قيل الوقت كالسيف، إن لم تقطعه .. قطعك. وكي لا يقطعنا الوقت-السيف، درجنا على قطعه إربا، فنزيد وننتقص منه تارة لأغراض اقتصادية فصلية وتارة لأغراض دينية بطنية . وماهي في النهاية إلا سُويعة نضيفها ونعتمدها قانونا. فمن الشباب من تعدّوا التشبيه إلى المجاز فإلى الواقع، فشهروا السيف لقطع الوقت والطريق والأرواح أحيانا. من الشباب أيضا من ينثرون ساعات بطالتهم على طاولات المقاهي، وقتهم ليس سيفا يقطع وإنما دائرة ممتدة مترامية الأطراف، يحسبونها حسابا هندسيا، يقيمون طولها وعرضها وأبعادها، فيرشفون من فنجان القهوة رشفة كل نصف ساعة لإطالة عمر الفنجان، تحت أنظار مالك المقهى الذي يحسب الزمن،ممتعضا، حسابا رقميا ولا سبيل له لقطع الوقت. ويحدث أن نتمادى في المجاز في ما نطلق علية "وقت الفراغ" وفيه يذعن الوقت ويصبح ودودا خنوعا خاضعا لرغبتنا الأكيدة والمتفانية في قتله، ومن ذلك ما نقضيه جميعا وبدون استثناء، أطفالا وبالغين، في البيت وفي العمل وفي المدرسة والشارع، في التبلد ساعات طوال أمام الأجهزة الذكية. لا شيء أساسا تعنيه إضافة ساعة أو انتقاصها والحكومة أطال الله في عمرها وجازاها عنا خيرا خلصتنا خلاصا بطوليا من مغبة وهول ضبط ساعاتنا اليدوية والحائطية كلما حل الصيف ورمضان والشتاء. في النهاية ستتكتك عقارب الساعة في كل أرجاء المملكة على وقع مشيئة الحكومة المظفرة، سنعتاد الأمر وسيفرح من يفرح لذلك وسيترح من يترح. والموضوع في نظري المتواضع يتعدى أمر الساعة ومضاعفاتها إلى أبعد وأخطر من ذلك بكثير. فعلاوة على المشاكل المصاحبة لإقرار واعتماد التوقيت الصيفي بصفة دائمة يبقى أهم وأطرف ما في الأمر هو آلية الضحك على الذقون. لقد دخل الإتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة في سجال عميق وواسع حول تغيير التوقيت المعمول به وذلك على ضوء مشاورات مواطني الإتحاد ومن خلال استبيان للرأي طُرح إلكترونيا على الشبكة العنكبوتية في الفترة ما بين 14 يوليو و16 غشت أجاب على إثره 4.6 مليون مشارك على أسئلة واضحة شملتها استمارة خاصة بالموضوع. وبناء عليه اقترحت المفوضية الأوروبية حل العمل بتغيير التوقيت في أفق 2019، ولم يبث بعد في الموضوع إلى الآن. ينم هذا السلوك عن احترام تام للمواطن واهتمام فعلي بشؤونه وهمومه وحساب ألف حساب لمشاعره وآرائه، ناهيك عن إشراكه في اتخاذ القرارات التي تعنيه. في بلدنا، وما أدراك ما بلدنا، تصير الأمور على نحو كاريكاتوري غروتسكي. فقد تم الإعلان مسبقا وحسب العرف الدولي عن تحديد تاريخ العودة للتوقيت العادي في 29 أكتوبر، وكل شيء بدا عاديا في ملكوت الرحمن إلى أن بدأت الأحداث تتوالى بشكل هستيري ودون سابق إنذار. ثلاثة أيام فقط قبل حلول التاريخ المعلوم ينعقد مجلس الحكومة ليصادق على مشروع مرسوم للاستمرار في العمل بالتوقيت الصيفي. في اليوم الموالي تنشر الجريدة الرسمية نص المرسوم. اتخذ القرار ونفذ بسرعة البرق، ثم توالت الاجتماعات وتلاحقت ليبدأ مسلسل تقطير الإجراءات الملازمة لاعتماد التوقيت الصيفي على طول السنة، فيعلن الوزير المنتدب المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية عن رزنامة آليات ملاءمة التوقيت الجديد مع العاملين في القطاعين العام والخاص، وتبث وزارة أمزازي في شأن مواقيت دخول وخروج التلاميذ في جميع أسلاك التعليم. وابتداء من يوم الاثنين 12 نوفمبر تجري عملية بثر جديدة، حيث أن ضبط ساعتنا البيولوجية على عقارب الساعة القانونية سيكلف أبنائنا تقليصا ملحوظا للحصص التدريسية، والخوف كل الخوف أن يتم هذا الاقتطاع جزئيا بواقع ربع ساعة من كل حصة دراسية. لا ضير، وقاعات الدرس على ما هي عليه من اكتظاظ، في أن نخصص دقيقة لكل تلميذ عندما يكون عدد التلاميذ يفوق الأربعين. وقد سبق أن عمدت الوزارة إلى التفويج وتخفيض الحصص الدراسية إلى 30% في بعض المدارس لمواجهة الاكتظاظ، ولا بأس بمزيد التقليص في المدة الزمنية للحصص التعليمية. ويبدو أن المدرسة المغربية لم تنته بعد من اجترار تبعات الفشل الذريع لكل المشاريع المتتالية والرامية إلى إخراج المنظومة التعليمية من أزماتها منذ العقود الأخيرة من القرن الماضي. من التعريب إلى الرجوع إلى الفرنسية، ومن إدخال الأمازيغية إلى إدخال الدارجة؛ فشل الميثاق الوطني للتربية والتكوين وفشل بعده المخطط الاستعجالي، وها نحن على أعتاب الرؤية الإستراتيجية 2015-2030 التي لم تقر بعد ونحن في نهاية 2018، ولن يتم تطبيقها في نظري قبل الدخول المدرسي 2019-2020 نظرا لبدء الموسم الدراسي الحالي. ومن البديهي أن هذه الرؤيا لم تر ولم تحسب اعتماد التوقيت الصيفي، مما يبرر سيناريوهات وصيغ برمجة حصص التدريس وتفويجها. إلى أين نمضي بمدرستنا وإلى متى سنستمر على نهج نثقل به كاهل التلاميذ بالحلول الترقيعية والإجراءات الارتجالية؟ إن أخطر ما في الأمر أن الحكومة استغلت صلاحية سلطة العمل للصالح العام من أجل تمرير وتنفيذ أسرع مراسيمها. وقانونا يتناول روح الدستور مبادئ التشاور والديمقراطية التشاركية ، إذ يفترض منطقيا أن تطرح الفكرة وأن يتم جس نبض الشعب ودعوته لاستفتاء وأخذ رأيه ومناقشته عوض الضرب برأيه عرض الحائط. نبدو أننا أضحينا ضيوفا على بلد لا أهمية لرأينا فيه، بلد يرى أن ساعة من الشمس أفضل من ساعة يقضيها أطفالنا في التعلم واكتساب المعرفة.