لا يمكن استثناء مناطق سوس من غالبية حواضر وقرى المغرب التي تُقبل فئات عريضة منها على "الانحراف" صوب عالم البحث عن العلاج من مختلف الأمراض العضوية والنفسية، لكن ليس عند أهل الاختصاص من الأطباء، على اختلاف تخصّصاتهم، بل اللجوء إلى عوالم السحر والشعوذة، بعد أن يكونوا مقتنعين تمام الاقتناع بجدوى وفعالية المشعوذين في دفع الشر وجلب الحظ وترويج تجارة وإبقاء على مناصب ودفع شر العين وعلاج مس واكتساب صحة وغير ذلك. ولا تخلو أي مدينة من مدن سوس من منازل ومحلات، مفتوحة ليل نهار، منها ما تحمل يافطات عليها اسم الشخص وتوصيفات ل"قدراته" في العلاج، القاسم المشترك بينها إقبال فئات واسعة من المواطنات والمواطنين على هذه "الخدمات". ولن يجد المرء صعوبة في اكتشاف حجم ذلك الإقبال، وذلك عند ملاحظة أفواج بشرية من مختلف شرائح المجتمع، تغدو وتروح قاصدة تلك الأماكن، علّها تنال مقصدها. في إنزكان، القليعة، بيوكرى، تزنيت، هوارة، وغيرها من مناطق سوس، نساء ورجال كُثر ممن اتخذوا من أفعال السحر والشعوذة حرفة، مستغلّين في رواج "مهنتهم" البنية الثقافية للمجتمع المغربي، ذات الأبعاد الغيبية، والتي تساهم بشكل كبير في التعاطي مع هذه الظاهرة. وليس مبالغة كون النساء ضمن قائمة الفئات الأكثر سلكا لهذه الطرق، رغبة في "السيطرة على الزوج ومنعه من التفكير في الخيانة، وتحويله إلى زوج مثالي لا يعصي لزوجته أمرا"، أو ل"الرغبة في تزويج البنات، وطرد العنوسة وغير ذلك". كثيرة هي الحيل التي يستعملها أولئك الذين يحترفون النصب والاحتيال تحت جبة "فقيه"، تجدهم، وفقا لحديث لهسبريس مع عدد من الضحايا، يملؤون محلات "عملهم" بمختلف الأصناف من الحيوانات المحنطة، أو فروها، لاسيما تلك المعروفة في أوساطهم بالاستعمال الواسع في إبطال أفعال السحر وعلاجه، وأنواع من البخور والمخطوطات، من أجل إيهام طالبي "العلاج أو فك السحر أو تزويج فتاة أو ترويج تجارة أو حتى الإضرار بالآخر" بقدراتهم "الخارقة" في "العلاج". ولا يتوانى هؤلاء في إعداد وصفات ل"زبنائهم"، تتضمن لائحة من "العشوب"، وأعضاء الحيوانات، بالإضافة إلى طلاسم؛ كل ذلك من غير أن يُبالوا بخطورة المواد السامة التي سيتناولونها، أو ستعدّ ضمن طبق أو خلطات سحرية لشريك حياة أو فرد من أفراد الأسرة أو جار أو مسؤول في العمل؛ كما يُقدمون على طقوس وممارسات من أجل ادعاء امتلاكهم قدرات خارقة في التواصل مع "الجن"، وتسخيرهم لتأدية مهمات لأغراض بشرية. وكثيرا ما تستغل النسوة جنسيا، بدواع وهمية، إلى جانب الاستغلال المادي. ويرى محمد الفقير، وهو مستشار نفسي، أنه "من خلال الملاحظة والبحث في مستوى إقبال شرائح المجتمع على التداوي بالأعشاب والطرق التقليدية، وأيضا طرْق باب من يصطلح عليهم بالمعالجين، يمكن من الوقوف على نشاط خدماتي وتجاري منتعش، وهنا يطرح الاستفهام، لماذا نسبة مهمة من فئات المجتمع، ومن ضمنها المصنفون ضمن خانة المتعلمين، يتعاطون للممارسات والطقوس التي تعتبر من الشعوذة؟"