلدين.. سادسا تركيز وسائل الإعلام على الدعاية وترويج خطب الجنرال كأيد أحمد، ونشر الشوفينية الوطنية على حساب الانفتاح على ترابط شعوب شمال إفريقيا والساحل، وتكريس حب الوطن، وكره الجيران، و ضد حقوق الجهات لصالح ثوابت دكتاتورية الثوار المسلحين، التي خلقها نظام "المجاهدين" الذي بني تاريخه منذ سنة1962 في زمن الحزب الوحيد الذي كانت تجسده جبهة التحريرFLN التي أطاح بها الحراك، الذي فجر صفوف البيروقراطية الحزبية والنقابية وهو ما لم يستطع المغاربة تحقيقه. سابعا ظاهرة تهميش دور الشرطة مقابل نفخ دور العسكر، والدرك الشعبي، بخلاف ما عليه الحال في المغرب مثلا، حيث تعتبر المخابرات غير العسكرية أو شبه العسكرية(DST - DGSN -DGEd-BCJ..) ركيزة الحكم إذا اعتبرنا تفسير مصطلحات "الجيش الملكي"، والدرك الملكي، والأمن "الوطني" والقوات المساعدة.. ثامنا لم تعط أية معلومات عن الشخصيات التي تنوي الترشيح لمنصب الرئاسة سوى إعلان 45 شخصية تسلمت مطبوع جمع التوقيعات لتزكية المرشحين، ولم يمكن التعرف على تلك الشخصيات، ولا هل حصلوا على التزكيات الشعبية للترشيح؟ تاسعا تصعيد نشر دعايات اكتشاف الأسلحة في الجزائر لدى عصابات الإرهابيين، واكتشاف عصابات المخدرات،، والباحثين عن الذهب، والهجرة السرية من لدن العسكر بالموازاة مع الحراك قصد تبرير التهديدات بوجود شبح الإرهاب الذي تستعمله أجهزة الحكم في المنطقة كلها لتخويف الشعب وجلب مساعدات الدول الكبرى في العالم.. والظهور المفتعل بصورة المحاربين للجريمة المنظمة.. وبعد عشر مقالات كتبتها عن حراك الجزائر أطرح لشبابنا سؤال ماذا نشترك مع الجزائر؟ وأقول مثلا: نشترك لغاتنا الدارجة والأمازيغية، ونشترك رموزنا، وتاريخنا، وقبائلنا، ونشترك علاقتنا مع فرنسا ولغتها ونشترك علاقتنا مع الشرق الأوسط وعقائده، ولذلك لا مفر من كون الحراك الجزائري سيؤثر علينا؛ لأن كل ما في بلدنا من خير وشر يوجد لديهم، ومن الأحسن أن ننتبه منذ هذا الحراك إلى الخير، ونكون واعين بوجود الشر، ومن الخير استمرار الدراسة الميدانية للحراك، ومقارنة من يحكمنا بمن يحكمهم، وحراكهم وحراكنا. الرباط في 27 أبريل 2019