قال محمد أمين سيانا، مهندس معماري ضمن مجموعة معمارية مغربية حاصلة على جوائز دولية، إن الهندسة المعمارية "انعكاس للمجتمع"، وأضاف أن "المعمار لا يكذب، بل يعكس الشخص وطريقة تحليله واستجابته لحاجة معينة عند المجتمع". وفي معرض حديثه في ندوة نظّمها "ملتقى الحضارات" مساء الخميس بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالرباط، قال المهندس المعماري المغربي إن على المعماري أن لا يستهين بأي مشروع مهما صغُر، مقدّما مثالا ب"فيلا زِيد" التي لقيت صدى مهما، رغم حديثه عن غياب الاعتراف بالمغرب "ولو حتى بالدعوة لإلقاء محاضرات". كما تحدّث عن البداية "مع ثقافة المباريات" منذ السنة الرابعة بمدرسة الهندسة، والحاجة إلى الاطلاع على الجانب التدبيري والإداري، ثم "انطلاق مغامرة" مجموعة معمارية تضم ثلاثة شباب كان لكلّ عضو فيها "شخصيته المعمارية"، الشيء الذي أغنى المجموعة، في وقت بدأت تظهر فيه ثقافة "الشركات الناشئة ستارت آب"، ليقفز عبر السنوات ويستنتج أنه "عبر الطريق الأصعب يمكن جني الثمار الحقيقية". طارق الزبدي، مهندس معماري حاصل على جائزة لجنة التحكيم وجائزة جمهور إحدى الجوائز المعمارية العالمية، سرد بدوره مسيرته منذ التخرّج "بكثير من الأمل في فترة كان فيها انفجار في قطاع البناء بالمغرب"، ثم العمل مع وكالات كبرى، مع الاحتفاظ بفكرة أن يتعلم ويستعد للانطلاق بعد ذلك لضرورة الحصول على طلبات وإثبات الذات. الزبدي تحدّث عن استمراره في التعاون مع وكالاتٍ والبحث عن مباريات صغرى وطلبات صغرى، إلى أن حصل على أول مشروع بالدار البيضاء لتشييد مدرسة ابتدائية في سنة 2009، موضّحا أنه هنا "أحس بالمسؤولية" بعدما وجد نفسه مسؤولا عن مشروع من ألفه إلى يائه. مفتاح الهندسة المعمارية بالنسبة لطارق الزبدي هو القيام بالمشروع الأول رغم صعوباته، إلى أن تصبح الأمور أوضح بعد ذلك، إلى جانب تعلّم الكثير بعد التخرّج وواجب المرور من "السهر بالليل، والعمل في نهاية الأسبوع"، مذكّرا في هذا السياق بأن المهندس المعماري يحتاج أن يكون بيداغوجيا في تعامله مع الناس لأنهم قد لا يكونون عارفين بحقيقة ما يطلبونه. من جهته، قال إدريس كتاني، مهندس معماري عضو مؤسس لمجموعة معمارية ظفرت بجوائز عالمية، إنه لمدة عشر سنوات لم تحصل المجموعة على أي مشروع، ولكنّها استمرت بمهنية وسذاجة ونفس طويل إلى أن حصلت على ثقة أول زبون لها. وشدّد كتاني على ضرورة الوعي بأن أي مشروع معماري يؤثّر على الناس وعلى المدينة والشارع، وعلى البلاد والثقافة والحضارة، مشيرا في السياق ذاته إلى "الطاقة الكبيرة" التي استُثمرت في المشاريع الأولى بعد تخرّجه في مدرسة الهندسة المعمارية. وتطرق العربي بوعياد، مهندس معماري أكاديمي رئيس "ملتقى الحضارات"، لضرورة أن يكون المهندسُ "ذا صبغة ثقافية، حتى يتمكّن من الارتقاء إلى بُعد أكثر سعة وغنى"، وأضاف في كلمة تأطيرية للندوة أن "المجتمع يمكن أن يشكل مرآة يرى فيها المهندس المعماري الصورة الذاتية التي يكوّنها عن نفسه، وهو ما يوجب عليه أن يذهب إلى الآخرين، ويخلقَ ظروف النقاش والحوار المستمرّ حتى يستمع إليهم ويستمعوا إليه". ودعا بوعياد المعماريين إلى "التوقّف عن محاورة أنفسهم والانفتاح على العالم وعلى التخصصات التي تجعل من الإنسان موضوعَها حتى يشعروا بأن وظيفتهم لا تقتصر على الجوانب الفنية وحدها"، وزاد مبيّنا أن "التقنية التي يمتلكها المعماري تخدم فكرة، وتشارك في رؤيةٍ للعالم وفي مشروعٍ للمجتمع". كما تحدّث المهندس المعماري ذاته عن واجب أن يكون المجتمع هو "المؤسسة" المسؤولة في المقام الأول عن تصميم الفضاء الخاص به، وأن تكون مسؤولية المعماري الأساسية هي "خدمة الإنسان والمجتمع، وضمان بيئة حياة توفر ظروف الاستقرار والراحة والنظافة". وأضاف أن "المعماريّ والمعماريّة الحقيقيين يجب أن يكون لديهما انفتاح على الأفكار والثقافات، ومبادئُ تجعلهما فاعلَين يحقّقان في آن مهمة البَنَّاء والمُرَبّي، وأن يعكسا تطلّعات المجتمع ويقُوما بتوقُّعها، حتى تنبثق سُمعتهما المهنية من المجتمع نفسه، من خلال براعتهما ونزاهتِهِمَا وعلمهما وكفاءَتِهِما".