استضاف معهد العالم العربي بعاصمة الأنوار باريس مثقفين مهتمين بالتراث المغربي من بينهم الفنان العالمي والباحث في التراث الأستاذ عبد اللطيف آيت بن عبد الله. وكانت المناسبة حلقة حوار ونقاش علمي في قضايا التراث المحلي المغربي وحضوره في الانتلجنسيا الوطنية خلال نصف قرن من يقظة المعمار الأسطوري للمدينة العتيقة على وجه الخصوص . الفنان والباحث المراكشي آيت بنعبد الله فاجأ المشاركين من كل أطياف الثقافة المغربية الفرنكوفونية بتقديم كتابه ( تحفة النظار المراكشية ) مصورا وموثقا على كل أبعاد المعرفة ذات الأبعاد الستاتيكية المجسدة للهندسية المغربية والأندلسية، من خلال استعراض نخبة من ألمع التواشيح المبثوثة في طيات المآثر المعمارية الفريدة التي تتكلم سحرا وبيانا لا يضاهى. الكتاب التحفة يفيض عبر تداوليات السرد التاريخي بأجمل الوسوم والتشريفات العابرة بهاء وسمو ذوق. وقد أوسع الباحث ايت بنعبد الله في تقديم تجربته الرائدة في اكتشاف الرياضات والدور المعمارية النادرة، على أكثر من مستوى، جائلا بين النجود والمرابع السابحة في ذرى الانثروبولوجيات الشاهقة الممتدة في عمق الحضارات المتعاقبة. وفي صياغة منافحة عن رمزية الكينونة البشرية والترابية في حاضرة مدينة مراكش المجيدة أعرب آيت بنعبد الله عن دهشته الكبيرة وفرحه المتيقظ من صمود التراث اللامادي في شد الانتباه لما يجوس خلال زمنية عصيبة يجتاز فيها المعمار الحديث والديموغرافية العددية تصاعدا مثيرا ومخيفا كما الجشع في في إخماد جذوة إعادة الحياة للكثير من المباني العتيقة والقصور والرياضات النادرة" وأضاف بنعبد الله " أن الانوجاد في صلب التراث اللامادي هو تعبير عن الوجود ذاته، وأن تصريف هذه القناعة يحتاج الكثير من الجهد والايمان بمبدئية سيرورة الحضارة وإعادة تأصيلها وترميم بعض نكساتها". للإشارة فإن الفنان والباحث في التراث الأستاذ عبد اللطيف آيت بنعبد الله يعتبر من أوائل المهتمين والخبراء في شؤون معمار المدينة العتيقة بمراكش وفاس؛ حيث شكل رفقة العديد من أيقونات الصف الحداثي المعماري والاصيل بالمدينة الحمراء أواخر الثمانيات وبداية التسعينات من القرن الماضي، صوتا إصلاحيا عميقا وكاريزما ناهضة بكل أبعاد التدبير الجمالي والإداري وحلقة مفصلية في جسور امتداد الهندسة المغربية وامتدادها في الحياة المعيشة، بما هي وعي وفرح بالأمكنة والفضاءات الثقافية والتراثية المفتوحة والمنفتحة. ويذكر أخيرا أن المجلة الإيطالية الرائدة IO DONNA خصصت في عددها الأخير ليوم الأحد 20 دجنبر 2018 مقالا للباحث والكاتب CATERINA DE FILIPPO تحت عنوان ( مراكش : اثنا عشر تحفة معمارية تخطف الألباب ) أدرج من ضمنها علامتان بارزتان في المعمار السحري الأخاذ، وكلاهما للفنان عبد اللطيف آيت بنعبدالله، " رياض دار الشريفة " الكائن بحي المواسين، وينتمي للقرن السادس عشر و"دار الزليج" المتواجد بحي بسيدي بنسليمان الجزولي؛ الذي يعود لتخوم القرن السابع عشر. الكتاب الإيطالي كاترينا دي فيليبو لم يخف نهمه الشديد من التغلغل في أحشاء الذرر الفارقة، حيث ارتقى بالأحلام على أجنحة السعادة والفرح، حيث عبق التاريخ ينسج لحظات النوسطالجيا مسرجة على صهوات الإثارة والاستئثار. قبل الختام: الاستنتاج العام لهذه المحاورة التاريخية من جانبيها المعرفي والتراثي هو التأكيد على الاقتدارية الوطنية؛ وتمكين الفاعلين الأساسيين في خصيصة استثنائية تعنى بصيانة الآثار والمعمار المغربي والاهتمام بقضاياه المصيرية؛ من التغلغل في آليات تحصينه وإنقاذه. وحري بهذه اليقظة المشعة في درب التأصيل لتقاليد جديدة؛ أن تكون الأبعاد القيمية التربوية والبيداغوجية حاضرة ونابضة في قلب الرسالة المدرسية والجامعية ومثيلاتها في الإعلام والثقافة والفنون. ولعمري إن العديد من النماذج المغمورة في مجالات شتى تحتاج لفضيلة الكشف وتسليط الأضواء والاعتراف والاحتضان، من أجل ترسيخ سلوك مدني ديمقراطي يبادر إلى ترسيم مشاتل لأخلاق البدل والعطاء والإيثار والقدرة على البناء. سلوك وطني يندمج وبدائل التأسيس لقطائع قمينة بخلق مجتمع معرفي؛ يكون الجوهر فيه حفظ المكتسبات واستمرار البحث في مسارها؛ بصونها وتعزيزها والتمكين لها من الصمود والاستمرار.