قضايا المرأة في البرامج الانتخابية بين الالتزام الفعلي والتوظيف السياسي تحتل قضايا المرأة حيزا هاما في البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية التي تخوض غمار الانتخابات التشريعية يوم 25 نونبر الجاري، وبقدر ما يعكس ذلك اهتماما متزايدا للفاعلين السياسيين بحاجيات المرأة ووعيا أكبر بمكانتها داخل المجتمع، يظل التساؤل مطروحا حول مدى التزام الأحزاب بترجمة ما جاء في برامجها على أرض الواقع، حتى لا تظل قضايا المرأة رهينة توظيف سياسي هدفه الأساس استمالة الناخبين. ومن خلال قراءة لما جاء في البرامج الانتخابية على مستوى الشكل والأولويات، يتضح أن قضايا المرأة لا تتصدر اهتمامات الأحزاب حيث تأتي بعد قضايا التشغيل والصحة والتعليم والقضاء التي تعتبرها هذه الأحزاب قضايا مستعجلة، لكن على مستوى المضمون، يلاحظ تقدم في مقاربة هذه القضايا والتي استندت في مجملها إلى حقوق الانسان والقيم الكونية في ظل سياق يتسم على الخصوص باعتماد دستور جديد ينص على تمتيع الرجل والمرأة "على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية". وفي هذا السياق، يرى السيد مصطفى رزازي، أستاذ العلاقات الدولية ومدير مركز الدراسات الأسيوية بالرباط، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه مقارنة مع البرامج الانتخابية للانتخابات التشريعية لسنة 2007، تضمنت جل البرامج فقرات تدافع على حقوق المرأة والشباب والطفل و"ذوي الاحتياجات الخاصة"، وهو ما يعكس في نظره "جانبا من تطور الثقافة السياسية بالمغرب في ظل إكراهات دستورية فرضت على الأحزاب تكييف خطابها السياسي مع مقتضيات دستورية تنص على المساواة والمناصفة". وانطلاقا من ذلك، يتجلى، حسب الأستاذ رزازي، الدور الفعال للإصلاح الدستوري في بلورة البرامج الانتخابية في ما يتعلق على الخصوص بقضايا المرأة، والذي سيتجلى أيضا في المؤتمرات الوطنية للأحزاب مستقبلا التي قد يتم فيها تغيير القيادات أو تقديم أدبيات جديدة. ولفت الانتباه أيضا إلى الدور الأساسي للرقابة المتمثلة في السلطة الرابعة التي تمارسها وسائل الإعلام على الأحزاب وتحاسبها حتى لغويا في ما يتعلق باحترام المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة. كما أثار الأستاذ رزازي حضور بعض الملاحظين الدوليين لمراقبة العملية الانتخابية مما يدفع الفاعلين السياسيين إلى الحرص على أن يكونوا في مستوى القيم الكونية الأساسية التي تتمثل في المساواة وحقوق المرأة وتقديم برنامج شامل تتجسد فيه تطلعات جميع الفئات. اهتمام الأحزاب بقضايا المرأة: قناعة أم تسويق انتخابي خصصت جل الأحزاب في برامجها الانتخابية مساحة لقضايا المرأة تحت عناوين كبرى أبرزها المساواة والمناصفة والرفع من التمثيلية النسائية في المؤسسات المنتخبة. ففي الوقت الذي تعهدت فيه الأحزاب التقدمية واليسارية بتعزيز المساواة بين الجنسين في الأجور و"تقوية التمييز الإيجابي للمرأة في السياسات العمومية"، كانت المرأة أيضا حاضرة في البرامج الانتخابية للأحزاب ذات المرجعية الاسلامية حيث تعهد بعضها ب"بناء مجتمع متماسك ومتضامن ومزدهر، قوامه أسرة قوية وامرأة مكرمة وشباب رائد"، في حين التزمت أخرى بالتفاعل الإيجابي والخلاق مع المكتسبات التي تحققت للمرأة، وما أفرزته المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة مع إبداء التحفظ على الأبعاد الفلسفية والإيديولوجية المتعارضة مع مقاصد الشريعة الإسلامية. وفي هذا الصدد يرى الأستاذ رزازي أن "الأحزاب لا تجسد أحيانا خطابها، هناك نفس اللغة وتشابه في طرح موضوع المرأة لكن عند تحليل نصوص البرامج بمنظار المتخصص نجد فراغات لغوية ولسانية وعبارات تمكننا كمحللين من معرفة تصور كل حزب للمرأة". ويضيف "عند تحليل القاموس السياسي، نجد أن هناك مصطلحات ومفاهيم تستعملها بعض الأحزاب تحيل في العمق إلى أن هناك تفكيرا بأن +الرجل قوام على المرأة+ بالرغم من أنها تحاول في خطابها السياسي أن تبين أنها تؤيد المساواة المطلقة لكن