يستند مشروع قانون المالية لسنة 2019 على أربعة مرتكزات أساسية، يتمثل الأول في إعطاء الأولوية للسياسات الاجتماعية والإسراع بإنجاح الحوار الاجتماعي ودعم القدرة الشرائية للمواطنين، فيما يهم المرتكز الثاني مواصلة الاوراش الكبرى للبنية التحتية والاستراتيجيات القطاعية لتوفير ظروف الإقلاع الاقتصادي ودعم الاستثمار والمقاولة. أما المرتكز الثالث فيهم الحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكبرى، بينما المرتكز الرابع يخص مواصلة الإصلاحات المؤسساتية والهيكلية الكبرى. ويأتي مشروع قانون المالية لسنة 2019 في سياق دولي يتميز باستمرار تعزيز النشاط الاقتصادي العالمي، مما يوحي بتحسن تدريجي في قدرة الاقتصاد العالمي على الصمود، إلا أن هناك بعض المخاطر لا تزال تلقي بثقلها على الاستقرار الاقتصادي وتهدد استدامة النمو في عدة جهات من العالم. ويشكل ارتفاع أسعار المواد الأولية وتفاقم التوترات التجارية الحالية بين الفاعلين الرئيسيين (الولاياتالمتحدة والصين) في النظام التجاري متعدد الأطراف وكذا تضاعف بؤر المخاطر الجيوسياسية والأمنية أكبر تهديد مترتب ومحتمل على النمو العالمي في المدى القريب. وبالموازاة مع التطورات التي يعرفها السياق الدولي وعلى غرار البلدان الناشئة، استفاد المغرب من دورة الانتعاش الاقتصادي العالمي، ويتضح ذلك من خلال الأداء الجيد الذي سجلته الصادرات الوطنية؛ لكن الاقتصاد الوطني يواجه تحديات داخلية مهمة، أبرزها تحقيق نمو قوي قادر على إحداث المزيد من فرص الشغل اللائق، وكذا التقليص بشكل كبير من التفاوتات الاجتماعية والمجالية. وعليه، يهدف مشروع قانون مالية لسنة 2019 إلى تحقيق نمو اقتصادي في حدود 3,2 في المائة خلال السنة المقبلة، ومعدل عجز الميزانية يقدر ب3,7 في المائة من الناتج الداخلي الخام (دون احتساب الموارد المتأتية من الخوصصة)، بناء على فرضيات تحدد توقع محصول زراعي من الحبوب يبلغ 70 مليون قنطار، ومتوسط سعر غاز البوتان في 560 دولارا أمريكيا للطن. ويتوقع المشروع، بناء على هذه الفرضيات، أن تصل نفقات التسيير إلي 205 مليارات درهم مقابل 188 مليار درهم برسم سنة 2018 أي بزيادة قدرها 8,67%. وتم تخصيص 73,37 مليار درهم لنفقات الاستثمار، بعد أن كانت في سنة 2018 في حدود 68,23 مليار درهم، أي بزيادة قدرها 7,54%. أما الموارد المتوقع تحصيلها خلال السنة المقبلة فتصل إلى 242 مليار درهم، مقابل 227 مليار درهم لسنة 2018 أي بزيادة قدرها 6,66%. وتحتل الضرائب المباشرة المرتبة الأولى في موارد ميزانية الدولة ب41.45 %، تليها الضرائب غير المباشرة ب36.98 %، ثم رسوم التسجيل ب7.49%، ثم عائدات مؤسسات الاحتكار ب4,71 %، ثم الرسوم الجمركية ب3.87 %، وحصيلة تفويت مساهمات الدولة ب2.06%، ثم الهبات ب0.49%. أما على مستوى الاستثمار العمومي، فسيبلغ في السنة المقبلة 195 مليار درهم، وضمنها هناك استثمار الميزانية العامة الذي سيكون في حدود 77,5 مليار درهم، والمؤسسات والمقاولات العمومية ب 99 مليار درهم، والجماعات التربية ب18,5 مليار درهم. ويتضمن مشروع قانون المالية لسنة 2019 مجموعة من التدابير، أبرزها: دعم القطاع الاجتماعي: يتضمن مشروع قانون المالية سلسلة من الإجراءات الاجتماعية، منها إعادة الاعتبار لأدوار المدرسة من خلال برامج دعم التمدرس ومحاربة الهدر المدرسي، وجعل التعليم الأولي إلزاميا للدولة والأسرة وإدراجه تدريجيا في التعليم الإلزامي. ولهذا الغرض، سيتم تخصيص غلاف مالي قدره 1,35 مليار درهم، برسم سنة 2019، لتأهيل وتجهيز 1465 حجرة وبناء وتجهيز 5.826 حجرة في المدارس الابتدائية، ولتسيير الحجرات وتكوين المربين. كما يتضمن هذا المشروع بداية العمل بالمخطط الجديد "الصحة 2025"، ويهدف هذا المخطط إلى إعداد خارطة طريق قطاعية تلبي الاحتياجات المختلفة للمنظومة الصحية وتسهم في تحسين العرض الصحي العمومي. ولقد تم رصد مبلغ 16,3 مليار درهم لميزانية الصحة. إطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2019-2023) تهدف المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى