خلال الأسابيع الأخيرة دوى رصاص رجال الأمن وقتل شابا بزقاق عيطونة. هذا المشهد الذي تناقلته وسائل الإعلام، وقع في تجمع سكني يقع بمنطقة محاذية لواد إسيل بحي سيدي يوسف بن علي بمراكش، الذي تقطنه أكثر من 370 ألف نسمة، جلهم يعانون الهشاشة والإقصاء الاجتماعي. مقهورون يقطنون مساكن غير لائقة، وشبابهم يعاني البطالة ويشكون من قلة ذات اليد بحي شعبي أضحى يجاور أفخم الفنادق والفيلات التي لا تجدها إلا لدى من أنعم الله عليهم بمال قارون، وتقع أنظار شبابه على سيارات فاخرة يتجاوز سعرها ملايين الدراهم. الولي الصالح يحمل حي سيدي يوسف بن علي اسم أول الأولياء الصالحين السبعة (سبعة رجال) لمراكش، وهو يوسف بن علي، ينتمي إلى قبيلة صنهاجة. عاش منعزلا عن الناس بهذا الحي بسبب إصابته بمرض الجذام، واتخذ من المنطقة الواقعة اليوم قرب سوق الربيع خلوة له. وقد اشتهر بصبره الكبير على ما أصابه، لكن بعض التجمعات السكنية، التي تحمل اليوم اسمه، أصبحت أشهر من نار على علم في الإجرام، مما يفرض طرح عدة أسئلة من قبيل: هل هذا الوضع أصبح قدرا، أم أن الأمر مرتبط بغياب رؤية لتنمية المنطقة؟ هل كتب على شباب هذه الأزقة أن يكونوا ضحايا مجتمعهم؟ وأنت تدخل هذا التجمع السكني المحاذي لواد إسيل، والذي يوجد خارج المدينة القديمة، تثيرك المنازل التي بنيت بشكل عشوائي، والتي تتكدس فيها آلاف الكائنات البشرية في ظروف مزرية، بعضها شبيه ببيوت الأحياء القصديرية، إذ لا تزال تحمل طابعا قرويا. كان هذا التجمع السكني في وقت ماض تابعا إلى عمالة وبلدية، لكن نظام وحدة المدينة ابتلعه وحوله إلى مجرد مقاطعة بدون اختصاصات. دروبه وأزقته ضيقة كأنها صممت خصيصا لتكون مناسبة لممارسة كل أشكال الانحراف وتجارة المخدرات بكل أصنافها، إلا الكوكايين طبعا، بحكم أن الزبائن كلهم يعانون الفقر المدقع كما التجار. فقر وبطالة تؤرق الشباب "بائسون ويائسون.. هكذا حال شباب منطقتنا السوداء، بمقاطعة سيبع، التي تبدأ من درب هدي إلى زقاق عيطونة، حيث لعلع الرصاص مؤخرا، خلال زيارة الملك لمراكش"، يقول الفاعل الجمعوي ياسين مهما، قبل أن يضيف "لقد تحول هذا التجمع السكني إلى مشتل لإنتاج الفقر والمخدرات، وصار قنبلة موقوتة تهدد استقرار الأحياء المتاخمة لواد إيسيل، وأخرى بعيدة عنه، لأن أكثر من 70 بالمائة من شبابه يرتمون في حضن الإدمان والضياع واليأس والإجرام، في ظل تجاهل المسؤولين لهم في خطط التنمية المحلية. هسبريس قامت بجولة بهذه الأزقة، التي تعتبر بالنسبة إلى مصالح الأمن من المناطق شبه المغلقة والمحرم دخولها، ووقفت على دروب ضيقة، ومشاهد صادمة بسبب الوضع المزري الذي تعيشه أسر مغلوبة على أمرها، نظرا إلى الهشاشة والإقصاء الاجتماعي، يقول الفاعل الجمعوي نفسه، فكل بيت هنا يشكل شهادة قوية على حجم التهميش والفاقة، اللذين تُرك السكان لمواجهتهما وحدهم، فتحولت كل الأزقة إلى فضاء لبيع المخدرات بسبب غياب إمكانيات تأطير الشباب وانعدام فرص التشغيل، مما مكن من تنامي الجريمة. وأضاف المتحدث نفسه أن "انتشار المخدرات بين مجموعة من الشباب والمراهقين جعل مناطق معينة فضاء لانتشار المظاهر الإجرامية بالمنطقة المحاذية لواد إيسيل وسوق "الدبان"، والتي حرمت من الاستفادة من أي مبادرة تنموية، فكل المؤسسات التعليمية ودور الشباب والمسابح والمناطق الخضراء توجد في ضفة أخرى بمقاطعة سيبع، فيما هذا الخط يتنفس الانحراف والإجرام وتجارة المخدرات". كولومبيا يعرف هذا التجمع السكني انفجارا ديمغرافيا، يضم منازل آيلة للسقوط ومساكن لا تليق حتى بإيواء البهائم، ففي 50 مترا مربعا قد تجد أربع أسر من عائلة واحدة. ويعرف هذا التجمع ارتفاعا مهولا في الكثافة السكانية، واجتمعت فيه كل شروط الانحراف الأخلاقي والاجتماعي (دور الدعارة وارتفاع نسبة الأمهات العازبات)، مما جعله يوصف في تسعينيات القرن الماضي بكولومبيا، إذ لا يمكنك أن تجد زقاقا لا يحتوي على محل لبيع واستعمال مختلف أنواع المخدرات (مخدر ماء الحياة، والشيرا والكيف والسلسيون...)