طبيعة اللغة والقاموس اللغوي السياسي المستعمل يكشف أن هناك خطابا تقوم بتسويقه لكن قناعتها مختلفة". لكنه أقر بأنه مقارنة مع انتخابات 2007 "هناك قفزة نوعية، فالأحزاب كانت مضطرة بفعل السياق الجديد إلى القيام بمجهود لغوي وتقديم برامج انتخابية وليس فقط شعارات وبدأت تلمس بالفعل الاهتمامات الحقيقية للمواطنين"، مضيفا أن "الأحزاب أصبحت الآن واعية بأنها قد تحاسب حتى على الأرقام التي تقدمها". برامج انتخابية لامست مختلف الانشغالات النسائية لكنها تفتقر إلى آليات التنفيذ قاربت البرامج الانتخابية مختلف الانشغالات النسائية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فعلى المستوى السياسي، تعهدت بعض الاحزاب ب"الرفع من عدد النساء بما لا يقل عن الثلث في مواقع القرار والمسؤولية داخل المؤسسات التمثيلية"، ووعدت أخرى بتفعيل التمييز الايجابي وإدماج مقاربة النوع. وفي المجال الاقتصادي، أكدت بعض البرامج الانتخابية على العمل على "إلغاء كل الفوارق بين المرأة والرجل في الأجور وتحسين مؤشر المساواة بين الجنسين في الأجور". أما في ما يتعلق بالشق الاجتماعي، فقد تضمنت بعض البرامج "تفعيل المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، ومحاربة العنف ضد النساء". غير أن الاحزاب لم تقدم في مجملها تصورا حول كيفية تنفيذ التعهدات التي قطعتها على نفسها حيث جاءت برامجها خالية من أي خطوات إجرائية وآليات تنفيذية. وفي هذا السياق، اعتبرت السيدة نعيمة الصنهاجي، مكلفة ببرنامج بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان وفاعلة جمعوية، أنه "في ما يخص قضايا المرأة فإن البرامج الانتخابية كلها تتشابه لكن ما يهمني كامرأة هو ما تتضمنه هذه البرامج من إجراءات وآليات تنفيذية لتنزيل مقتضيات الدستور التي تنص على المساواة والانصاف". واعتبرت أنه من المهم جدا ترجمة ما جاء في الدستور إلى قوانين ملزمة للجميع، مضيفة أن البرامج لم تتضمن تفاصيل حول كيفية تحقيق المناصفة على المستوى السياسي والقانوني والإداري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وكيفية إدماج مقاربة النوع في البرنامج الاقتصادي. وأشارت إلى أنه بخصوص مجال التعليم الذي تطرقت اليه مختلف البرامج الانتخابية، فان تحقيق المساواة في هذا المجال لا زال بعيد المنال خاصة في العالم القروي حيث تتعرض 90 في المائة من الفتيات للهدر المدرسي، مؤكدة بهذا الخصوص على ضرورة تفعيل المساواة لتحصل الفتيات على نفس حظوظ الفتيان في العالم القروي لضمان متابعة تعليمهن الإعدادي والثانوي. من جهته، يرى السيد علي عمار، الخبير في تدبير المخاطر السياسية بواشنطن، أن الخطاب السياسي إيجابي وأن جميع الأحزاب بمختلف توجهاتها تتحدث عن المرأة، لكنه لاحظ أنه بلغة الأرقام، هناك تراجع في نسبة المرشحات مقارنة مع انتخابات 2007 ، فضلا عن تراجع عدد النساء رئيسات اللوائح مقارنة مع نفس. ودعا الى ضرورة إخراج دور المرأة من الإطار الانتخابي والتركيز على مكانة المرأة في الإدارة السياسية وفي مراكز القرار داخل الاحزاب، واعتبر أن الاكتفاء بالنظر في عدد المرشحات باللوائح الانتخابية لا يعالج عمق الإشكالية، مضيفا أنه بإمكان أي حزب أن يرشح نساء خاصة اذا كان الفوز مضمونا بفعل نظام الكوطا. ونبه السيد علي عمار إلى أن البرامج الانتخابية لم تتناول بعض القضايا المهمة التي تمس المرأة مثل الأمن الجسدي وأمن الحياة والأمن الاقتصادي وولوج المرأة للقطاع العام. وأكد أن حضور المرأة في العمل السياسي أصبح مسألة استراتيجية وحيوية وأمرا مطالبا به من طرف المنظمات الدولية والحكومات المانحة. وشدد على أهمية المشاركة المكثفة للمرأة في اقتراع 25 نونبر الحالي "لأن الرجل بشكل عام لا يصوت على المرأة"، مشيرا في هذا الصدد إلى أنه بالولايات المتحدة التي تعد أكبر الديمقراطيات، كان عدد النساء في مجلس الشيوخ سنة 1990 لا يتجاوز اثنتين من أصل 100 عضو لكن بفضل مشاركة النساء في الانتخابات بلغ الآن حوالي 14 في المائة.