قُوبل إطلاق الملك محمد السادس لبرنامج "الدروس الحديثية" لإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم بترحيب كبير من طرف دُعاة تجديد الخطاب الديني بالمغرب. وذهبَ بعضهم إلى الدعوة إلى أن يكون برنامج "الدروس الحديثية" مَدخلا ل"غربلة" السنّة النبوية وتنقيحها من كل حديث يخالف النصّ القرآني و"لا يوافق العَقل". بولوز: الحاجة إلى "غربلة" الأحاديث اعتبر محمد بولوز، الباحث في العلوم الشرعية الواعظ الرسمي بالرباط عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أنّ برنامج "الدروس الحديثية" لإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم حول الحديث الشريف يُعدّ "خطوة مهمة في تفقيه المغاربة بدينهم، فبالسُّنة تُفهم أحكام القرآن الكريم وقواعده الكلية وتوجيهاته العامة، كما قال تعالى "وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم". وأضاف بولوز: "لا يسَع المتابٍع المنصفَ إلا تثمين المقاصد التي وُضعت لهذا المشروع، من خدمة الوحدة الدينية للمغاربة وصدّ كافة المحاولات الرامية إلى تحريف سيرة وحديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وتنوير المواطنين في مسائلِ الحديث النبوي الشريف بشكل عام، وحمايتهم من الجهل وسوء فهم الحديث والسنة النبوية وحماية الناس من الأحاديث الموضوعة التي تبث عبر وسائل الإعلام، ولا سيما على شبكة الإنترنت". واعتبر الباحث في العلوم الشرعية، في تصريح لهسبريس، أنّ ما يُطمْئِن بخصوص هذه الخطوة التي وصَفها ب"المبادرة المباركة"، هو إسناد الإعداد العلمي لبرنامج "الدروس الحديثية" إلى كل من المجلس العلمي الأعلى ودار الحديث الحسنية التابعة لجامعة القرويين، وتكليف قناة محمد السادس للقرآن الكريم وإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم بالبث والإعداد التقني. بولوز قال إنّ "الدروس الحديثية ستمكّن من التعريف بكيفية أخذ الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهج الصحابة في النقل عنه، ومنهج الائمة، وعلى رأسهم الإمام مالك رحمه الله تعالى، ومعرفة تعامله مع الحديث؛ فقد كان رحمه الله جامعا بين الفقه والحديث"، كما ستُمكّن "الدروس الحديثية"، يضيف المتحدث، "من تناول بعض علوم الحديث التي تبرز جهود الأمة في جمع الحديث وتدوينه، والوقوف على جهود العلماء في الرواية والدراية وعناية أمة الاسلام بالسند الذي يعتبر خاصية تنفرد بها بين الأمم". وأكد بولوز أنّ "المغاربة، والأفارقة من ورائهم، بحاجة إلى خدمة السُّنة والحديث الشريف تعلما وفقها وتنزيلا، فهي ثاني مصدر من مصادر دينهم وتديُّنهم، وهم بحاجة إلى غربلة الأحاديث التي تروج في أوساطهم وفي وسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمونها حتى لا يعتقدوا ولا يعملوا إلا بما صَحَّ". وحذّر بولوز من الأحاديث الموضوعة والمكذوبة، قائلا إن "لها آثارا سلبية تتمثل بالأساس في نشر الاعتقادات الباطلة والسلوكيات والتصرفات