أجمع متدخلون في ندوة، نُظمت مساء اليوم الخميس في الرباط، على غياب البعد الاجتماعي في مشروع قانون مالية السنة المقبلة. كما اعتبروا هذا الأخير مجرد مشروع تدبير يومي خارج السياق السيوسيواقتصادي الذي يعيشه المغرب منذ أشهر. وخلال هذه الندوة، التي نظمتها جمعية خريجي المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، قال عبد الخالق التوهامي، وهو أستاذ بنفس المعهد، إن نسبة النمو المعلنة في مشروع القانون والمحددة في 3.2 في المائة لن تجيب عن مشكل البطالة. وأضاف التوهامي، في الندوة التي احتضنها مقر المعهد بمدينة العرفان في الرباط، إن نقطة واحدة من نسبة النمو في المغرب يمكن أن تخلق فقط ما بين 25 ألفا و30 ألف منصب شغل، ومن أجل جعل نسبة البطالة مستقرةً في المستوى الحالي 10 في المائة يجب خلق 160 ألف منصب شغل سنوياً. وللوصول إلى هذا المستوى، يشير الخبير الاقتصادي إلى أن المغرب في حاجة إلى تحقيق نسبة نمو في حدود 7 في المائة، وأوضح قائلاً: "وفقاً لهذا الأمر، فالحكومة تقول لنا بشكل صريح عبر مشروع قانون المالية الجديد أن معدل البطالة سيرتفع مستقبلاً". وأكد التوهامي أن "قانون مالية 2019 ليس مشروع إقلاع اقتصادي بقدر ما هو مشروع قانون ظرفي للتدبير اليومي، لأنه لا يتوفر على خطة إستراتيجية"، كما أشار إلى أن عجز الميزانية المتوقع في حدود إلى 3.3 في المائة يعني الاستمرار في الاقتراض الذي يكلف المغاربة سنوياً 150 مليار درهم، وهي قيمة تفوق بكثير كتلة الأجور في الوظيفة العمومية. وهذا الأمر سيء حسب التوهامي، فهو يعني أن المغرب "سيدخل في دوامة اقتراض مستمرة وبالتالي خلق مشاكل للأجيال الحالية والمقبلة". في المقابل، يرى التوهامي أن الشيء الإيجابي الذي يتضمن المشروع هو الحفاظ على الاستثمار العمومي بمبلغ يناهز 180 مليار درهم، لكنه أثار "ضعف استثمار القطاع الخاص في المغرب، فلولا استثمار الدولة لكان نسبة البطالة مرتفعة أكثر بكثير من النسبة الحالية". وعلى الرغم من ذلك، فهذا الاستثمار العمومي يبقى غير ناجع حسب المتحدث، فهو لا يمكن من تحقيق نسبة النمو المرجوة ولا يخلق فرص الشغل الكافية، وهو ما يطرح السؤال حول نجاعته وبالتالي عدم استفادة المواطنين من آثاره، وهو ما ينتج فوارق كبيرة على المستويين الاجتماعي والمجالي. أما نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي للموحد، فقالت خلال الندوة التي تمحورت حول مضامين مشروع قانون المالية لسنة 2019، أن هذا الأخير يهدف إلى التدبير فقط ولا يقدم مشروعاً للتنمية الاقتصادية، ووصفته ب"مشروع مالية إداري محض"، وذهبت إلى القول بأنه «خارج السياق السوسيو اقتصادي للمغرب، ولذلك لن يكون له أي أثر حول ما يجري وما سيكون مستقبلاً، لأنه ليس له أي بُعد". وتساءلت السياسية المعارضة حول ما إذا كان المغرب فعلاً يتوفر على نموذج تنموي يمكن الحديث عن فشله، وقالت: "ما لدينا هو مقاربة قطاعية غير منسجمة للاقتصاد الوطني، هذا الأخير مبني على الريع المتجسد في استفادة عدد من العائلات من الغابات والمياه والمناجم والأراضي وهو ما مكنها من مراكمة ثروات بشكل غير مشروع". كما أشارت منيب إلى أن تسيير ناتج داخلي إجمالي يقارب 100 مليار دولار، وهو ما يماثل رقم معاملات مجموعة كارفور، بمثابة "لا شيء"، وأضافت قائلةً: «لذلك فالسؤال الذي يفرض نفسه هو أين تُوجد ثروة هذا البلد، لأننا نتوفر على ثروات عدة؛ منها الذهب والفضة والفوسفاط والسمك". في نفس النهج، سار بوعزة الخراطي، رئيس الفدرالية المغربية لحقوق المستهلك، وكال انتقادات للحكومة، ورماها بالكذب أكثر من مرة، مورداً مثال إعلانها سابقاً عن ربط أسعار المحروقات بتطور سعر النفط الخام على المستوى الدولي، لكنه قال إن ذلك لم ينتج عنه انخفاض بل ارتفاع مستمر منذ سنوات. كما أشار الخراطي إلى أن الحكومة، منذ تنصيبها وإلى الآن، لم تتحدث عن المستهلك إلا حين انطلاق حملة المقاطعة ضد منتجات استهلاكية قبل أشهر، وقال إن "مشروع قانون مالية 2019 نص على رفع الضريبة الداخلية على الاستهلاك على المشروبات السكرية والسجائر بدعوى أنها مضرة للصحة، في حين أن القانون الذي يمنع استيراد السجائر الذي يعود إلى سنة 1992 لم يطبق إلى حد الساعة". وختم الخراطي مداخلته بالقول: "المستهلك هو أول مورد مالي للدولة، فنحن نؤدي الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الداخلية على الاستهلاك يومياً لكن ماذا نتلقى لقاء ذلك؟ لاشيء.. ولذلك، فمشروع القانون المالي لسنة 2019 سيزيد العبء على المستهلك بدل أن يدعم قدرته الشرائية".