بشأن "ما وقع في معهد تكوين الأئمة بالمملكة المغربية" تأويل بعيد عن الإسلام مما ورد في بيان الاتحاد على موقعه الإلكتروني ما يلي:"يتابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بقلق وحزن أحوال أمته، وما تعانيه من تفريق وتمزيق، وما هو مسلط عليها من مظالم وانتهاكات لكرامتها وسيادتها، قد تصل إلى حد الاستخفاف بمقدساتها وثوابتها الشرعية. وفي العقد الأخير ظهرت داخل كيان الأمة مواقف شاذة تتجه إلى النيل من كمال الإسلام وشموله وخلوده وعصمته، ودعوات للنيل من السنة النبوية المشرفة وأئمتها. وأخيراً فوجئنا وصدمنا لما وقع في معهد تكوين الأئمة بالمملكة المغربية، من التلفيق بين الأذان الذي يعد من أعظم شعائر الإسلام، وبين الترانيم والأناشيد الكنسية". وبطبيعة المقام ما يُهِمّني هو الوصف -الوارد بالبيان زورا وبهتانا- التالي: "التلفيق...". وتناولي لتوضيح بُعْدِ الوصف عن العلمية والجدية والموضوعية أركزه في النقط التالية: · في عنوان البيان بالموقع الإلكتروني للاتحاد ما يلي: "بيان: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يطالب الأمة بالحفاظ على عقيدة الإسلام وشعائره": وفي هذا غموض يوهم أن مملكتنا المغربية قد أَدخَلَتْ في دين المسلمين ما يبطل عقيدتهم ويوقعهم في الشرك، وأنها فرطت في شعائر الإسلام التعبدية. وهذا باطل يردّ عليه واقعنا. كما يتبين من لهجة البيان أن مرتكز أصحابه في رأي الظاهرية الذي تتبناه "الوهابية" المعاصرة، الممثَّل في القول بوجوب الأذان على الأعيان والجماعات، المخالف لرأي جمهور أهل السنة المُختلِف قولُهم بين أنه سنّة، أو أنه فرض على مساجد الجماعات فقط. · تحريف البيان -بقوله عن الأمة الإسلامية: "وما هو مُسلَّطٌ عليها من مظالم وانتهاكات لكرامتها وسيادتها"- مدلولَ زيارة قداسة البابا فرانسيس -أسقف روما وسيد دولة الفاتيكان- لمملكتنا المغربية المقاصدي؛ فالزيارة كانت بدعوة كريمة من أمير المؤمنين محمد السادس حفه الله برعايته، منبثقة من مسؤوليته الروحية والدينية لتفعيل التنمية في واقع العالم ضمن علاقاته القائمة بين إفريقيا والغرب في مستوى هجرات الشباب المتزايد. · خَلْط البيان الواضح بين مصطلح الأذان وألفاظ مستقاة من الأذان وُظّفت في أغنية أو نشيد. كما أن هناك خلْطا بين الأذان الذي يتحقق حُكْمُه في سياق واضح أصبح معلوما من الدين بالضرورة، من حيث هو إعلام بدخول وقت الصلاة ويدخل في مسمى العبادات، ولا يدخل في مسمى الصلاة، وبين سياق آخر لا يدخل في مسمى العبادات، إنما هو داخل في العادات أو الترويح والتنشيط المباح، هذا إن لم يأخذ حكم المقصد النبيل الذي به يتحقق التقارب والتعارف بين خلق الله أتباع الديانات المختلفة، خصوصا وأن تلك الترانيم بألفاظ من الأذان تصدع بحقيقة التوحيد عند المسلمين؛ فالمباح يصير مطلوبا إن كان خادما لأمر ضروري أو حاجي أو تكميلي. · على رغم أن البيان تحدث عن التعايش بقوله: "إن مبدأ التسامح والتعايش والحوار، مبدأ ثابت