يتكرر السؤال نفسه في أرجاء العالم بشأن المذبحة المروعة التي راح ضحيتها 49 مسلما في اعتداءين على مسجدين في نيوزيلندا، وهو "لماذا وقع الهجوم في هذا البلد الهادئ في أقصى جنوب الأرض؟". ويتساءل الجميع، منذ يوم وقوع الواقعة التي لم يتردد العديدون في وصفها بالإرهابية، لماذا وقع هذا الاعتداء الإرهابي المروع في بلد كان يعتقد أنه من ضمن أكثر دول العالم أمنا وسلاما؟. وهذا البلد الواقع في جنوب المحيط الهادئ، الذي يشيد به المهاجرون المسلمون بوصفه "جنة على الأرض"، يأتي ثانيا بعد إيسلندا في مؤشر السلام العالمي؛ لكن في غضون 36 دقيقة فقط قتل 49 مسلما في مسجدين في كرايست تشيرش، وهو رقم أكبر من ضحايا كافة حوادث القتل المسجلة العام الفائت. وفي بلد يتجول فيه الشرطيون عادة دون سلاح، يجد الآباء صعوبة في شرح تفاصيل ما حدث لأطفالهم؛ فيما يحاولون هم أنفسهم فهم الحادث. وقال كريس، الذي اصطحب أطفاله الثلاثة البالغة أعمارهم 4 و9 و12 من السنوات إلى موقع مسجد لينوود حيث قتل 7 أشخاص، إنّ "مسلحا واحدا أوضح أن ليس هناك مكانا بعيدا جدا عن مثل هذه الاعتداءات". وتابع أنّه "خط رفيع بين إخبار الأطفال أن هذه هس حقيقة ما حدث وعدم تعريضهم للطبيعة الحقيقية للإنسانية التي يمكن أن تؤدي إلى هذا النوع من الأمور". وعلى مقربة من كريس وأطفاله، حاولت شرطية، مسلحة هذه المرة، أن تشرح لطفلتين أنّها تحمل البندقية لحمايتهما، إلا أنّ إحداهما باغتتها قائلة إنّ المسلح استخدم بندقية أيضا لقتل الضحايا. الجنة المفقودة نيوزيلندا ليست المكان المثالي بالطبع، فهناك تقارير عن حوادث عنصرية ومشاعر معادية للمهاجرين تحدث بين الفينة والأخرى؛ لكنها لا تلفت انتباه وسائل الإعلام، لأنها لا تمثل التيار السائد في البلاد. وقال مهاجر فلسطيني لوكالة فرانس برس: "أعيش في نيوزيلندا لأن أول زيارة قمت بها إلى هنا ،عام 2011، وجدت مكانا بمثابة الجنة على الأرض، وقررت أن أحضر أسرتي للعيش هنا في سلام، بعيدا عن كل المتاعب". وتوافد أشخاص من كافة القطاعات في نيوزيلندا إلى الحواجز التي أقامتها الشرطة في محيط المسجدين للتعبير عن احترامهم وإظهار تضامنهم مع الطائفة المسلمة البالغ عددها نحو 50 ألف شخص وتشكل نحو 1 في المائة من سكان الجزيرة. وقال لوكي سميث إنّ "هذا ليس شيئا يمكن أن نتوقعه على أراضينا". وتابع أنّ "الصدمة هي أكبر وسيلة للتعبير عن الاعتداء. لا يمكن أن تفكر أنه يمكن أن يحدث على أرضنا". وأوضح كريس أن الاعتداء أظهر أنّ عزلة نيوزيلندا الجغرافية لم تعد تشكل عاملا مهما في عالم متصل على هذا الشكل. وقال إنّ الاعتداء "اظهر أنه يمكنك الاندماج في مجتمع جميل ولطيف، وفي الجزء المتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، يمكنه أن ينخرط في مجتمع آخر يعزز أفكاره وغضبه". وفي أحد شوارع كرايست تشيرش الكئيبة، قال جيريمي ميتشيل إنّه "غير واقعي" أن تحدث مذبحة مماثلة في نيوزيلندا. وتابع: "اعتقد أنّ كل شخص في المجتمع يدعم الطائفة المسلمة بنسبة 100 في المائة والعائلات المسلمة التي فقدت أحبائها"، مضيفا: "نوّد أن تقول إننا لسنا طرفا في تلك (المذبحة)، وإننا لا نؤمن بما يؤمن به" منفذها. *ا ف ب