تعتبر الشرطة جزءا لا يتجزأ من المجتمع، هاجسها الأول هو جعل المواطن يحس بالأمن والأمان من خلال الحفاظ على النظام العام، ومحاربة الجريمة بمختلف أشكالها وصورها، وصون مكتسبات الوطن، وترسيخ مبدأ سيادة القانون. والشرطة من أهم عوامل تقدم وتطور الأمم والحضارات، فلولاها لما استمرت الحياة وعاش الإنسان في أمن وأمان. تأسست الشرطة المغربية من قبل الملك محمد الخامس طيب الله ثراه يوم 16 ماي 1956، وقد تغير الكثير في عملها وتعاملها بفعل مرور الزمن. وفي مقارنتنا بين الشرطة قديما وحديثا سنجد متغيرات شكلية كثيرة ومتعددة رغم أن جوهرها لا يتغير. قديما كانت الشرطة تقوم ببعض التجاوزات، كاستعمالها للعنف؛ فالكل كان يتهمها باتباع سياسة العنف وعدم احترام حقوق الإنسان، ما جعل علاقتها بالمواطن تتسم بالتوتر والخوف وعدم الثقة؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى كانت تتوفر على إمكانيات محدودة، فكان هناك ضعف في الوسائل اللوجستيكية، والبنيات التحتية، والعناصر البشرية، ووسائل الاتصال والتكنولوجيا(...)، وكانت تعتمد على الوسائل التقليدية، نذكر - على سبيل المثال - المحاضر التي كان يتم تحريرها بوسائل تقليدية. حديثا عملت الشرطة المغربية جاهدة على تحسين صورتها لدى المواطنين، وقامت بتغيير نمط عملها بشكل كبير، ما جعلها تصنف من أحسن الأجهزة الأمنية في العالم، بفضل تطورها على مختلف المستويات، فلم تعد وسائل ملاحقة المجرمين والكشف على مسرح الجريمة كما كانت في الماضي، بل صارت الشرطة تواجه الجرائم بمختلف أشكالها وصورها بأجهزتها التكنولوجية الحديثة، إذ أصبحت التكنولوجيا تدخل في صميم عملها منذ ظهور ما يعرف بالجريمة الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني ...الخ. كما أصبحت الشرطة بثقافة جديدة تضم موظفين شبابا لهم كفاءة عالية ومستوى تعليمي جامعي جيد، وشرطة مجتمعية ومواطنة تخلق ثقافة الحوار والتواصل والتعاون والتلاحم بينها وبين المجتمع بفئاته وطوائفه وجماعاته المختلفة في المحافظة على أمن المجتمع واستقراره، وكذا في مواجهة كل التحديات الراهنة.. كما أنها شرطة قريبة من كافة المواطنين وبدون تمييز، ومن أول الساهرين على حماية حقوقه وحرياته ومعبأة لخدمته بوسائلها العلمية الحديثة على مدار الساعة، ما جعلها تكتسب ثقة المواطنين واحترامهم، وهي أيضا شرطة منفتحة على محيطها الخارجي، ومتفاعلة مع طلبات المجتمع المدني، ومتجاوبة مع وسائل الإعلام. هذا ما شهدناه من خلال الدورتين الأخيرتين لأيام الأبواب المفتوحة للمديرية العامة للأمن الوطني التي نظمت بكل من الدارالبيضاء (2017) ومراكش (2018)، وعملت من خلالها على التعريف بعمل ودور أجهزة الشرطة، واستعراض جميع التجهيزات والمعدات والآليات المتطورة التي تستعمل لحماية الوطن والمواطن وضمان أمنه وسلامة ممتلكاته. هذا علاوة على إلمام المديرية العامة للأمن الوطني الجيد بقيم ومبادئ حقوق الإنسان، إذ أدرجت في تكوينها مادة حقوق الإنسان والحريات العامة للعناصر المتدربة الوافدة على المعهد الملكي للشرطة والمدارس التابعة له، كما تم إدراجها في إطار برنامج التكوين المستمر لجميع العناصر الأمنية بجميع التراب الوطني. وجعل هذا من مديرية الأمن الوطني مسايرة للتغيرات التي طرأت على المنظومة الأمنية في كل بقاع العالم، وأصبحت تحث موظفيها دائما على احترام حقوق وحريات المواطنين، وعدم تجاوز الصلاحيات التي يخولها القانون لهم، كما تؤكد على ضرورة تلقين جميع موظفي الشرطة في إطار التكوين المستمر المفهوم الجديد للأمن، وكذا المفهوم الجديد للسلطة الذي أعلنه صاحب الجلالة سنة 1999. ونستطيع من خلال ما تقدم أن نصل إلى نتيجة في غاية الأهمية، ألا وهي وعي الشرطة بالتحولات التي طرأت على مستوى العلاقات داخل المجتمع، بسبب العولمة والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب في مجموعة من المجالات، خاصة مجال حقوق الإنسان. *باحث بماستر العلوم الأمنية وتدبير المخاطر – كلية الحقوق – جامعة الحسن الأول بسطات.