ارتفعت بعض الأصوات مجددا مطالبة بضرورة الاحتفال بما يسمى رأس السنة الأمازيغية، وجعْلِ المناسبة التي تصادف 13 يناير من كل سنة عيدا وطنيا رسميا. وإذا كانت المناسبة مجرد احتفالية شعبية لها رمزية تُجَسِّدُ الاحتفاء بخيرات الأرض والتيمن بسنة فلاحية جيدة، كما يقول الواقفون وراء هذه الدعوة، فإن السؤال الذي يفرض نفسه تلقائيا هو لماذا إطلاق تسمية أمازيغية على هذه السنة؟ لماذا لا تكون سنة فلاحية وكفى المؤمنين شرَّ القتال، كما يقال؟ النشطاء الأمازيغ الذين يكِدُّون ويجتهدون ليل نهار لجعل الاحتفال بالسنة الأمازيغية عيدا وطنيا، ظلوا يتحركون لسنوات عديدة مُصرِّين في رفضهم لإطلاق صفة المغرب العربي على المغرب الكبير، إلى أن استجابت الدولة لمطلبهم، وحذفت كلمة العربي من المغرب، وأصبحت تسميته المغرب الكبير، وورد ذلك في الدستور.. فكيف للنشطاء أنفسهم الذين يحثون على إطلاق الأسماء بطريقة محايدة ودون استتباعها بأي صفة ذات طابع يشير إلى العرق، هم أنفسهم الذين يصرون على أن تكون هذه الاحتفالية تحت مسمى السنة الأمازيغية؟؟ أليس في تصرفهم هذا تناقض لا غبار عليه؟ وإذا استجابت الدولة لمطلب الداعين لجعل 13 يناير رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، ألا تكون بموقفها هذا تكيل بمكيالين، بحيث أنها سحبت صفة عربي عن المغرب الكبير، وتطلق صفة سنة عن الأمازيغية، وتجعلها فوق كل ذلك عيدا وطنيا؟ ألا تكون الدولة بذلك متحيزة للمغاربة الأمازيغ على حساب المغاربة العرب والصحراويين والأندلسيين والمغاربة المنحدرين من روافد متوسطية وإفريقية وعبرية، وتشعرهم بأنهم في درجة أقل من أشقائهم الأمازيغ؟؟ الغاية من الاحتفال بالأعياد هي تقوية أواصر الوحدة الوطنية، وإشعار المواطنين بأنهم في أمة واحدة، وأن لهم مناسبات تجمعهم في كيان واحد الذي هو دولتهم، وأن لهم تطلعات مشتركة رغم مكوناتهم الهوياتية المختلفة، لكن إذا جرى ترسيم السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، فإن الاحتفال سيكون خاصا بمكون واحد من مكونات الهوية الوطنية الذي هو المكون الأمازيغي، وهذا سيولد الشعور بالتمايز والتفرقة، وسيصبح العيد عيدا لطرف واحد من أبناء الوطن، في حين تشعر بقية الأطراف الأخرى من أبناء نفس الوطن أن هذا العيد لا يعنيها، ما دام حتى في اسمه لا يشير إليها، ويعمد إلى إهمالها، الأمر الذي قد يولِّدُ انشطارا اجتماعيا، وهذا يتنافى كليا مع فلسفة إقامة الأعياد والاحتفالات الرسمية.. الاحتفال بالأعياد الوطنية هو أيضا احتفال بما يميز وطن عن غيره من الأوطان، ويعطيه تفرّده في نظر مواطنيه، ولذلك يحتفل المغاربة بأعياد الاستقلال والعرش والمسيرة وحدث تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، إنها وقائع ذات طبيعة وطنية تجمع كل المغاربة، دون تمييز، على أساس عرقي، أو جهوي، أو لغوي.. المجتمع المغربي في حاجة إلى التطلع صوب المستقبل، وتجنيد كل طاقاته، لإنجاز تنميته، وإقلاع اقتصاده، وتحقيق الرفاهية لأبنائه، وتوفير الشغل للعاطلين منهم، والدواء للمرضى والسكن للذين بدون مأوى، والقضاء على الفساد المستشري في مؤسساته، وما أظن أن جعل حدث مرَّت عليه حوالي 3 ألف سنة عيدا وطنيا أمرٌ يساعدنا على تحقيق مرامينا التنموية، الاحتفال بهذه المناسبة يجعلنا نتطلع إلى الوراء ومشدودين إلى ما مضى من الزمان، وإذا كان النشطاء الأمازيغ يؤاخذون بشدة على الإسلاميين كونهم يسعون للعودة المستحيلة بالمغرب إلى عصر الخلافة الراشدة، فالنشطاء الأمازيغ أيضا يبدون، بمثل هذه التصرفات، كأنهم يحلمون بالعودة بنا إلى ما قبل 3 الف سنة من اليوم، فهم يظهرون كأنهم لا يزالون مشدودين إلى حقبة شاي شنق ويحنون إليها. من