توطيد المكتسبات المسجلة خلال المراحل السابقة، مع إعادة تركيز برامج المبادرة على النهوض بالرأسمال البشري والعناية بالأجيال الصاعدة ودعم الفئات في وضعية هشاشة. وتتمحور هذه المرحلة حول أربعة برامج أساسية وهي: *برنامج تدارك الخصاص المسجل على مستوى البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية الأساسية بالمجالات الترابية الأقل تجهيزا (4 ملايير درهم)؛ *برنامج مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة (4 ملايير درهم)؛ *برنامج تحسين الدخل والاندماج الاقتصادي للشباب (4 ملايير درهم)؛ *برنامج دعم التنمية البشرية للأجيال الصاعدة (6 ملايير درهم). تدابير جبائية جديدة: يقترح مشروع قانون المالية لسنة 2019 تخفيض سعر الضريبة على الشركات من 20% إلى 17,50% بالنسبة إلى الشركات الخاضعة للضريبة على الشركات بالسعر العادي، والتي تحقق أرباحا تقع ضمن شريحة الأرباح المتراوح مبلغها ما بين 300.001 و1.000.000 درهم. وأيضا تحديد السعر التصاعدي في 17,50% بالنسبة إلى الشركات التي تخضع حاليا لهذا السعر، والتي تحقق أرباحا يفوق مبلغها 300.000 درهم، مع منحها حق الاستفادة من امتياز تطبيق السعر التصاعدي المحدد في 10% عندما تحقق أرباح تساوي هذا الحد أو تقل عنه. وفي إطار الجهود المبذولة لتعبئة الموارد لتمويل المشاريع ذات الطابع الاجتماعي، يقترح إحداث مساهمة اجتماعية للتضامن على الأرباح، تدفعها الشركات الخاضعة للضريبة على الشركات التي تحقق أرباحا يساوي مبلغها أو يفوق خمسين مليون درهم. وستطبق هذه المساهمة بسعر نسبي محدد في 2,5 % على الأرباح المحققة من قبل الشركات سالفة الذكر المصرح بها ابتداء من فاتح يناير 2019 لسنتين محاسبيتين متتاليتين، وتؤدي على الأساس نفسه الذي تفرض عليه الضريبة على الشركات. غير أنه تستثنى من دفع هذه المساهمة الشركات المعفاة بصفة دائمة والمنشآت التي تزاول أنشطتها داخل المناطق الحرة للتصدير والشركات المكتسبة لصفة "القطب المالي للدار البيضاء". مواصلة تنزيل مقتضيات القانون التنظيمي رقم 13-130 لقانون المالية: سيتم في إطار مشروع قانون المالية 2019 تفعيل التدابير المتعلقة بالقواعد الماليةالجديدة الرامية إلى تعزيز نجاعة النفقة العمومية وتعزيز شفافية المالية العمومية، حيث تم إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2019 استنادا إلى برمجة ميزانياتية لثلاث سنوات يتم تحيينها كل سنة. ولضمان تفعيل هذا المقتضى، صدر منشور رئيس الحكومة رقم 2018/5، يدعو بموجبه القطاعات الوزارية والمؤسسات إلى إعداد مقترحاتهم المتعلقة بالبرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات 2019-2021 مقرونة بأهداف ومؤشرات نجاعة الأداء. وأيضا تم دخول المقتضى المتعلق بتقديم البرمجة متعددة السنوات المتعلقة بالمؤسسات والمقاولات العمومية المستفيدة من موارد مرصدة أو إعانات من الدولة للجان البرلمانية المعنية، رفقة ميزانيات القطاعات الوزارية والمؤسسات. ولقد حدد قرار وزير الاقتصاد والمالية رقم 18-551 لائحة المؤسسات العمومية والمقاولات العمومية المعنية بهذا المقتضى. كما سيتم حذف مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والحسابات المرصدة لأمور خصوصية، المحدثة ابتداء من فاتح يناير 2016، والتي لا تستوفي شروط إحداثها، والتي لا تتوفر على موارد ذاتية، بالنسبة إلى مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، أو موارد متأتية من حصيلة الرسوم أو موارد مخصصة بالنسبة إلى الحسابات المرصودة لأمور خصوصية. تلكم إذن هي أهم الخطوط الرئيسية والتوجهات الكبرى التي يتضمنها مشروع قانون المالية لسنة 2019 الذي نريد له أن يكون خطوة أولى في تنفيذ البرنامج الحكومي، وتفعيل التزاماته وتدابيره النابعة من انتظارات وتطلعات المواطنات والمواطنين إلى الشغل والكرامة والارتقاء الاجتماعي والولوج المنصف والعادل إلى الخدمات وفرص النجاح، وغيرها من حقوق ومستلزمات المواطنة الكاملة التي ينص عليها الدستور. *باحثة في المالية والإدارة العامة