"توقفوا عن جعل الحمقى مشاهير"، شعارُ حملة يقودها إعلاميون ونشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي من أجْل وقف مَدّ بروز أشخاص يتمّ تسويقهم كنجوم عبر مقاطع فيديو تُبثّ على الشبكات الاجتماعية وبعض المواقع الإلكترونية التي باتت تتّخذ منها موادَّها الأساسية، جرْيا وراء رفع نسبة مشاهدات قنواتها على موقع "يوتيوب". ودعا قائدو حملة "توقفوا عن جعل الحمقى مشاهير" إلى الكفّ عن استغباء المواطنات والمواطنين المغاربة، عبر التركيز على تصوير مقاطع فيديو مع أشخاص لا يقدمون أيّ قيمة مضافة إلى المجتمع الذي يعاني أصلا من تدنّي المستوى الثقافي بسبب فشل التعليم، وبسبب عواملَ أخرى متشابكة. "البوز" الذي يحققه أشخاص غير معروفين، بفضل تسليط بعض وسائل الإعلام الضوء عليهم بصورة مكثفة يجعلهم حاضرين في الساحة على الدوام، يطرحُ مفارقة كبيرة، تتمثل في إقبال الجمهور على مشاهدة مقاطع الفيديو التي يظهرون فيها، رغم الانتقادات الكثيرة الموجهة إليهم، وفي الآن ذاته تنامي الدعوات إلى وضع حدّ "لاستغباء المغاربة". يشرح الإعلامي المغربي يوسف مريك، وهو أحد المساندين لحملة "توقفوا عن جعل الحمقى مشاهير"، هذه المفارقة بالقول إنّه من الطبيعي أنْ يُقبِل المغاربة على مشاهدة ما يروج في وسائل الإعلام المحلية، من باب الفضول لمعرفة ما يجري في المجتمع، منبّها إلى أنّ نسبة الجمهور التي تتابع هؤلاء "المشاهير" تظلّ محدودة، مقارنة مع عدد سكان المغرب. وشدد يوسف مريك على أنّ من حق وسائل الإعلام أن تُفسح المجال لأيّ كان، لكنّ التركيز على فئة معيّنة من الأشخاص الذين يجلبون مشاهدات كثيرة دون أن يُفيدوا المجتمع في شيء، وتهميش الطاقات التي يزخر بها المجتمع المغربي في مختلف المجالات، يُفقِد الإعلامَ دورَ التوعية والتثقيف ونشر المعرفة الذي ينبغي أن ينهض به. ووجّه قادة حملة "#Stop_badbuz" نداء إلى الإعلاميين للرقي بجودة محتوى ما يقدمونه إلى الرأي العام، معتبرين أنّ "البوز" الذي يخلقه بعض الأشخاص، عبر ترديد كلام تافه، بسبب تسليط ضوء الإعلام عليهم، لم يسبق أنْ بلغ مستوى الانتشار الذي بلغه في الآونة الأخيرة. من جهته، قال أيمن درواش، ناشط فيسبوكي، إنّ بعض المواقع الإلكترونية تتحمّل مسؤولية انتشار ظاهرة "Badbuz"، عبر استغلالها للتصريحات الغريبة التي يُدلي بها بعض الأشخاص، والتركيز عليها بصورة لافتة، من أجل رفْع نسبة مشاهدة مقاطع الفيديو التي تبثها، دون إيلاء أيّ اعتبار لمُحتوى ما يُبث، وكذلك إجراء حوارات معها، وكتابة مقالات عنها. وأضاف أيمن، في تصريح لهسبريس، أنَّ المسؤولية يتحمّلها كذلك الجمهور، الذي يُقبل على مشاهدة فيديوهات "النجوم الجدد"، الذين قادتهم الصدفة فقط إلى عالم الشهرة، موردا: "لست خبيرا في الإعلام، لكنَّ المستوى الذي وصلْنا إليه اليوم لم يسبق أن شاهدنا مثيلا له في السابق". واعتبر يوسف مريك أنَّ وسائلَ الإعلام ليس مطلوبا منها أن يكون ما تبثه وما تنشره "جدّيا" دائما، بل بإمكانها أن تنشر أخبارا وفيديوهات طريفة، "لكن دون أن يكون في محتواها استغباء للجمهور، كما نشاهد اليوم، حيث يتمّ استغلال سذاجة بعض الأشخاص، وتشجيعهم على الإدلاء بتصريحات مثيرة تحظى بإقبالِ عيّنة من الجمهور". وأضاف المتحدث ذاته: "يجب عيلينا، نحن الإعلاميين، أن نقدّم محتوى مفيدا للجمهور، خاصة فئة الشباب، وذلك بإبراز الطاقات والمواهب الشابة في مجال الأدب والشعر والفكر والرياضة والفن، وفي مختلف المجالات، وأن نبتعد عن العمل بقاعدة كوَّرْ وْاعْطي للعْوَرْ". ويبدو أنَّ الأشخاص الذين خلقوا "البوز" في الآونة الأخيرة أصبحوا يستغلون إقبال فئة من الجمهور على مشاهدة مقاطع الفيديو التي يظهرون فيها من أجل كسْب المال، وذلك باشتراط الحصول على مبلغ مالي معيّن لقاء قبول الإدلاء بتصريح لوسائل الإعلام؛ إذ إنّ أحدهم، الذي برز في الآونة الأخيرة، حدد مبلغ 5000 درهم كمقابل للإدلاء بتصريح، وفق إفادة أحد الإعلاميين. ويذهب بعض المتابعين إلى القول إنَّ "تشجيع التفاهة" في المشهد الإعلامي ليس صُدفة، بل هي خطة مرسومة بعناية من قبل جهات في الدولة بهدف توجيه الرأي العام وإلهائه عن الاهتمام بالقضايا ذات الأولوية، غير أنّ يوسف مريك استبعد هذا الطرح معتبرا أنّه "تبرير غير مقبول". وأوضح الإعلامي المغربي أنّ مَن يتحمّل المسؤولية هم الإعلاميون الذين يجب عليهم أن ينهضوا بدورهم في توعية الرأي العام والرقي بالمجتمع، "فلا أحد أمرَهم بتسليط الضوء على هذه التفاهة التي نراها اليوم"، مضيفا: "هناك مواقعُ إلكترونية محترمة تبث محتوى قيّما ومفيدا، ولكن هناك في المقابل مواقع أخرى لا يهمها سوى الربح المادي، ولو باستغلال سذاجة بعض الأشخاص واستغباء الجمهور".