لا يخرج إقليم اشتوكة آيت باها عن دائرة العديد من المدن والمناطق المغربية، التي لا تزال ساكنتها تعاني من نقص حادّ في الرعاية الصحية المقدمة إليها، وضعف في الخدمات الصحية، وتهالك عدد من المراكز الصحية، أضف إلى ذلك غياب أو إغلاق أو توقف خدمات بعض دور الولادة. لكن التشبث بالحياة يدفع الراغبين في التطبيب والعلاج إلى التوجه إلى ما يتوفّر من مراكز صحية ومستوصفات، دون التفكير في مستوى الخدمات الصحية. اشتوكة آيت باها إقليم مترامي الأطراف، بتعداد سكان يُقارب 400 ألف نسمة، حسب معطيات الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014. وهو يشهد، لا سيما في منطقته السهلية، طلبا متزايدا على خدمات القطاع الصحي، لكونه منطقة جذب لليد العاملة بالقطاع الفلاحي، التي تفِد من مختلف مدن المغرب. لكن ما يشهده هذا القطاع من نقص في مستوى البنية التحتية والموارد البشرية والأدوية والتجهيزات يعمّق جراح وآلام آلاف الأسر، خصوصا تلك التي يلازمها العوز، وهي الفئة الغالبة على البنية الاجتماعية لاشتوكة. ولن يكون عسيرا على من شاءت له الأقدار أن يلج مؤسسة من المؤسسات الصحية في اشتوكة آيت باها طلبا لعلاج أو تطبيب أن يكتشف أنها ما زالت تغط في سبات عميق، فإن كانت الموارد البشرية المتوفرة تُكابد، من أجل تحسين وتجويد الخدمات الصحية والطبية، والانفتاح على أكبر عدد من المرضى، رغم الإكراهات العديدة، فإن نقص التجهيزات والبنيات يدفع المواطنين إلى التحرك صوب المدن المجاورة لتشخيص الداء والبحث عن الدواء، ضمن رحلات علاج تزيد من المعاناة مع الأمراض، تكلفة وتنقلا. محمد اليربوعي، رئيس مؤسسة التعاون "أدرار"، قال، في تصريح لهسبريس، إن مسؤولي المنطقة الجبلية لاشتوكة يطالبون منذ سنوات بتحسين مستوى الخدمات الصحية، خصوصا على مستوى الموارد البشرية، وتقوية وتطوير البنية التحتية الصحية. وأضاف "كان هناك مطلب أساسي ترافعنا من أجله، بمعية الساكنة والمنتخبين والمجتمع المدني، ويتعلق الأمر بإحداث مستشفى إقليمي خاص بالمنطقة الجبلية، فتم تحويله إلى مركز صحي حضري بعد إحداث الإقليم، حيث يقتصر دوره فقط على الخدمات العلاجية البسيطة، وتغيب فيه الخدمات الاستشفائية. كما طالبنا بمراكز صحية بعموم الجماعات، لكنها أضحت لا تقوم بوظيفتها في تقديم علاجات القرب، بحكم النقص الحاد في الموارد البشرية، الطبية على الخصوص، والتجهيزات الأساسية". وأوضح اليربوعي أن "قطاع الصحة، وإن كان ممثلا على مستوى البنايات، فخدماته محدودة جدا، وتابعنا منذ 2013 مشروع إحداث مستشفى محلي، غير أنه تعذر تنزيله، واقتصرت استجابة مسؤولي الصحة على إنشاء مركز لمستعجلات القرب، بشراكة مع جماعة آيت باها ومندوبية الصحة. وقد توفرت الأطر والتجهيزات، لكن ما زالت الحاجة إلى طبيب رابع، حتى نضمن المداومة الليلية، حيث يرتكز عمل هذا المركز على تقديم الخدمات الاستعجالية الضرورية، وتوجيه المرضى نحو المؤسسات الأخرى. ونحن ما زلنا نجدد الطلب بإحداث مستشفى القرب، وتقوية المراكز والمستوصفات بالمنطقة الجبلية بالموارد البشرية والتجهيزات اللازمة". النقابة الوطنية للصحة العمومية- فرع اشتوكة آيت باها وصفت، في بيان لها أصدرته مؤخّرا، الوضع في قطاع الصحة بالإقليم ب"المزري والكارثي"، "في ظل استمرار الضبابية والعشوائية والارتجالية واللامبالاة في التدبير الإداري والمالي للشأن الصحي، واتخاذ مندوب الصحة قرارات لا تشاركية، تضرب في العمق أسس الاستراتيجية الوطنية للصحة، خصوصا حق الولوج للعلاجات والعناية الصحية، كما نص على ذلك دستور المملكة في فصله 31، وكذا عدم توفر المسؤول عن القطاع على تصور واضح للنموذج التنموي الجديد، الذي يضع في صلب اهتماماته متطلبات وانشغالات المواطنين بالإقليم، وكذا عجزه عن تحقيق إقلاع حقيقي للمنظومة الصحية". وأرجع التنظيم النقابي الوضع "القاتم"، الذي تعيشه المنظومة الصحية باشتوكة آيت باها، إلى جملة من "الاختلالات"، أبرزها "عجز المسؤول الأول عن القطاع عن التنزيل الفعلي لمقتضيات القانون الإطار 09/34، المتعلق بالخريطة الصحية وعرض العلاجات - مستعجلات القرب بالمنطقة السهلية وآيت باها نموذجا- بالإضافة إلى إفراغ المنطقة الجبلية من التأطير الطبي والتمريضي، مما يزيد من متاعب ومعاناة باقي العاملين والمواطنين على حد سواء، مع فشله الذريع في إيجاد مقاربة تشاركية لتشغيل مجموعة من دور الولادة