المؤكد أن عموم الأمازيغ، في حقولهم، ومعاملهم، وورشاتهم، وتجارتهم.. ليسوا منشغلين بهذا الموضوع ومهمومين بأن يصبح 13 يناير عيدا رسميا للسنة الأمازيغية.. فهذا هو آخر همِّمهم، إنهم يريدون لبلدهم التطور والتقدم ومواكبة التحولات التي تجري حاليا بسرعة في العالم، ويتمنون تعبئة كل الطاقات لإدراك هذا الغرض. ولذلك فإن جعل السنة الأمازيغية عيدا وطنيا قضيةُ تهم بعض النشطاء الأمازيغ الذين يروجون لها دون غيرهم. لا يمكن تصور أن أمازيغيا مغربيا يعيش في زاكورة أو الحسيمة أو الحاجب مثلا.. يعنيه في شيء أن شخصا ليبيا من أصل أمازيغي تمكن سنة 950 قبل الميلاد من أن يصبح ملكا على مصر وأن يحكمها، فالحدث وقع في القرون الخوالي، والاحتفال به يدخل في باب العبث، ولقد جرى في بلد بعيد عنا الذي هو مصر، وهو حدث لا يشكل جزءا من تاريخنا الوطني، فكيف سيحتفل أمازيغي مغربي بتاريخ ملك أمازيغي ليبي/ مصري؟؟ إن قام الأمازيغي المغربي بذلك فإنه سيحتفل بتاريخ شعب غير شعبه، ويتباهى بمنجز لوطن ليس وطنه.. وإذا أجاز الأمازيغي المغربي لنفسه جعل مثل هذا الحدث عيدا وطنيا، فلماذا لا يجوز للعربي المغربي الاحتفال بانتصار خالد بن الوليد على الروم مثلا والمطالبة بجعله عيدا وطنيا هو كذلك؟؟ من الممكن أن يحتفل الأمازيغ الليبيون بهذه المناسبة ويشيدون بها، وربما المصريون من أصول أمازيغية يحق لهم هم أيضا التغني بالملك شاي شنق، ولكن الأمازيغي المغربي فإنه في وضعه الحالي مختلف تاريخيا عن غيره من الأمازيغ في الدول المجاورة، إن له تاريخه الخاص المرتبط بأرضه الوطنية التي يعيش عليها، وتوجد فوق حدودها الترابية دولته الوطنية، والاحتفال بالمناسبات وجعلها أعيادا يتعين أن يكون في صلة مع وقائع تاريخنا الخاص بنا كدولة مغربية لها استقلالها الخاص بها، ولها رموزها التاريخية التي لا يشاركها غيرها فيها.. لا يمكن لنظام مثل النظام الجزائري أن يكون قدوة للمغرب وأن يقوم بلدنا بتقليده في ما أقدم عليه من جعل السنة الأمازيغية عيدا وطنيا جزائريا. الدولة موجودة في المغرب منذ ما يقارب 14 قرنا، إنها قائمة بحدودها وجغرافيتها وتاريخها وسيادتها ورموزها وتراثها، وكانت مؤثرة لفترات عدة في محيطها، فالمغرب هو الدولة المؤهلة لكي تقتبس منها الجزائر الصيغ الكفيلة بتدبير اختلافاتها.. النظام الجزائري الحاكم ليس نظاما ناضجا لكي نسترشد بما أقدم عليه حين جعل من رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، إنه نظام عاش عشرية سوداء، وهو محكوم بطغمة عسكرية ولوبي فرانكفوني يسيطر على ثروة الدولة الجزائرية وإعلامها، ويتحكم فيهما، بعيدا عن إرادة الشعب الجزائري. لو كان يحكم الجزائر نظام ديمقراطي حقا، وتُسيّرُ شؤونه حكومة منبثقة عن برلمان منتخب بشكل ديمقراطي، في انتخابات حرة ونزيهة، ولو كانت لديه حرية تعبير وحرية صحافة، والقرارات الحكومية تعكس الإرادة الشعبية الجزائرية، لما كان هذا النظام يسعى أصلا لفصل الصحراء الغربية عن وطنها الأم المغرب، لأن في فصلها قد يتيح الأمر لاحقا للقوى الدولية المسيطرة على العالم، والتي تسعى لتجزئة المجزأ وتفتيت المتفتت، فصل الصحراء الجزائرية نفسها عن الجزائر الوطن، وبلقنة المنطقة برمتها.. نظام يملك ثروة طائلة من البترول والغاز وتدخل لخزينة دولته عائدات طائلة من هذه الثروة، وأغلبية الشعب الذي يحكمه تعيش في الفقر والعوز والمرض، ويهدر أموال شعبه في التسليح وخلق القلاقل والبلبلة لجاره المغرب، ويُسخّر كامل طاقته لإنهاكه وإضعافه، لا يليق تقديمه كمثال يحتذى لنجعل مثله السنة الأمازيغية عيدا وطنيا في المغرب.. آخر نظام يجوز لنا الاقتداء به، هو النظام الجزائري، وحالة رأس الدولة فيه، أبلغ دليل على ما نقول..