أحدث قرار الحكومة الألمانية بتصنيف دول شمال إفريقيا كجهات آمنة، رغم اعتراض حزب الخضر، حالة من القلق من قبل المنظمات الحقوقية بسبب التأثير الذي سيحدثه على مستقبل الهجرة في المنطقة وأوضاع المهاجرين غير الشرعيين المقيمين في ألمانيا وفي دول الاتحاد الأوروبي عموما. ومع أن القرار الذي لقي تصديقا من "البوندستاج" لازال يلقى اعتراضا في مجلس الولايات (بوندسرات)، نجحت الحكومة الألمانية عبر مفاوضات مباشرة مع حكومات دول شمال إفريقيا، وعلى مدار الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2018 في ترحيل أكثر من 1500 مهاجر ينحدرون من دول المغرب العربي من بين المخالفين للوائح الإقامة حسب بيانات وزارة الداخلية الألمانية. كما كشفت البيانات أن 386 مهاجرا من هذه الدول اختاروا العودة إلى أوطانهم طوعا على امتداد عام 2018، من بينهم 266 جزائريا و53 مغربيا و67 تونسيا. وقال الخبير المغربي عبد العزيز تلمساني، رئيس "مجموعة مناهضة العنصرية ومرافقة الأجانب والمهاجرين والدفاع عنهم"، لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ): "يرتبط القانون بنقاش داخلي في ألمانيا، وهو يعبر أولا عن أوليات الدولة الألمانية. لم يطلب المغرب هذا التصنيف، كما لم تجر مناقشة هذا القرار مع السلطات المغربية". تعد عمليات تسريع المهاجرين غير الشرعيين ومن ترفض طلبات لجوئهم بجانب توسيع قائمة "الجهات الآمنة"، من الأهداف الرئيسية المعلنة لوزير الداخلية الحالي هورست زيهوفر، عن حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، منذ استلامه منصبه في مارس 2018. وتسمح هذه الخطوة بترحيل طالبي اللجوء المنحدرين من قائمة تلك الدولة بصفة تلقائية ودون النظر في طلباتهم. وكان مسعود الرمضاني، رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الذي يعنى بملف الهجرة، من بين الذين عبروا عن احتجاجهم ضد قرار السلطات الألمانية الساعي إلى تصنيف دول شمال إفريقيا كجهات آمنة، ما يسمح لها برفض طلبات اللجوء المقدمة من المهاجرين القادمين من هذه الدول بصفة تلقائية. وقال الرمضاني في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ): "زرت ألمانيا وقابلت مسؤولين هناك، وعبرت عن احتجاجي لتصنيف الجهات الآمنة. هذه الدول لا تنطبق عليها معايير الجهات الآمنة، وجمعها أيضا في سلة واحدة هو بحد ذاته قرار مجحف ولا يكتسب مصداقية". وأوضح رئيس المنتدى: "المعايير متفاوتة في دول شمال إفريقيا. في تونس مثلا لا توجد حقوق للمثليين وفي الجزائر والمغرب لا توجد حرية تعبير وحرية المعتقد غير مضمونة، وليس هناك تداول على السلطة. كما أن في هذه الدول قوانين تعاقب المهاجرين غير الشرعيين المرحلين من أوروبا وليس فيها قوانين للجوء". وبالنسبة للخبير التونسي فإن التبرير الألماني لهذا التصنيف يبقى مبهما وغير موضوعي، لكونه يقوم على فكرة أن عدد طالبي اللجوء من دول شمال إفريقيا محدود ويمثل خمسة في المائة فقط من إجمالي العدد الحالي في ألمانيا، وهو تبرير برأي الرمضاني لا يعطي مشروعية لسياسة الترحيل. ورغم الإجراءات المشددة على الضفة الشمالية للمتوسط والقيود التي فرضتها الحكومة الشعبوية في إيطاليا بغلق موانئها ضد قوارب المهاجرين غير الشرعيين، لازال الشباب في دول جنوب المتوسط يقامر بحياته في البحر بحثا عن فرص حياة أفضل، كما يجري ترحيل من يصلون إلى إيطاليا بصفة دورية إلى تونس. وأفاد رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان جمال مسلم ل(د. ب. أ): "يتعين أن تكون المرجع الأساسي في إدارة ملف الهجرة واللجوء المواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تتعارض مع الترحيل القسري للمهاجرين غير الشرعيين. يجب أن يتمتعوا بكافة الضمانات القانونية". وتابع مسلم: "ليس من العدل أن يتمتع أصحاب رؤوس الأموال بحرية التنقل بينما يتم تشديد القيود ووضع حواجز في وجه الهجرة المنظمة". وفي الغالب ترفض الدول الأوروبية منح صفة اللجوء للمهاجرين الاقتصاديين. لكن في تقدير رئيس المنتدى مسعود الرمضاني فإن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية باتت تمثل "الجيل الثاني" من الحقوق، وهي غير متوفرة على نطاق واسع في الدول التي صنفتها الحكومة الألمانية كجهات آمنة، بجانب تقارير عن تفشي الفساد في أجهزة الدولة والانتهاكات الأمنية في مراكز الإيقاف. ويوضح مسعود الرمضاني في تعليقه: "هناك حقوق قامت عليها الهجرة في العالم. والعهد الدولي لحقوق الإنسان ينص على أن لكل إنسان الحق في أن يتنقل من مكان إلى آخر لتأمين حياة أفضل. لكن الحكومات الأوروبية ومن بينها ألمانيا تكيل بمكيالين..هي تستنزف الكفاءات وتشجع فقط على هجرة الأدمغة من باقي الدول العالم". حسب تقرير التنمية البشرية في العالم العربي لعام 2016 غادر تونس منذ 2011 أكثر من 90 ألف كفاءة، وعدد كبير من هؤلاء هم ما بين مهندسين وأطباء وجامعيين، كما تفيد بيانات في المغرب بأن نحو 200 ألف من الكفاءات العالية المهاجرة على مدار السنوات الأخيرة فضلوا الاستقرار نهائيا خارج البلاد. وقال عبد العزيز تلمساني: "لا يتعين التحضير لسياسة خاصة بالهجرة موجهة إلى إفريقيا في برلين فقط، ثم يتم فرضها على دول المنطقة. مثل هذه السياسات مآلها الفشل لأنها لا تستند إلى تعاون مع المجتمع المدني الذي يعد الأقرب إلى فهم سياقات الهجرة". وقال النائب في البرلمان التونسي ياسين العياري، الممثل للجالية التونسيةبألمانيا ل (د. ب. أ): "الاتفاقيات الحالية لمعالجة ملف الهجرة غير عادلة. ألمانيا تفضل استقطاب زبدة الكفاءات في قطاعات الطب والهندسة، وهذا غير كاف ولن يحل مشكل الهجرة غير الشرعية". وتابع العياري: "يجب فتح باب الهجرة المنظمة من أجل سياسة رابح-رابح". *د ب أ