استنكرنا بشدة المجزرة الإرهابية التي تعرض لها مصلون آمنون بمسجدين في نيوزيلاندا، التي خلفت حصيلة ثقيلة من الضحايا الأبرياء، وتأثرنا بالفعل الوحشي الذي نفذت به الجريمة على الهواء مباشرة بدم بارد وعن سبق إصرار وترصد. وقد زاد من حدّة الألم ما أبانت عنه هذه الجريمة الإرهابية من حجم التناقض والازدواجية اللذين يتعامل بهما الإعلام الغربي عموما الذي يشعل الدنيا-عن حق-عندما يتعلّق الأمر بالإرهاب "الإسلامي"، فيما لمسنا تناولا إعلاميا عاديا واعتياديا مع هذه المذبحة الإرهابية التي أودت بحياة خمسين قتيلا... كما أنّ صمت دعاة الحريات الفردية في بلداننا بدا مستهجنا، خاصة ممّن ألفوا الخروج القوي دفاعا عن حرية العقيدة وعن الحقوق الكونية التي تضمن العيش المشترك مع احترام الاختلاف وقبول الآخر كيفما كان معتقده الأيديولوجي ولونه الثقافي وونوعه العرقي وميوله الجنسي. أين اختفت أطروحاتهم فجأة؟ أم إنهم لا ينزعجون من الإرهاب إلا إذا كان "إسلاميا"؟ أليس الذين قُتِلوا ببربرية كانوا يمارسون حقهم في العبادة الذي تكفله لهم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟ أليس القاتل الإرهابي أعلن عن دوافعه لارتكاب المجزرة الرهيبة في بيان يدين فيه الغرب أكثر من إدانته لنفسه؟ فهذا الرجل الأبيض يتحدّث عن المسلمين الغزاة ناسيا أن أجداده وصلوا إلى تلك القارة البعيدة مهاجرين من أوروبا. لكن يبدو أن الخطاب الإسلاموفوبي المحرّض على الحقد والكراهية أصبح عاديا اليوم. بل ويتردّد صداه على أعلى المستويات في الدول الغربية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى غاية وزراء ومسؤولي أحزاب اليمين القومي البلجيكي، مثل الحزب القومي الفلاماني (N-VA)، بل وحتى الفرنكوفونيين البلجيكيين الذين أطلقوا عبر رموز هذا الخطاب لائحة "Liste Destexhe" سيدخلون بها الانتخابات البلجيكية المقبلة. هكذا صارت الجاليات المسلمة في الغرب تعيش قلقا كبيرا من مستقبل غير آمن. هذه الجاليات التي تعيش بين مطرقة التطرف الإسلاموي والتطرف اليميني العنصري الغربي... بين من يرتكب من أبنائها مجازر إرهابية باسمها، وبين من يريد إبادتها من المتطرفين اليمينيين الذين يكرهون الأجنبي عموما والمسلم بالخصوص. كل هذا العنف كان مترقبا في غياب سياسات رادعة لخطابات الكراهية. وعلى الحكومات الديمقراطية الغربية أن تتحرك لحماية روح الحرية والتعدد داخل مجتمعاتها قبل فوات الأوان، ولم لا الدعوة إلى ما يشبه معاهدة دولية تمنع الترويج لكل أشكال العنف اللفظي ضدّ الديانات واستخدام الخطاب العنصري، سواء منه المعادي للسامية (التي لا تعني الصهيونية بالضرورة) أو للإسلام (الذي يجب فصله عن استخداماته السياسوية)، وجرّ العالم إلى صراعات لا تنتهي داخل المجتمعات متعددة الثقافات. قمة عالمية تشرف عليها الأممالمتحدة لمواجهة جذور الإرهاب... فالتصعيد بين الإرهاب والإرهاب المضاد الذي تغذيه كبريات العواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن، من خلال سياساتها في منطقة الشرق الأوسط، سيفتح مستقبل العالم على المزيد من الدم والعنف. ويجب التدخل منذ الآن من أجل مستقبل شعوب هذه الأرض. *برلمانية مغربية مقيمة في بروكسيل