تتجاوز عقيدة العداء التي يتقنها حكّام قصر المرادية بالجزائر لجارهم المغرب الجانبين السياسي والدبلوماسي بسبب نزاع الصحراء، حيث تدعم الجزائر علنا جبهة البوليساريو، إلى عداء نفسي وشخصي لزعماء الجزائر، خاصة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لملوك المغرب، خاصة الملكين الحسن الثاني ومحمد السادس. وإذا ما كانت التحليلات المتابعة للعلاقات المغربية الجزائرية تركز في أغلب الأحيان على الصراعات والدسائس السياسية التي تنبع في أكثرها من تداعيات نزاع الصحراء، فإن القليلين من ينتبهون إلى عداء من نوع آخر، يتمثل في الجانب النفسي والشخصي، ومشاعر الحب والكراهية بين الطرفين. كراهية وإعجاب أحاسيس الكراهية التي تملأ صدور حكام قصر المرادية لا يمكن إخفاؤها، إذ تم الكشف عنها في أكثر من مناسبة وفي تقارير "سرية"، منها ما ورد في كتاب "بوتفليقة عرابوه وخدامه" للصحافي الجزائري محمد سيفاوي، الذي جاء فيه أن "بوتفليقة كان مغربيا أكثر من المغاربة أنفسهم؛ ولكنه في الوقت ذاته كان يكره الراحل الحسن الثاني، وبعده الملك محمد السادس". الكاتب الجزائري رصد العقدة النفسية التي كان يشكلها له الراحل الحسن الثاني إلى حد تقليده في مشيته وتدخينه وطريقة حديثه، وحتى في إقامة "الدروس الحسنية"، وهو ما ذهبت إليه أيضا طليقة بوتفليقة التي سبق أن صرحت بأن هذا الأخير "كان كثير التحدث عن المغرب في كل مناسبة كانت صغيرة أو كبيرة، وهذا خلق عندها لغزا غامضا". نفس مشاعر الكراهية بدأ يكنها حكام قصر المرادية للملك الحالي محمد السادس، وهو ما كشفت عنه تقارير سابقة ل"ويكيليكس" التي فضحت عقدة بوتفليقة حيال العاهل المغربي؛ فقد أكد أنه لن يصافح يوما يد الملك، وبأن "محمدا السادس كان طفلا حينما كان هو دبلوماسيا محنّكا". يعلق الدكتور محمد عصام لعروسي، الخبير في الشأن الاستراتيجي والعلاقات الدولية، على هذا الموضوع بالقول إن المهتمين والباحثين لا ينكرون علاقة الصراع والتنافس بين المغرب والجزائر، والتي تغذيها العديد من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية والتسابق نحو الزعامة؛ بيد أن القليل من يتنبه إلى العوامل الشخصية والبنية النفسية في هذا الصراع". وأفاد لعروسي، في حديث مع جريدة هسبريس، بأنه "يمكن فهم البيئة النفسية، بكونها تلك التي تتكون معالمها من خلال الاتجاهات والتصورات الخاصة بجهاز صنع القرارات السياسية، والتي يؤثر فيها القيم والمعتقدات والخبرات والانحيازات والآراء المسبقة لأعضاء طاقم صناعة القرار". ولفت الخبير إلى أن النخبة العسكرية في الجزائر توارثت، طيلة سنوات الصراع مع المغرب، إرثا نفسيا ثقيلا ووجهة نظر شخصية تكاد تتحول إلى شعار من يريد الاستمرار في قصر المرادية، وهي أن "معاداة وكره النظام المغربي من دوافع البقاء في السلطة بالجزائر". وفي كثير من الأحيان، يضيف لعروسي، قد لا تعبر هذه النفسية المتحاملة على المغرب وجهة نظر شخصية للرؤساء المتعاقبين على الجزائر، والذين في معظمهم كانوا يكنون كل الاحترام والتقدير لشخص الملك الحسن الثاني باني الأمة المغربية الحديثة، وبعده الملك محمد السادس. دوافع الكراهية وبسط لعروسي أبرز العوامل التي أسهمت في تكوين بنية نفسية باثولوجية لدى النخبة الحاكمة في الجزائر، والتي فيما بعد تحولت إلى موقف رسمي لمعاداة ملوك المغرب؛ أولها أن الجزائر ليس لها مصلحة في استقرار المنطقة، حيث كانت هناك العديد من المطالبات المغربية الليبية والتونسية بأحقيتها في أراض تقع تحت السيطرة الجزائرية. ويشرح: "ورثت الجزائر مساحة جغرافية كبيرة هي الأكبر مساحة في إفريقيا، بعد عدم ترسيم الحدود من طرف فرنسا الاستعمارية؛ وهو ما خلّف وجود نخبة عسكرية متوجسة تحاول الهيمنة وصرف النظر عن هذه الأمر باختلاق عداء موضوعي وشخصي مع النظام المغربي وملوك الدولة". ثاني العوامل، يردف المتحدث، يتمثل في عراقة المغرب وعمقه التاريخي وامتداده الحضاري الذي يرجع إلى قرون من حكم الدولة العلوية وما قبلها، في حين أن الجزائر دولة حديثة لا يتجاوز عمرها 57 سنة، وهذا ما أسهم أيضا في تأجيج الصراع الشخصي ضد ملوك المغرب من قبل النخبة العسكرية الحاكمة في الجزائر التي تعلم أن النموذج المغربي في الحكم ضارب في الأصالة وله كل مقومات الشرعية التاريخية". وزاد بأن شرعية الدولة الجزائرية كثيرا ما تعرضت للعديد من المآزق السياسية؛ وهو ما دفع النظام الجزائري في الكثير من الأحيان إلى "مهاجمة المغرب في وسائل الإعلام الجزائرية ومغالطة الرأي العام الجزائري الذي كان يجهل العديد من المعطيات عن المغرب الليبرالي المتعدد المشارب والثقافات". والعامل الثالث، وفق الخبير ذاته، يتجسد في أن الطبيعة النفسية للقادة في الجزائر على الخصوص تتسم بالارتياب والشك في النظام المغربي، حيث يقول الضابط الجزائري الحبيب سويدية في كتابه "الحرب القذرة"" "أما العدو اللدود فكان وما زال الجار المغربي، فأسلحة هذا الجار غريبة المنشأ، وقد جعل الجيش الجزائري محور إستراتيجيته الدفاعية التصدي لحرب محتملة ضد المغرب". وذكر لعروسي ما كتبه روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في الجزائر، في برقية دبلوماسية في العام 2008، بأن القيادات في الجزائر هم "مجموعة من الأشخاص حادّي الطباع ومصابين بجنون الارتياب"، مبينا أن هذا ما يكشف أهمية العوامل الشخصية والكاريزماتية في صناعة القرار السياسي في بلد ما وتأثير البيئة النفسية للنخبة العسكرية المتمركزة حول معاداة الملوك المغاربة والنظام المغربي بشكل عام".