كشف بوبكر سبيك، الناطق الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، عن التهديدات الإرهابية التي تُواجه المغرب في مرحلة ما بعد "داعش"، في إطار ما يُسمى ب"الذئاب المنفردة". وتحدّث الناطق باسم الأمن، في حواره مع جريدة هسبريس الإلكترونية، عن خطورة إشادة بعض المغاربة بالأعمال الإرهابية وتداعياتها القانونية، وأكد أن المديرية العامة للأمن الوطني لن تتهاون مع الخرجات الإعلامية لبعض شيوخ السلفية التي قد تحمل في طياتها خطابات تشجع على الكراهية. وقال تعليقا على خرجة أبو النعيم الأخيرة: "الدين الإسلامي والمذهب المالكي معروف بالوسطية والانفتاح والمؤسسات الدينية المعهد لها الإشراف على الحقل الديني هي واضحة ومؤسسة إصدار الفتوى مصادرها واضحة كذلك، وكل من خرج على هذا السياق سنطبق في حقه القانون بمجرد توصلنا بتعليمات النيابة العامة". وفي جانب الحصيلة الأمنية لسنة 2018، تطرق بوبكر سبيك إلى وصفة عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني، التي أسهمت في تراجع معدلات الجريمة بالمغرب. وفي 2019، يتحدث المصدر نفسه عن جملة من الامتيازات يرتقب أن يستفيد منها موظفو الشرطة، مؤكداً أن "الشرطي اليوم هو في أعين السي الحموشي". كيف تتعامل المؤسسة الأمنية مع إستراتيجية "داعش" الجديدة المعروفة باسم "الذئاب المنفردة"؟ كما تعلمون، بعد انحسار تنظيم "داعش" في معاقله التقليدية بالضبط في الساحة السورية العراقية وتشديد الخناق عليه وتجفيف منابع الاستقطاب والتجنيد فرض عليه البحث عن أقطاب جهوية أو ائتلافات إقليمية من قبيل ظهور بعض الأشخاص المحسوبين على "داعش" بدول شرق آسيا بضواحي الفلبين والهند وفرع التنظيم الإرهابي بليبيا، حيث يقوم بتثبيت الخلافة المزعومة وحضوره في منطقة الساحل والصحراء من خلال إمارة الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى. جل هذه التهديدات تتواجد في المحيط الإقليمي للمغرب، ونحن نأخذها بعين الاعتبار. إذن، هناك اختلاف جغرافي وتحول نوعي على مستوى الأساليب الإجرامية المعتمدة. في السابق، كان التنظيم الإرهابي يعتمد على العمليات الانتحارية الفردية، ثم السيارات المفخخة والتفجير عن بُعد وصولا إلى الإرهاب الفردي؛ وهو ما يصطلح عليه اليوم ب"الذئاب المنفردة" أو الإرهابيين الاحتياطيين، كما يسميهم البعض. لماذا، في نظركم، لجأ "داعش" إلى خطته التي باتت تُرعب العالم؟ "الذئاب المنفردة" ليست ترفاً من جانب التنظيمات الإرهابية؛ بل تأتي في إطار تحيين وتكييف العمل الإرهابي مع المستجدات على أرض الواقع، أي بعد تضييق الخناق على التنظيمات الإرهابية لجأت إلى المبادرات الفردية.. أي أن شخص ما يمكن أن يحمل سكينا أو يسرق شاحنة للقيام بعملية طعن أو دهس، تنفيذاً لفتوى سابقة أصدرها "داعش" في صيف 2017. ما مضمون هذه الفتوى؟ في السابق، كان من مستلزمات القيام بعمليات إرهابية توفر خمسة شروط وهي: الإسلام، والبلوغ، والخلو من الأمراض، والحرية، وأن يكون المنفذ ذكراً؛ لكن في ظل الإستراتيجية الجديدة التي جاءت بعد اندحار "داعش" شرع هذا التنظيم في تقديم تنازلات شيئا فشيئا، بداية من التنازل عن شرط الجنس، حيث كانت هناك أول عملية إرهابية نفذتها مواطنة بلجيكية في العراق سنة 2005 وتفجيرات عمان التي كان من ضمن ضحايا المخرج مصطفى العقاد. ثم بعد ذلك، تم التخلي عن شرط البلوغ؛ وهو ما نلاحظه لدى "بوكو حرام" التي تعتمد على فتيات قاصرات أو أطفال في إطار ما يسمى ب"أشبال الخلافة"، الأمر الذي يوفر لهم هامش التملص من المراقبة الأمنية والمخابراتية. إذن، التحول في الأساليب الإجرامية وتنفيذا لفتوى "الاحتطاب" أصبح منفذ العمليات الإرهابية لا يحتاج إلى ترخيص مسبق من زعيمه، وبات بإمكانه أن يغنم كل ما يحصل عليه من عمله الإرهابي سواء كان سرقة أو سطوا مسلحا دون الحاجة إلى القسمة مع التنظيم الإرهابي خلافا لما كان يفرض عليهم في حدود اقتسام الغنائم في حدود الخمس. في هذا الصدد، المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني كانت سباقة لدق ناقوس الخطر والتحسيس بهذه التحولات الجديدة، وقمنا بإبلاغ مجموعة من الشركاء الدوليين والإقليميين بخصوص التحول النوعي في تكتيكات التنظيمات الإرهابية؛ وهو ما أدى إلى تجنيب مجموعة من المخاطر في المغرب وعدد من الدول. طيب، هناك اليوم مخاطر أخرى تُصاحب العلميات الإرهابية مرتبطة بالإشادة بالإرهاب على موقع "فيسبوك" وانتشار خطاب تحريضي يشجع على الكراهية والقتل باسم الدين مثل حالة السلفي عبد أبو النعيم. ما تعليقكم؟ صحيح، نحن نناشد المغاربة تجنب التعليق على القضايا ذات الطابع الإرهابي من منظور محاولة تبرير ما لا يمكن تبريره.. العمل الإرهابي هو عمل مستهجن مدان تزدريه كل الأديان والقوانين، ولا يسوغ تبريره. يجب أن نميز بين حرية التعبير وبين ارتكاب عناصر تأسيسية تقع تحت طائلة القانون؛ لأن الإشادة بالعمل الإرهابي لا يمكن اعتبارها تدخل ضمن حرية التعبير، بل هي أفعال جرمية يعاقب عليها القانون، ويجب أن ننأى بأنفسنا عن مثل هذه الممارسات المشوبة بعدم الشرعية. ويجب أن أشير هنا إلى أن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني كانت حريصة على تطبيق القانون في حق كل من قام بالإشادة بجريمة إمليل الإرهابية. أما بخصوص بعض الشخصيات التي تخرج إلى العلن وتقدم تأويلات وتفسيرات لآيات دينية، فنحن نتعامل معها في إطار القانون. النيابة العامة، في إطار سلطة الملاءمة إذا ارتأت أن هذه الأفعال تشكل عناصر تكوينية لجرائم يعاقب عليها القانون سنتدخل انطلاقا من جانبنا القانوني والتزاماتنا إزاء السلطة القضائية التي تشرف على الأبحاث القضائية. لا شخص فوق القانون أي تعليمات صادرة عن النيابة العامة ستقوم المديرية بتطبيقها في نطاق الشرعية والمشروعية. الدين الإسلامي والمذهب المالكي معروف بالوسطية والانفتاح والمؤسسات الدينية المعهد لها الإشراف على الحقل الديني هي واضحة ومؤسسة إصدار الفتوى مصادرها واضحة كذلك، وكل من خرج على هذا السياق سنطبق في حقهم القانون بمجرد توصلنا بتعليمات النيابة العامة. نمر إلى حصيلة الأمن الوطني في 2018، ما هي المقاربة الناجعة التي أدت إلى خفض معدلات الجريمة؟ بداية، أود أن أوضح لقراء ومتتبعي هسبريس ومن خلالهم إلى الرأي العام توضيحات بخصوص قراءة الإحصائيات الجنائية. عندما نقول بأنه تم تسجيل 500 ألف قضية زجرية فهذا لا يعني تسجيل 500 ألف جريمة؛ لأن القضية الزجرية قد تكون قضية زجرية، ولا تكون جريمة.. مثلا قضايا الانتحار يتم احتسابها في الرسم البياني للقضايا الزجرية؛ ولكن لا تعتبر جريمة من وجهة القانون. أيضا يتم احتساب قضايا اكتشاف الجثث عندما تكون الوفاة نتيجة طبيعية في الشارع العام، ويتم تصنيفها ضمن القضايا الزجرية على الرغم من أنها ليست جريمة، ونفس الأمر بالنسبة إلى حوادث السير العرضية تصنف ضمن الرسم البياني للجريمة. حصيلة 2018 سجلت ارتفاع نسبة 6 في المائة في تدخلات الشرطة بإيقاف حوالي 550 ألف شخص، وذلك بفضل الإستراتيجية الجديدة التي راهنت عليها المديرية للأمن منذ مجيء السيد عبد اللطيف الحموشي. وتتجلى في إيقاف الأشخاص المبحوث عنهم والحاملين للأسلحة البيضاء والأشخاص الذين يروّجون للمؤثرات العقلية. في عهد المدير العام الحالي، قمنا بتشخيص الوضع، فوجدنا أن 80 في المائة من شغب الملاعب سببه الإدمان على الأقراص المخدرة. كما أن مصدر الاعتداءات في الشارع العام هو تعاطي القرقوبي أو حيازة السلاح الأبيض بدون سند مشروع. وعلى ضوء ذلك، تم تكييف المقاربة الأمنية وتوجيه جميع المصالح الخارجية للشرطة القضائية والأمن العمومي إلى إيلاء أهمية خاصة لهذا النوع من الجرائم، حيث استطعنا في فترة "السي الحموشي" من حجز 3 ملايين قرص مخدر ضمنها مليونان من الإكستازي، القادم من مستودعات سرية من هولندا وبلجيكا، ويتم تصوير هذا النوع على أساس أنه حبة السعادة.. وهذا أمر غير صحيح، فهو مخدر تركيبي مصنوع من مواد كيميائية تؤثر على الإدراك والخلايا العصبية وتستهدف الناشئة للتأثير على مداركهم. ونفس الأمر بالنسبة إلى الأسلحة البيضاء، إذ قمنا بشن حرب على الشبكات التي تقوم بالسرقة بالعنف، حيث تم إيقاف حوالي 465 شبكة ونواصل العمل من أجل القضاء نهائيا على حيازة السلاح الأبيض ومصدره الرئيسي. وألفت الانتباه هنا إلى اكتشاف عدد من الورشات التي تقوم بتصنيع الأسلحة البيضاء في إنزكان وآيت ملول والمضيق والدار البيضاء. وأبعد من ذلك، شرعت مصالح الأمن في التنسيق مع القطاعات الحكومية المعنية بالتجارة الخارجية من أجل ضبط وجهة جميع الأسلحة البيضاء التي تستعل في الديكور من قبيل الخنجر وسيوف الساموراي. لاحظ المغاربة نهج مديرية الأمن إستراتيجية تواصلية غير مسبوقة في تاريخ المؤسسة. ما السبب في ذلك؟ بالنسبة إلى التواصل المؤسساتي هو ليس ترفا؛ بل ضرورة ملحة بشكل لا يمكن أن يتصوره الإنسان. جلالة الملك محمد السادس أرسى دعائم مفهوم السلطة الجديد، والذي يقوم على القرب من المواطن والخروج من المكاتب والإصغاء للمواطن. لا يمكن تفعيل هذه التوجيهات بدون وجود قنوات متينة للتواصل. المؤسسة الأمنية، اليوم، تشتغل على مبادئ ومرتكزات؛ ضمنها شرطة القرب، والإنتاج المشترك للأمن الذي يستفيد منه جميع شرائح المجتمع. الاشتغال على الحكامة الأمنية الجدية هو خيار إستراتيجي للدولة المغربية؛ وهو أمر لا يمكن بلوغه في غياب الانفتاح والتواصل، ثم إن الدستور المغربي يكرس الحق المتعلق بالوصول إلى المعلومة في الجانب الذي لا يتنافى مع سرية الأبحاث. منذ وصول السيد الحموشي والجمع بين مديرية الأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني طرحنا سؤالاً جوهرياً حول كيفية إنجاح آليات التواصل؟ فوجدنا خيارات من بينها تلك المعمول بها في بعض الدول؛ إما التعاقد مع صحافيين وتكوينهم في المجال الأمني ليقوموا بمهمة الإخبار والإعلام أو تكوين أمنيين في المجال الإعلامي. نتيجة لذلك، في سنة 2015، قبل مجيء "السي الحموشي" كنا نصل بالكاد إلى 50 أو 60 نشاطا إعلاميا سنويا واليوم نحن أمام 4000 نشاط؛ بفضل إستراتيجية تكوين أمنيين وخلق خلية مركزية للتواصل وتقديم المساعدة لها وفرق جهوية للتواصل على مستوى الولايات الأمنية. في السابق، كانت المؤسسة الأمنية لا يمكن أن تتواصل إلا بشأن المعلومات والأخبار التي يفرض القانون أن نتواصل بشأنها لكن اليوم لا نحجب عن الإعلام إلا ما يفرض القانون أن نحجبه. المهم في الحصيلة التواصلية هو الرفع من الأخبار التلقائية في حدود 2400 مهمة؛ وهو ما انعكس إيجابا علينا، حيث سجلنا انخفاضا في بيانات وبلاغات التكذيب أو تصويب بعض الأخبار غير الصحيحة؛ أي أن التواصل المكثف قلص هامش نشر الأخبار الزائفة. الإعلام كان شريكا لنا في سنة 2018؛ وهو ما مكننا من تقليص Fake News على مستوى منصات التواصل الاجتماعي. وفي الصدد ذاته، لم نرفض لأي منبر إلكتروني أو ورقي أو تلفزيوني طلبات الترخيص لتصوير ربورتاجات داخل مقرات الشرطة أو مرافقة الأمنيين في عملهم؛ لأننا نؤمن بأن رسالتا لتأمين المواطنين لا يمكن تحقيقها بدون شرك أساسي هو وسائل الإعلام. هل من زيادات مرتقبة في أجور موظفي الشرطة أو الرفع من الامتيازات الاجتماعية خلال 2019؟ العنصر البشري هو قطب الرحى في كل سياسة عمومية، وفي قطاع الأمن لا يمكن تحقيق الأهداف المأمولة دون الاهتمام بالعنصر البشري وقوامه الشرطي والشرطية. أقول لكم بأن الشرطي اليوم هو في أعين السيد المدير العام وهو ما فتئ يؤكد في جميع الاجتماعات الدورية أو السنوية بالاهتمام بالعنصر البشري والوضعية الاجتماعية؛ لأنه مصدر نجاح السياسات الأمنية ومكافحة الإرهاب والجريمة وصون الأمن وحفظ النظام العام. لكن بالنسبة إلى الزيادة في الأجور، فهذا ليس هو المؤشر الوحيد للاهتمام بالوضع الاجتماعي أو الأسري لموظف الأمن.. الشرطي هو جزء من موظفي الدولة بصفة عامة، ويخضع لقانون المالية والإكراهات التي تواجه الدولة. في مقابل ذلك، هناك مبادرات قطاعية دشنها المدير العام تتمثل في الرفع من حصص الترقية، إذ في ظرف ثلاث سنوات تمت ترقية أكثر من ثلثي الموظفين.. معناه أنه تم رفع الأجرة والتعويضات للثلثين؛ كما قام السيد الحموشي بتخصيص تعويض سنوي عن المردودية في نهاية السنة لجميع موظفي الشرطة وعددهم 68 ألف موظف، وهو إجراء غير مسبوق في تاريخ المؤسسة. بالإضافة إلى ذلك، قام السيد المدير العام بصرف تعويض شهري لجميع الموظفين المصنفين في الدرجات الوسطى والسفلى من درجة عميد إلى حارس أمن؛ وهي الفئة التي تشكل أعلى نسبة من الموظفين ب80 في المائة. وفي 2018، استفاد 7092 من الترقية منهم 6400 مصنفين في درجة عميد أو حارس أمن، وذلك في إطار التحفيز والنهوض بالأوضاع الاجتماعية. نحن نتطلع في 2019 إلى صدور النصوص التنظيمية الجديدة المتعلقة بالنظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني، ويوجد فيه عدد من التحفيزات الجديدة للموظفين؛ من قبيل تقليص سنوات الترقية من 6 سنوات إلى 5 سنوات، ومراجعة الأرقام الاستدلالية للموظفين، وهو أمر يحمل تعويضات إضافية، وهو في صالح الشرطي والمواطنين.