في الشهر الماضي كنت في القاهرة للمشاركة في منتدى الثقافات السياسية الجديدة الذي نظمته مؤسسة قرطبة ومقرها بجنيف، اغتنمنا الفرصة أنا ومجموعة من الأصدقاء للقيام بزيارة إلى الأستاذ حسام تمام (رحمه الله) الذي كان يعاني من المرض الخبيث..حينما رجعت إلى الفندق كتبت هذه الكلمات ودونتها في مذكرتي الخاصة ..أنشرها اليوم كما كتبت في وقتها.. يوم 10 أكتوبر توجهت برفقة باتريك هاني(سويسرا) وأمية صديق (تونس) ومحمد الرملاوي (لبنان) نحو بيت صديقنا حسام تمام الذي كان يقيم فيه لتلقي العلاج قرب مستشفى الشيخ زايد بمدينة 6 أكتوبر بالقاهرة.. عندما دخلنا المنزل لم أستوعب الصدمة الأولى..هذا ليس حسام تمام الذي أعرفه ! لم أصدق عيني وأنا أسلم على رجل يشبه صديقي الذي تقاسمت وإياه جلسات ممتعة في المغرب أثناء إقامته بالرباط لبضعة شهور للإشراف على تطوير جريدة التجديد.. ليس هذا حسام تمام الذي تقاسمت وإياه أياما رائعة في القاهرة وفي الأسكندرية المدينة المحببة إلى قلبه حيث تقيم عائلته هناك..كان لا يخفي امتعاضه من جو القاهرة الخانق.. ليس هذا حسام تمام الذي تقاسمت معه عدة رحلات إلى بيروت للحضور في لقاءات نقاشية مشتركة..ليس هذا حسام تمام صاحب الرأي القوي والحجة الواضحة في قضايا سجالية شائكة..ليس هذا حسان تمام الذي لم يكن يشغله شيئ عن متابعة قضايا الأمة وهمومها.. رأيت أمامي جسما نحيفا يختطف بين أيدينا شيئا فشيئا..رأيت عينين غائرتين وراء نظارتين لا أذكر أن حسام كان يستعين بهما في أوقات سابقة.. لكن مع ذلك رأيت إصرارا قويا لدى حسام وهو يكابد أنفاسه ويستجمع طاقته المتبقية ليسألنا عن أحوال المنتدى وعن من حضروا النشاط وعن سير الأشغال..، لم يمنعه المرض من الحديث عن الثورات العربية وعن صعوبة المرحلة الانتقالية منبها إلى خطورة المرحلة القادمة في الدول التي أنجزت ثوراتها..سألني بحرارة عن أحوال المغرب وعن حزب العدالة والتنمية وعن أحوال الإخوة الذين يعرفهم في المغرب معبرا عن عشقه الكبير للمغرب ولأهله.. قبل أن نغادره سألناه عن وضعيته الصحية وعن مستوى المرض، فأخبرنا بأن جسمه لم يعد يقبل العلاج الكيميائي، وأن الأطباء يجربون معه الأشعة..أدركت حينذاك أن كل شيء انتهى.. عندما خرجنا من البيت..استفقنا من هول الصدمة.. لم يتمالك باتريك نفسه وأجهش بالبكاء..كانت علامات الحزن بادية على الجميع..أثناء الرجوع قلت لباتريك: أشعر أنها ستكون آخر مرة نرى فيها حسام، فأجابني بأنه يتقاسم معي نفس الإحساس..تذكرت قول الله تعالى:"كل نفس ذائقة الموت"، وقلت لرفاقي: إنها سنة الحياة..ولكن مع ذلك علينا أن لا نفقد الأمل في معجزة إلهية..وبقي طيف حسام يراودني حتى بعدما رجعت إلى الرباط.. قبل يوم واحد من وفاة العزيز حسام..وصلتي رسالة من باتريك يبلغني فيها أن حالة حسام تدهورت كثيرا وأن الأطباء يتوقعون وفاته بعد بضع ساعات.. في اليوم الموالي جاءنا الخبر/ الصدمة: حسام تمام مات. وقرأت في هاتفي رسالة قصيرة من القاهرة جاء فيها:"توفي إلى رحمة الله تعالى حسام تمام ، الجنازة غدا عقب صلاة الظهر بمسجد الفرج ش النبوي، المهندس بالمندرة الإسكندرية، والعزاء مساء بالمندرة أمام محطة القطار المهداوي". قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون..ركبت رقم هاتف حسام فأجابتني زوجته بصوت حزين، بلغتها عزائي ودعوت لها بالصبر ... رجعت بي الذاكرة إلى الوراء وتذكرت زيارتي إلى الأسكندرية التي قضيت فيها يومين برفقة حسام تمام، تجولنا فيها في شوارع الأسكندرية وما تختزنه من ذاكرة وطنية قوية تؤرخ لمرحلة النضال ضد الاستعمار، المرحلة الناصرية..تجولنا على ضفاف شاطئ الأسكندرية..وقمنا بزيارة مكتبتها الشامخة.. لن أنس تلك الليلة التي جمع فيها حسام مجموعة من أصدقائه في منزل أحدهم بمناسبة هذه الزيارة لأحدثهم عن المغرب وعن أحواله السياسية والثقافية، لن أنس رجلا كريما لم يبخل بعلمه ولا بماله والأهم من كل ذلك أنه كان كريما بعواطفه ومشاعره ولا يخفي إحساسه المرهف.. في إحدى المرات سألته عن أحوال أسرته وعن ابنته خديجة، تحدث عنها بحب كبير، فسألته لماذا اخترت لها هذا الإسم؟ فأجابني: إنه إسم أم المؤمنين السيدة خديجة عليها السلام التي آوت الرسول عليه السلام وآمنت به وتزوجت به...لكن سرعان ما بدأت الدموع تنهمر من عينيه وهو يكمل حديثه عن مواقف السيدة خديجة عليها السلام... أدركت حينها أنني أمام رجل قلبه مفعم بالإيمان..قبل أن يكون باحثا مقتدرا وكاتبا عظيما ومتابع جيدا للحالة الإسلامية في العالم العربي ومحللا سياسيا جيدا..رحمك الله يا أبا خديجة وإنا لله وإنا إليه راجعون