المنجزة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية". من جانب آخر، ترى النقابة الوطنية للصحة العمومية أن "عدم تعيين مسؤولين لتسيير مجموعة من الدوائر الصحية أفضى إلى شلل تنظيمي تام ببعض مؤسسات الشبكة الوقائية"، فضلا عن "تغييب المقاربة التشاركية في برمجة وتنفيذ خدمات الفرق المتنقلة، المتميزة أساسا بنقص حاد في الأدوية والتأطير الطبي واللوجستيك، رغم توفر المندوبية على أسطول مهم من السيارات المركونة بحظيرة السيارات والمستغلة في مآرب شخصية". "عدم اهتمام المندوبية بترميم وصيانة وتوسيع مجموعة من المؤسسات الصحية، التي أصبحت مهترئة ومتآكلة، وكذا ضعف برامج الصيانة للمعدات البيوطبية، مع ما يترتب عن ذلك من توقف هذه الأخيرة عن أداء وظيفتها، والحرص على عدم تنزيل القانون الداخلي للمستشفيات، ومقاومة المندوب الشرسة بعدم تمكين المستشفى من آلية التخطيط الاستراتيجي، كما جاء في التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، والتمادي في عدم تزويد المؤسسات الصحية بمواد التنظيف والأدوات المكتبية والمعلوماتية ذات الجودة، والسكوت المريب عن ضعف أداء شركات التدبير المفوض الخاصة بالأمن والحراسة والنظافة والتنظيف والتغذية وتدبير النفايات الطبية بمختلف المؤسسات الصحية"، كلها نقاط ما زالت تلطخ سمعة تدبير القطاع باشتوكة، يضيف البيان ذاته. وفي تصريح لهسبريس، قال خالد الريفي، المندوب الإقليمي لوزارة الصحة باشتوكة، إن مجهودات كثيرة تُبذل من أجل تحسين الخدمات الصحية وتقديم العلاج والاستشفاء لساكنة الإقليم، مضيفا أنه على مستوى المركز الاستشفائي الإقليمي تم "اقتناء وتشغيل جهاز السكانير منذ شهر مارس 2018، وبلغ عدد المستفيدين منه إلى حدود اليوم حوالي 700 مستفيد، مع تجديد جهازي الفحص بالأشعة، واقتناء وتشغيل جهازين للفحص بالصدى، واحد لمصلحة الأشعة، والثاني لمركز تصفية الدم، إضافة إلى اقتناء وتشغيل جهاز للفحص بالأشعة متنقل خاص بجراحة العظام ومعالجة الكسور، واقتناء وتشغيل مجموعة من الأجهزة الخاصة بمختبر التحليلات الطبية، وقاعة ثالثة للعمليات الجراحية وتجهيزها بالمعدات الضرورية، واقتناء وتشغيل مجموعة من الأجهزة الخاصة بالمركب الجراحي". وفيما يخص الموارد البشرية، أوضح المسؤول ذاته أنه تم تعزيزها خلال سنة 2018 بتعيين ثمانية أطباء متخصصين، هم طبيب متخصص في طب أمراض الرئة والسل، وطبيب متخصص في التخدير والإنعاش، وطبيب متخصص في أمراض القلب والشرايين، وطبيبان متخصصان في أمراض الكلوم والجبارة، وطبيب متخصص في أمراض الأطفال، وطبيب متخصص في أمراض الأنف والأذن والحنجرة، وطبيب متخصص في أمراض العيون، بالإضافة إلى مجموعة من الأطر التمريضية والإدارية". أما على مستوى المؤسسات الصحية الأولية، فتمّ، وفقا لمندوب وزارة الصحة باشتوكة، "تجهيز وتشغيل مستوصفين قرويين، هما المستوصف القروي آيت أوبلقاسم بجماعة وادي الصفاء، والمستوصف القروي قبيلة علال بجماعة آيت عميرة، وتجهيز المستوصف القروي تاليضل، الذي بني في إطار اتفاقية شراكة ساهمت فيها جماعة تيزينتاكوشت والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وجمعية محلية، والذي سوف يتم تشغيله مباشرة بعد التحاق الإطار التمريضي الذي تم تعيينه به". أما بالمنطقة الجبلية للإقليم، فقال خالد الريفي، إنه تمّت "تهيئة وتجهيز وحدة مستعجلات القرب بآيت باها، وإضافة سيارة إسعاف ثانية، وتعزيز الموارد البشرية بالأطر الطبية (إضافة طبيب ثالث) بتقني متخصص في الأشعة وآخر متخصص في المختبر، سوف يلتحق قريبا، واقتناء مجموعة من التجهيزات المكتبية والبيوطبية، وتوزيعها على مجموعة من المؤسسات الصحية الأولية، مع تهيئة المركز الصحي من المستوى الأول بالخربة بجماعة وادي الصفاء، والمركز الصحي من المستوى الثاني بجماعة إمي مقورن". ووعد المندوب الإقليمي لوزارة الصحة باشتوكة بقرب تنزيل مجموعة من المشاريع التي سوف ترى النور ك"مركز الترويض الطبي، ووحدة التكفل بالأطفال والنساء ضحايا العنف، واقتناء تجهيزات جديدة خاصة بجراحة أمراض الكلوم والجبارة وجراحة أمراض الأنف والأذن والحنجرة، والتي تم إنجازها في إطار اتفاقيات شراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بالإضافة إلى برنامج محاربة الفوارق الاجتماعية بالمجال القروي، الذي يضم أزيد من 34 مشروعا، عبارة عن بناء مؤسسات صحية أولية، ومساكن وظيفية، واقتناء سيارات للإسعاف ووحدات طبية متنقلة".