المنحرفة وانتشار البدع وما ليس من الدين، لافتا إلى أنّ الحديث الصحيح يجب أن يُفهم فهما سليما بشرحِ وبيان الخبراء وأهل الاختصاص". وأضاف: "ليس كل ما يَنتشر من الأحاديث صحيحا، وليس كل صحيح يُعمل به، فقد يكون منسوخا أو خاصا أو مقيدا أو بحاجة إلى شروطٍ وسياقٍ ليُعمل به، ولهذا لا بد من تلقي الحديث من فقيه وليس من مجرد حافظ له، فعملية التنقيح عملية مستمرة استمرار التدين، ولكن من أهل هذا الشأن وليس من متطفلين على الميدان كشأن كل حرفة وصنعة". أبو حفص: نعم لتنقيح "صحيحي البخاري ومسلم" تروم "الدروس الحديثية" تحقيق عشْر غايات أساسية، أبرزُها، كما سَرَدها محمد يسف، رئيس المجلس العلمي الأعلى، ردّ وإبطال كل حديث يناقض القرآن الكريم، وردّ وإبطال كل حديث يناقض حقائق العلم والعقل، وردّ وإبطال كل حديث يناقض الحس والمشاهدة، وردّ وإبطال كل حديث يسيء لمقام النبوة، وردّ وإبطال كل حديث يناقض السنّة النبوية المتواترة. وثمّة مَن دعا إلى أن يشملَ تنقيحُ الحديث النبوي صحيحيْ البخاري ومسلم، ومنهم الداعية محمد عبد الوهاب الرفيقي، المعروف بأبي حفص. فعلى الرغم من أنّ صحيحيْ البخاري ومُسلم هما "أصحّ كتابيْن بعد القرآن" لدى عموم المسلمين، فإنّ أبا حفص يرى أنّ ثمّة أحاديث ضمن هذين الصحيحين تحتاج إلى تنقيح. ويؤكّد أبو حفص أنّ الجُهد الذي بُذل لتجميع الأحاديث النبوية الواردة في صحيحي البخاري ومُسلم "كان جُهدا جبّارا، لاعتبار الوسائل الضعيفة التي كانت مُتاحة في ذلك العصر؛ فالبخاري انتقى الأربعة آلاف حديث الواردة في صحيحه ضمْن مئات الآلاف من الأحاديث، وقام بعمل جبّار أغنانا عن تنقيح هذا الكمّ الهائل من الأحاديث"، لكنّه يرى أنّ صحيح البخاري ومسلم يحتاجان إلى تنقيح. يقول أبو حفص: "صحيحا البخاري ومسلم هما كتابان بشريّان قابلان للتنقيح"، مضيفا: "اليوم نملك أدوات علمية نستطيع بواسطتها أن نؤكّد وجودَ أحاديث تخالف القرآن، مثل حديث: (مَن بدّل دينه فاقتلوه)، الوارد في صحيح البخاري، بينما لا نجد آية في القرآن تقول بقتْل المرتدّ، بل بالعكس نجد آيات تضمن حرية العقيدة، مثل آية: (لا إكراه في الدين)". وأضاف: "هناك أيضا أحاديث في صحيحي البخاري ومسلم تسيئ إلى المرأة، لاعتبار السياق الذي رُويت فيه؛ إذ لم يكن هناك احترام للمرأة، وثمّة أحاديث تخالف المنطق والعلْم، وأحاديث تسيئ إلى مقام النبي نفسه، مثل حديث سحْر رسول الله، أو حديث تفكيره في الانتحار بعد انقطاع الوحي عنه لمدّة من الزمن". وجوابا على سؤال حول ما إذا كان المغاربة وعموم المسلمين سيَقبلون أن يتمّ إخضاع الأحاديث النبوية الواردة في صحيحي البخاري ومُسلم للتنقيح، علما أن غالبية المسلمين يعُدّونهما أصحّ كتابيْن بعد كتاب الله تعالى، قال أبو حفص: "صحيحا البخاري ومسلم لم يكُن لهما من التقديس ما لهُما اليوم، وهذا راجع إلى تراكُمات سياسية وثقافية، والدليل على ما أقول هو أنّ العلماء انتقدوا في الماضي البخاري