، التي تعتبر سببا في الانحرافات وأنواع الجريمة كالنشل و"الكريساج". ويقول هشام جلاد، رئيس جمعية "النجاح للتنمية السوسيو ثقافية والبيئة والرياضة"، إن "60 شابا يقبعون في السجن كلهم من زقاق واحد". وزاد جلاد قائلا: "يشعر سكان جنب واد إسيل بالخجل إزاء الوضع الذي يعرفه حيهم، الذي تنتشر به كل الآفات الاجتماعية من أمية وفقر مدقع، وهو ما يشكل تحديا كبيرا للساكنة والأجهزة الأمنية، بحكم ارتفاع مؤشرات الجريمة، ونسبة البطالة بين الشباب، الذين يتعاطى عدد كبير منهم بيع مختلف أنواع الخمور والمخدرات، كما يتخذونها طريقا لكسب لقمة العيش لأكثر من 10 أفراد، رغم المجهودات المبذولة من طرف مصالح الأمن". وألقى جلاد باللوم على الشبيبات الحزبية، التي تهاونت في أداء واجبها، رغم ما تتوصل به من منح تحرم منها جمعيات تبذل مجهودا كبيرا في تأطير شباب المنطقة. فوهة مدفع اللصوص هنا يتباهون بأفعالهم الإجرامية، وكأنها شرط وجودهم، يقول مسؤول أمني طلب من هسبريس عدم الكشف عن هويته، مشيرا إلى أن "لسان حال سكان هذه البقعة الجغرافية هو "خاص المخزن يتدخل"، مما يجعلنا بين ناري المسؤولين عن تدبير الشأن المحلي، منتخبين كانوا أم سلطة محلية، والمنحرفين وتجار المخدرات، الذين يتخذون من أزقة ضيقة مجالا لترويج سلعتهم الممنوعة قانونا". وأشار المسؤول الأمني إلى أن "المقاربة الأمنية لم تعد نافعة لأن المواطنين في حاجة إلى مكان يؤويهم وملعب يبرز فيه الشباب مواهبهم، ودار للشباب تهذب ذوقهم، ومنطقة صناعية توفر الشغل للعاطلين وما أكثرهم". معلمة ثقافية مُغلقة يقف المتتبع للشأن العام مشدوها أمام بعض ظواهر اللامبالاة التي يتميز بها المسؤولون عن الشأن العام، فمكتبة سيدي يوسف بن علي، التي اكتمل بناؤها وتجهيزها من المال العام منذ مدة، وحظيت بزيارة الوالي السابق، والتي فتحت أبوابها نصف يوم فقط، يحرم طلاب العلم من الاستفادة منها إلى حد الآن"، يقول الباحث التربوي عبد الرحيم الضاقية متأسفا. وأضاف "لقد استبشر السكان خيرا بهذا الصرح الثقافي لرفع العزلة والتهميش المعرفي عن حي لا تتداول وسائل الإعلام أخباره إلا مقترنة بالجرائم والسرقات واحتلال الملك العام والبناء العشوائي"، مبرزا أن "بهذا الحي نسبة هامة من الشباب المتمدرس الذي يتابع دراسته في المعاهد العليا والجامعة، ويضطر إلى التنقل إلى الأماكن الوثائقية بعيدا عن مقرات سكنه. كما يحيط بالمكتبة حزام من المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية يحتاج مرتادوها إلى فضاء وثائقي ومكتبي". وأضاف "قد لا يبدو غريبا أن تنتشر كل مظاهر التهميش والسلوكات اللامدنية في مقاطعة أغلقت أبواب مكتبتها الوحيدة، وفتحت أمام شبابها أبوابا مظلمة من المخدرات ومقرات القمار وإمكانيات الانحراف". دار القرآن كل من له أدنى معرفة بهذه المنطقة يعلم علم اليقين أن دار القرآن نجحت في تحويل عتاة المجرمين و"فتوة" أزقة جنب الواد إلى مواطنين مسالمين ومندمجين اجتماعيا بعد أن أبعدتهم عن الانحراف. وهذه الملاحظة تداولها رجال سلطة سابقون بمراكش (الداودي وحصاد..)، مشيرين إلى دورها الأساسي في بث الاستقرار والسكينة والمساهمة في تعزيز واستتباب الأمن. لنا رؤية تنموية منذ سنة 2015 انطلقت مشاريع مهمة بمقاطعة سيدي يوسف بن علي، غايتها فك العزلة وتنمية المنطقة وتوفير فرص الشغل للشباب، يقول إسماعيل لمغاري رئيس المقاطعة، مشيرا إلى أن فريقه جهز مشروعا، بتشاور مع السلطة المحلية والمجلس الجماعي، سيعرضه في الأيام المقبلة على والي جهة مراكش. وأضاف "في البداية سيتم إحصاء عدد العاطلين بمنطقة سيبع من أجل البحث عن طريقة مناسبة لإدماجهم"، مشيرا إلى أن "امتلاك والي جهة مراكش رؤية استثمارية شجعنا على أن نقترح تحويل 150 هكتارا من الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الدولة، والتي يملك منها كل فلاح بين 3000 و5000 و7000 متر، ولم تعد صالحة للزراعة، إلى منطقة صناعية تستجيب لانتظارات الشباب، وستكون الأولية في مناصب الشغل لهذه الفئة من مقاطعة سيدي يوسف بن علي"، مؤكدا أن "المكتبة جاهزة وستفتح قريبا، والمستشفى المحلي بلغت الأشغال به 50 بالمائة".