، وزاد: "هنا نجد أن المحيط الاجتماعي والحالة النفسية والتربية التي تلقاها الفرد الذي يؤمن بقدرة طقوس الشعوذة في إحداث تغيير في حياته العامل الدافع إلى التعاطي لها. كما أن هناك من له إيمان كبير بقدرة الشعوذة والمشعوذين على حل ما يُعانيه من مشاكل". وبالملاحظة الدقيقة، يُضيف محمد الفقير، فإن "النسبة الأهم التي تعتبر من "زبناء" المشعوذين من النساء. وهذا الأمر سنجد له تفسيرا بكون سيكولوجية المرأة تجعل من السهولة التأثير عليها، فهي تكون مستعدة أكثر للتصديق، خصوصا في المجتمعات التي تؤمن بقدرة المشعوذين علة فعل أي شيء صالح أو طالح"، مردفا: "وهنا مثلا نجد أن منطقة سوس لها شهرة على نطاق واسع بكونها موطن ومستقر أشهر وأفضل من يتعاطون لطقوس الشعوذة، رغم أن كون الأمر مبالغ فيه، وهو ما يدركه من يمارسون الشعوذة وطقوسها. ولكن هذا لا يعني أن المجتمع المحلي لا يعطي اهتماما للموضوع، فلا تكاد قرية كبيرة أو مدينة بعموم منطقة سوس تخلو ممن يمارسون طقوس الشعوذة، ولو من خلف يافطات تروج لمسائل مشروعة". "هنا وجب التوقف لتوضيح أن من يمارسون العلاج الطبيعي بشكله العصري في مراكز معلومة على قلتهم يقع الخلط بينهم وبين محترفي الشعوذة. عموما الشعوذة تشكل تهديدا للمجتمع، لكونها تكرس مفاهيم تضرب في الصميم القيم المجتمعية، كما أن لها ضحايا، منهم من يفقد حياته أو استقراره العائلي وتوازنه العقلي والنفسي، وبالتالي من المهم القيام بحملات توعية وتحسيس بخطورة الشعوذة وكل ما يرتبط بها، والعمل على تجفيف المنابع التي تغذيها.. وأعتقد أن منظومة التربية والإعلام والقانون سيكون لها دور فعال في الحد من مدى انتشارها"، يقول المتحدّث ذاته. وأضاف المستشار النفسي، في حديث إلى هسبريس، أن "الخطاب السائد لدى عموم شرائح المجتمع بكون نجاح علاقة زوجية واستجابة الزوج بالتحديد لطلبات الزوجة سببه عمل سحري قوي المفعول"، مستطردا: "كما أن رغبة فتيات بالظفر بشريك حياة عن طريق عمل سحري ترسخ الشعوذة في أذهان ووجدان فئة من الناس. والمسألة الأخرى هي كون طبيعة النفس البشرية تميل إلى تحقيق نتائج أسرع، وبتكاليف في المتناول، في سبيل تحقيق رغباتها، وهو أمر غير متاح دوما في الطب العصري وفي النظريات العلمية والأسس التي ينطلق منها". الشعوذة إذن ظاهرة لا يمكن إنكار كونها تحظى بتقدير خاص لدى عامة الناس. وتحفل الذاكرة الشعبية بقصص لا حصرَ لها عن معجزات العارفين بهذا الميدان وقدراتهم الخارقة. وإذا كان من الصعب الجزم بصدقية مفعول هذه التمائم والطلاسم والأفعال السحرية، فإنه يصعب، بالدرجة نفسها، إثبات العكس، كما أن المجال أصبح منفتحا على التكنولوجيات الحديثة، إذ تُستغل شبكات التواصل الاجتماعي لإشهار "قدرات" هذه الفئة، كما تُقدم وصفات عبر الهاتف، ما أتاح فرص التواصل الدائم بين هؤلاء وزبنائهم.