تحل ذكرى رحيل المناضل والقائد الوطني الديمقراطي التقدمي عبد الرحيم بوعبيد، لتوقظ فينا، وككل سنة، مشاعر متناقضة يتجاذبها "حنينا" لمرحلة نضالية وحزبية ذهبية بقيمها ووهجها النضالي، وألم وقرف من ما آل إليه العمل السياسي من تدهور، وما بلغه الحقل الحزبي من انحطاط وعقم وتفريط في الهوية واستقلالية القرار. أقف بالمناسبة عند درسين من دروس المدرسة الوطنية الديمقراطية البوعبيدية من خلال هتين الشهادتين: عبد الرحيم بوعبيد: الرجولة والمروءة: هكذا وصفه رفيق دربه المفكر المناضل الراحل محمد عابد الجابري مستحضرا وقفة سي عبد الرحيم التاريخية أمام المحكمة العسكرية يوم 9 غشت 1973 كشاهد في محاكمة إخوانه المعتقلين عقب أحداث مارس 73. دافع الفقيد عبد الرحيم بقوة عن الحزب وعن اختياراته، وحاكم سياسة النظام القمعية تجاه مناضلي وأطر الحزب، وأكد استمرارية عضوية الفقيه البصري مادام لم ينزعها منه المؤتمر، محملا النظام مسؤولية ما تخلقه سياساته من إحباط ويأس وسط المواطنين. ولما سأله رئيس المحكمة: "هل يصل اليأس إلى حد التسرب من الخارج وارتكاب العنف؟"، أجاب الفقيد ب"رجولة": "اليأس بطبيعة الحال رد فعل نفساني، وحدوده تتغير حسب طبيعة الأشخاص، فقد يكون عنفا باللهجة وقد يكون بالسلاح"، وأضاف: "أما الحد الفاصل بين المشروعية وعدم المشروعية فهو واضح بالنسبة لنا، فقراراتنا كحزب علنية معروفة" (م. ع الجابري _مواقف ع 8 _ بتصرف). عبد الرحيم بوعبيد: الاستماتة في الدفاع عن القرار الحزبي المستقل: يشهد رفيقه محمد اليازغي في كتاب "ذاكرة مناضل" بأن سي عبد الرحيم "لم يخف عنا في أي يوم من الأيام أي اتصال أو حوار كان يجريه مع الملك الحسن الثاني أو مع مبعوثيه". على نهج هذا السلوك الأخلاقي والديمقراطي والشفاف كانت القيادة تتخذ قراراتها بكامل الاستقلالية والحرية، ومن بين أكبر المعارك التي خاضها الراحل صحبة إخوانه في القيادة دفاعا عن استقلالية القرار، تلك المتعلقة بالموقف من دعوة الملك الراحل إلى استفتاء في الصحراء المسترجعة؛ حيث قال الحزب بقيادته "لا" كبيرة، تاريخية وشجاعة، وبقية القصة معروفة: الاعتقال والمحاكمة فالسجن. وفي قفص الاتهام أعلن السي عبد الرحيم للمحكمة والرأي العام الوطني والدولي أن السجن "أحب إلى نفسه" من أن يفرط في القرار السياسي الحزبي الواقعي المطلوب موضوعيا لمواجهة تحديات خصوم وحدتنا الترابية ولفرض عدالة قضيتنا. هذان درسان بليغان من زعيم سياسي وطني ديمقراطي ارتبطت السياسة عنده، كفكر وممارسة، بالواقعية والعقلانية والأخلاق. فما أشد الحاجة اليوم إلى استلهام وتمثل وتفعيل دروس السيرة الكفاحية لسي عبد الرحيم لأجل إعادة الاعتبار للسياسة أولا، واستعادة المصداقية للعمل الحزبي التقدمي والمستقل... فسلام على روحك النضالية الأبية.