ومسلم، ولم تكن لهما القداسة التي لهما اليوم". واعتبر أبو حفص أنّ "ملحاحية تنقيح الحديث النبوي، بما في ذلك صحيح البخاري ومسلم، يفرضها تفتّح الشباب المسلم اليوم على المعلومة، عبر وسائل التواصل الحديثة، وعدم قدرة الفقهاء على إخفاء آراء المخالفين لهم". الأمّة لا تَجتمع على ضلالة في المقابل، أبْدى محمد بولوز تحفّظا شديدا إزاء مسألة تنقيح الأحاديث الواردة في صحيح البخاري ومسلم، قائلا إنّ مُجمل الملاحظات على الكتابين شملت مائتي وعشرة أحاديث فقط من أصل أكثر من أربعة آلاف حديث اتفقا عليها، ثمانية وسبعون حديثاً في صحيح البخاري، ومائة واثنان وثلاثون حديثاً في صحيح مسلم. واعتبر بولوز أنّ ما يُثار عن صحيح البخاري وصحيح مسلم سببه "ما كتب الله لهما من الذيوع والانتشار، وتلقي الأمة لهما بالرضا والقبول، وإجماع أهل السنة على اعتمادهما بعد كتاب الله تعالى". وأضاف: "الأمة كما هو معلوم لا تجتمع على ضلالة، وهذا كاف لاستهداف صحيحي البخاري ومسلم، لأن ضربهما وهدمهما ضرب لأصول البُنيان وزلزال للكيان"، لكنّه نبّه إلى أنّ المكانة التي للصحيحين "لا تعني عِصمة البخاري ومسلم أو أنهما فوق النقد، إنما بالنقد وعمق النظر في عملهما ومقارنته بعمل غيرهما هو ما رفع قدرهما، فعلماء الأمة الذين قاموا بالغربلة والنقد هم من حكموا بصحتهما ومكانتهما العالية". بولوز قال إنّ "ما انتُقد على صحيح البخاري وصحيح مسلم لم يكن موضِع إجماع عند المحدثين، ولم يقل أحد بوجود أحاديث موضوعة فيهما، وما انتقد على البخاري لا يمس أصل الكتاب، بل هي من الأحاديث التي ذكرها البخاري على سبيل الاستئناس". وأردف المتحدث ذاته: "بعض الأحاديث التي انتقدت عند البخاري ومسلم كان مرجعُ النقد فيها إلى عدم التزام شروطهما التي التزماها في الرواية، وهذا لا يعني أن هذه الأحاديث ضعيفة أو مكذوبة، ولم يقل بذلك أحد من علماء الحديث الخبراء بأصول الرواية مَتناً وسنداً، بل هي معتمدة عند غيرهم من الحُفاظ، وقد ساهم النقد الموجه إليهما في مزيد من الاتقان الذي يبث الاطمئنان في النفوس". وفيما يقول الداعون إلى تنقيح صحيحي البخاري ومسلم إنّ بعض الأحاديث الواردة فيهما جاءت في سياقات سياسية معينة، قال بولوز إنّ البخاري ومسلم "لم تكن لهما سلطة سياسية حتى يفرضا نفسيهما على الناس"، مضيفا: "لقد لُقب البخاري بأمير المؤمنين في الحديث بعد امتحان واختبار، حيث خلط له في مجلس واحد مائة حديث قام كل طالب بخلط عشر أحاديث بأسانيد مقلوبة فصحح كل ذلك فقيل له أمير المؤمنين في الحديث". وتابع: "العبرة في الحديث الصحة وفي فقْه الحديث لغته وسياقه وتاريخه ومقاصد الشرع وكلياته والنصوص الأخرى الواردة في نفس الموضوع من الكتاب والسنة وفقه الواقع لحسن التنزيل، ولا بد من أهل الاجتهاد ليصح الاجتهاد، ولا يتصور تناقض صحيح المنقول مع صريح المعقول ولا تناقض ما أنزله الله وبينه رسول الله وما يهدي الله إليه العقول من البصيرة والحكمة والفطر السليمة".