وواسع في الإسلام، ولكنه لا يعني التنازل عن الثوابت، والتلفيق بين الشعائر الإسلامية العظيمة والترانيم الكنسية، التي تتناقض مع عقيدتنا وشعائرنا، لذلك فهذا التلفيق أمر مرفوض لا يليق بعقيدة التوحيد"، إلا أنه ملغوم -كباقي أجزاء البيان- بما يَخلُص إليه قارئه مستقرّا في نفسه -بوعي أو بغير وعي- من أنه لا تَعامُلَ مع الآخر إلا إذا أقرّ بمعتقدي أنا. وفي هذا مخالفة صريحة لقطعيّ القرآن الكريم القائل: (لا إِكْراهَ في الدّين). · نظرة البيان الضيقة لتصرفات الإمام باعتبارات متعدّدة، وهذا مبثوث في كتب الفقه والمقاصد، فقد تصرف النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه رسولا مبلغا، وبوصفه قاضيا حاكما، وبوصفه إماما أعظم، وكل نوع من هذه التصرفات كانت له مقتضيات خاصة. وعليه فقد أهمل البيان النظر في تصرف أمير المؤمنين بحسب المصلحة، وأهمل التفطن للعلاقات الكونية المتعاونة على صلاح البشرية ميدانيا. وهذا داخل في تصرفات الإمام المعللة بالتعليل الشرعي وكذا بالتعليل المصلحي، وفي الاجتهاد التنزيلي لمختلف الأحكام، خصوصا وأن ملكنا يجمع بين رمزية القيادة الدينية والقيادة المدنية، ولا يَعوقُ تحقيقَ هاته المصالح كونُها عُقِدتْ مع المسلم أو اليهودي أو المسيحي أو الملحد. · إهمال البيان النظر الشمولي الرمزي المُحقِّق بتعاون قائد مسلم -ديني ومدني- وآخر مسيحي -ديني ومدني- لتوحيد أنظار ملايين المسلمين والمسيحيين وأفئدتهم، وإرشادهم لسبيل الله المنقذة للفئات الهشة والمعوزة. وفي هذا كلٌّ يُبْعَثُ بحسب نيّته التي لا دخل لنا فيها. · إهمال البيان النظر في سعي أمير المؤمنين بمملكتنا المغربية لتحقيق مصلحة لها علاقة بآلاف المهاجرين من مختلف الدول بقارتنا الإفريقية، والتخفيف من معاناة الإنسان، واقتصار البيان على الإيهام بنظره الضيق بأن صنيع عاهلنا خاص بقناعة البيان بتأويل ظاهري لجزئية من جزئيات شعائر الإسلام التعبدية "الأذان". مما يؤدي بنا إلى استنتاج أن البيان غير معتبِر للنفس البشرية بغض النظر عن معتقدها، وهو بهذا ينقص من قيم الإسلام الخالدة التي تستنهض الهمم لإنقاذ الحيوان والنبات ولا يتصور بتاتا أن لها معتقدا ما. فقد دخلت امرأة النارَ في هرّة، حبسَتْها حتى ماتت جوعا، ورجلٌ شَكَرَ اللهُ له فأدخله الجنةَ بسبب إنقاذ كلب من الموت عطشا، بعدما سقاه من بئر بخُفِّه، وكل هذا في الصحيحين. فهل يدعو الإسلام إلى التسابق لتحصيل الأجر في الرفق بكل ذات كبدٍ رطبة، دون غيرها من بني البشر الذي سخر الله له ما في السماوات والأرض؟ · إهمال البيان للنظر الكلي الحضاري في بناء المجتمعات بالتخطيط الجماعي العالمي، كما هو دأب ملكنا محمد السادس، في إطار من الحفاظ على الهوية واحترام الآخر، وافتعال البيان ل «إشكالات" بتأويلات أقل ما يمكن القول عنها إنها يعوزها النص القطعي الناهي عنها؛ إذ ما لم يَرِدْ بِشَأْنِهِ نَهْيٌ ففيه سَعةٌ ومرونة. *جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس