واقع صحي "مريض"، ذلك ما تعيشه أغلب المراكز الصحية العمومية بمختلف مناطق إقليم تنغير، بل كذلك مستشفيات شبه كبرى، ساءت فيها الخدمات الصحية المقدمة إلى المرضى، وباتت تنذر بالخطر، وتستدعي تدخلا من جميع المتدخلين لإصلاح المنظومة على المستوى الإقليمي. المستوى المتدني للخدمات الصحية، والاكتظاظ داخل المؤسسات الصحية، وطول الانتظار بخصوص المواعيد، ونقص الأدوية، وغياب التخصصات الطبية، والنقص الفادح في الأطر الطبية وشبه الطبية، هي بعض المشاكل التي تعانيها أغلب المؤسسات الصحية العمومية بإقليم تنغير، التي تعاني من بنية تحتية مهترئة، ومن غياب التجهيزات الطبية. ومن أجل النبش في أهم المشاكل التي يعانيها القطاع الصحي بإقليم تنغير، ارتأت جريدة هسبريس الإلكترونية تسليط الضوء على هذا القطاع الحيوي والاجتماعي، الذي طالما وجهت إليه الانتقادات، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الوطني. مؤسسات صحية "مريضة ومتأزمة" الفاعل الحقوقي بمدينة تنغير، داود ميوني، قال إن "تعرية الواقع الصحي، المريض والمتأزم، داخل المؤسسات الصحية المنتشرة بمختلف مناطق إقليم تنغير تكتشفه حالما تطأ قدماك باب إحدى المؤسسات الصحية، حيث تعترضك طوابير المرضى الذين أنهكهم الانتظار، فافترشوا الأرض بحثا عن راحة يأملون أن تتحقق بعد لقاء لا يتجاوز في غالب الأحيان العشر دقائق مع طبيب غير مختص، يحيلهم بعدها على آخر بعد موعد يتجاوز الأربعة أشهر ليصل إلى حدود السنة". وأضاف أن "هذا الاكتظاظ المسجل داخل كل الأقسام، وبطء العلاج، الذي يؤثر سلبا على بعض المرضى ذوي الحالات الحرجة، ينضاف إليهما نقص الأدوية، مما يتسبب في غضب المرضى، الذين عادة ما يحتجون على سوء الخدمات المقدمة إليهم، وكذلك في غضب الأطر الطبية، التي رفعت الشارة الحمراء في مناسبات عديدة للتحذير من الوضع الكارثي الذي باتت تعيشه هذه المؤسسات الصحية". من جهتها، قالت أمنية ملالي، وهي فاعلة جمعوية بدائرة بومالن دادس، إقليم تنغير: "رغم المطالب التي رفعتها بعض النقابات ذات العلاقة بالشأن الصحي، إلى جانب ساكنة الإقليم في مناسبات عديدة، من أجل توفير أطر طبية وشبه طبية بمختلف المراكز الصحية والمستشفيات بالإقليم، فإن الوزارة الوصية تعاملت معها بالتجاهل وببعض المشاريع الوهمية التي لم ترتق إلى مستوى التطبيق"، مؤكدة أن "الوضع الصحي المتردي، والمستوى المتدني للخدمات الصحية المقدمة إلى المواطنين أصبحا ينذران بالخطر". وأضافت، في تصريح لهسبريس، أن إقليم تنغير، الذي يبلغ تعداد سكانه 240458 نسمة حسب إحصاء 2014، موزعين على 25 جماعة ترابية، لا يتوفر على مستشفى إقليمي بالمواصفات المطلوبة إلى حدود الساعة. وأشارت إلى أن "وزير الصحة السابق، الحسين الوردي، قام، يوم الجمعة 7 يوليوز 2017، بإعطاء انطلاقة أشغال بناء المركز الاستشفائي الإقليمي لتنغير بتكلفة مالية إجمالية قدرها 240 مليون درهم، لكن ذلك المركز لم ير النور إلى يومنا هذا، وهو ما فتح المجال للكثير من التأويلات". مراكز صحية تحمل أسماء لا غير مراكز صحة بكل من أسول، آيت هاني، تيلمي، أمسمرير، إغيل نمكون، إكنيون، آيت الفرسي، النيف، الخميس دادس...، تعاني من تدني مستوى الخدمات العلاجية والصحية المقدمة إلى المواطنين، نظرا إلى غياب التجهيزات الطبية الكفيلة، والنقص في الأدوية، رغم ما تبذله الأطر الطبية العاملة بهذه المراكز من مجهودات. وفي هذا الإطار، يقول صالح آيت موجان، من جماعة أمسمرير الجبلية، إن "هناك نقصا في كل التجهيزات الطبية بالمركز الصحي بالجماعة التي أقطنها، زيادة على النقص في الأدوية"، مشيرا إلى أن "جميع المراكز الصحية بإقليم تنغير متشابهة ولا فرق بينها". وأضاف أن المراكز الصحية المنتشرة بجماعات إقليم تنغير أصبحت تحمل أسماء فقط، مشيرا إلى أنه رغم المجهودات التي تبذل من قبل الأطر الطبية المشرفة عليها، فهي تبقى دون مستوى المطلوب. والتمس من الوزارة الوصية "التدخل العاجل من أجل وضع حد للوضع المأساوي الذي توجد عليه المراكز الصحية". ووصف المتحدث ذاته حالة المراكز الصحية سالفة الذكر ب"الكارثية"، مشيرا إلى أن "مرتفقي هذه المراكز يعمدون إلى قضاء حاجاتهم بجنباتها، مما ينجم عنه انتشار روائح تزكم الأنوف". تهميش القطاع العام ولم يخف عدد من المواطنين، ممن استقت هسبريس آراءهم حول موضوع الصحة العمومية، أن القطاع العام يعاني من تهميش مقصود من قبل الوزارة الوصية، مقابل فتح المجال أمام الخواص، لمراكمة الثروات على حساب آلام الفقراء والمعوزين، مؤكدين على ضرورة إعطاء الأهمية للقطاع العام من أجل تسهيل استفادة الفقراء من حقهم في العلاج. وحول الوضع الصحي المتأزم بإقليم تنغير، قالت حبيبة الغزاوي، وهي فاعلة حقوقية بقلعة مكونة، إن "هناك فئة من السكان والفاعلين المحليين تصنف الأمر ضمن مخطط تهميشي عام يشمل كل القطاعات الحكومية"، مضيفة أن "السكان تعودوا على مثل هذه السياسات لوجود لوبيات تعاقب المنطقة عقابا جماعيا كترسبات لخلفيات ثقافية وتاريخية في إطار صراع المركز والهامش". كما أن هناك فئة ثانية، تقول الغزاوي، "تناقش الأمر من منطلقات اقتصادية مرتبطة بشركات خاصة استثمارية في القطاع الصحي على شكل مصحات مرتكزة في ورزازات والرشيدية، هي التي تكبح إتمام بناء المستشفى الإقليمي لتنغير على اعتبار أن أزيد من 60 بالمائة من مرتفقي تلك المصحات يتحدرون من إقليم تنغير، والطرف الثالث يقول إن التعثر لا يعود إلى السياسة الحكومية ولا إلى تحليلات المركز والهامش، بل هو مشكل منطقة ومسؤوليها بمختلف مواقعهم، من منتخبين وإداريين ورجال سلطة". وأشارت الغزاوي إلى أن "تخصيص عقار بمساحة ستة هكتارات لم يعرف أي تعرض أو مشاكل"، مبرزة أن تجاوز الكبح يحتاج إلى زيارة ملكية أو إلى ضغط الحكومة، ولِم لا فتح تحقيق لتحديد المسؤوليات والضرب بيد من حديد لكل من سولت له نفسه الاستهتار بالمشاريع المهيكلة والاجتماعية التي تخدم الصالح العام. من جهته، قال محمد آيت أوصالح، من ساكنة مدينة تنغير، في تصريح مقتضب، إن هناك لوبيات تشتغل في القطاع الخاص، وتعمل ليل نهار من أجل وضع العراقيل أمام أي تحرك محتمل لإنهاء مشاكل الساكنة مع القطاع الصحي العمومي، من أجل الهيمنة على القطاع، وفق تعبيره. للمسؤولين رأي عدد من المسؤولين التابعين لوزارة الصحة بالمندوبية الإقليمية لتنغير، والمديرية الجهوية للصحة بدرعة تافيلالت، أكدوا، في تصريحات متطابقة لهسبريس، أن المسؤولين بوزارة الصحة أهملوا هذه المناطق عن قصد، مضيفين أن جميع المؤسسات الصحية تعاني من المشاكل نفسها التي تعاني منها تنغير. وبعد أن تعذر الاتصال بالمندوب الإقليمي، الذي ظل هاتفه يرن دون مجيب، قال مصدر مسؤول بالمندوبية الإقليمية لوزارة الصحة بتنغير، لم يرغب في الكشف عن هويته، إن لوبيات القطاع الخاص بالرشيدية وورزازات لها علاقات وارتباطات بالمسؤولين المركزيين، وأن هذه اللوبيات تدافع بقوة كي يبقى الوضع الصحي بإقليم تنغير كما هو، مضيفا أن الوزارة الوصية تعيد تعاملها مع هؤلاء. وأوضح المصدر ذاته، في تصريح لهسبريس، أن جميع المؤسسات الصحية بتنغير، سواء المستشفيات أو المراكز الصحية، تعاني من خصاص مهول في الأطر الطبية، مبرزا أن بعض هذه الأطر يتغيب بعذر أو بدون عذر. والتمس من المندوب الإقليمي لتنغير عدم التساهل مع كل من لا يحترم القانون وضوابط مهنة الطب. وأكد المسؤول ذاته أنه رغم المجهودات التي تبذلها المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة، من أجل تحسين مستوى الاستفادة من العلاجات، فإنها لم تصل بعد إلى طموحات وانتظارات الساكنة المحلية، مشيرا إلى أن كسب رهان إصلاح القطاع الصحي بتنغير يجب أن تساهم فيه وزارتا الداخلية والصحة والمجتمع المدني، وبدون ذلك سيبقى الوضع كما هو.