اعتبر الملك محمد السادس أن إفريقيا أضحت اليوم في أمسّ الحاجة إلى مبادرات مبتكرة ومحددة الأهداف، وإلى جهود منسقة كفيلة بضمان الاستدامة لآثارها، واعتماد مقاربة خلاقة تقوم على التجديد والإدماج. وأكد الملك في رسالة موجهة إلى المشاركين في أشغال القمة العالمية الثانية لمبادرة "نساء في افريقيا"، التي افتتحت أشغالها اليوم الخميس بمراكش، كون إفريقيا مدعوة اليوم، في إطار مسيرتها التنموية، إلى المضي قدما في استثمار مؤهلاتها كافة، خاصة رأسمالها اللامادي، وتثمين كفاءاتها، لا سيما نساءها ممن يمتلكن المؤهلات والمهارات العالية. وشدد الجالس على العرش على ضرورة استحضار أن ما حققته النساء الإفريقيات من نجاحات ليس وليد الصدفة، "بل هو نتاج ما أبنْنَ عنه من تفوق في التحصيل العلمي، وإقبال متزايد على العمل، وما أتاحه لهن ذلك من حرية كبيرة في اختياراتهن الحياتية. كل ذلك جعل حضورهن أكثر فاعلية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية"، معتبرا أنه رغم التقدم الملموس الذي عرفته وضعية المرأة الإفريقية، ف"لا بد من الإقرار بما ينتظر القارة من أشواط على هذا الدرب". وأضاف أن ذلك "يتطلب مزيدا من الجهود، من أجل تطوير المشاركة الفعلية الواسعة للنساء في مسارات التنمية، وفي مواقع صنع القرار، ومن أجل استثمار أمثل لإقبالهن الكبير على ريادة الأعمال في القارة"، مؤكدا أن للسلطات العمومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني دورا حاسما يجب الاضطلاع به في هذا الاتجاه، بما يضمن تعزيز الدور الريادي للمرأة باعتبارها محركا للتنمية؛ "إذ لا يمكن لأي بلد، أو أي اقتصاد، أو مقاولة، أو أي مجتمع، أن يرفع تحديات العصر، أو يمارس استثمار كل الطاقات التي يزخر بها، بمعزل عن دور المرأة". وأشار الملك إلى أن التدابير الرامية إلى تحقيق المساواة بين النساء والرجال يجب أن تشكل عماد كل استراتيجية ناجعة للتنمية المستدامة، موردا أن هذا الاقتناع يقع في صلب خطة الأممالمتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، وفي مقدمة أهدافها السبعة عشر ذات الصلة. "كما أنها تتصدر اهتمامات البلدان الإفريقية. فالمساواة بين الجنسين داخل الاتحاد الإفريقي هي موضوع التزام دائم، أكدته قمة الاتحاد الإفريقي المنعقدة في يناير 2018، التي جعلت من تحقيق المناصفة بين الرجال والنساء على جميع المستويات هدفا منشودا في أفق 2025". و"نظرا للإجحاف الذي ما تزال تعانيه المرأة الإفريقية على أرض الواقع"، يقول محمد السادس، "فإن من واجبنا أن نعمل جميعا على تثمين الأدوار التي تضطلع بها المرأة، وجعلها في صلب الخطط الوطنية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، بما يضمن تعزيز مكانتها الريادية في المجتمع"، داعيا إلى العمل على تيسير ولوج النساء، وخاصة المعوزات، إلى آليات تمويل مبتكرة، وتسهيل تملك التكنولوجيا الآمنة والمستدامة ونشرها، وإنشاء فضاءات للتشاور واتخاذ القرار على الصعيدين المحلي والوطني وفق مقاربة تشاركية. وأورد محمد السادس أن "الإسلام أكد على المساواة بين المرأة والرجل، واعتبر أن النساء شقائق الرجال في الأحكام. كما أن القيم الكونية والمواثيق الدولية تنص على هذه المساواة بين الجنسين دون أي تمييز، ومن هذا المنطلق، نعمل على توفير ظروف العيش الحر الكريم لكل المغاربة. كما أننا عملنا، منذ عدة سنوات، على وضع المغرب في مسار المساواة بين الرجل والمرأة، باعتبار ذلك حقا من الحقوق الإنسانية الأساسية، ومطلبا قانونيا، وضرورة اجتماعية واقتصادية". ومواصلة في إبراز ما قدمه المغرب للمرأة الافريقية، والمغربية بالخصوص، ذكرّ الملك بدستور 2011 الذي قال إنه جاء ب"تحول جوهري، مرسخا بشكل لا لبس فيه مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والحريات، مع السعي لتحقيق المناصفة". واسترسل: "من أجل تعزيز هذه الدينامية، أطلقنا عددا من البرامج الهادفة إلى دعم الاستقلالية الاقتصادية وروح المبادرة الحرة لدى النساء على الصعيد الوطني. وفي هذا الصدد، عملنا على إصلاح مدونة الأسرة وإصلاح القانون الجنائي من أجل التصدي للعنف ضد المرأة، كما تم تحديد مساهمة المرأة داخل البرلمان، وفي نفس السياق عملنا على إحداث جائزة التميز التي تهدف إلى تشجيع الإسهامات المتميزة للنساء في مجال تكريس مبدأي الإنصاف والمساواة، كما تم إطلاق جملة من المبادرات في هذا المجال، تروم مراعاة مبدأ المساواة في وضع السياسات العمومية والتخطيط لها وتنفيذها". واسترسل الملك قائلا إن "مراعاة مقاربة النوع في إعداد الميزانيات آلية أساسية لضمان حقوق المرأة، وتمكينها من المساهمة الفاعلة في مختلف مناحي الحياة الوطنية. ويمكن للمغرب أن يضع تجربته في هذا المجال رهن إشارة البلدان الإفريقية الشقيقة، من أجل تيسير مأسسة مبدأ المساواة على مستوى إعداد الميزانيات، بما يمكن المرأة الإفريقية من المساهمة الفعالة في تسريع وتيرة التحولات الضرورية التي سيمتد أثرها الإيجابي إلى المجتمعات بكل مكوناتها". كلمة الملك محمد السادس أكد من خلالها أن كل ما يعرقل تمكين النساء من حقوقهن يشكل في حد ذاته عائقا في طريق تنمية القارة، معتبرا أن إفريقيا وإن كانت تواجه العديد من التحديات الهيكلية، فينبغي ألا تؤدي المرأة الإفريقية ثمنها، بل يجب أن تشارك كقوة أساسية في بناء مجتمعات قادرة على التكيف مع التحولات والمستجدات، مضيفا أن إفريقيا في حاجة إلى نساء رائدات، و"إلى كل طاقاتها وكفاءاتها النسوية، من مسيّرات ورئيسات مقاولات وفاعلات جمعوية، يسهمن في تغيير أوضاع بلدانهن، ويسخرن إمكاناتهن الهائلة من أجل انبثاق قارة إفريقية قوية وموحدة، تواصل السير بثقة وعزم من أجل تحول مستمر نحو الأفضل". وختم الملك كلمته بالتأكيد على الرهان على أن تسهم المقترحات والتوصيات التي ستسفر عنها المناقشات في تعزيز مسار ترسيخ المكتسبات، بما يمكن من وضع إفريقيا على طريق التقدم والتضامن والتحرر، اعتمادا على الإسهامات القيمة لكافة نسائها.