تصل إلى هوليوود يوميا آلاف المواهب الجديدة، التي تحلم بملامسة المجد في عالم السينما، لكن هناك بالفعل نجوم يهيمنون على الساحة كتبوا قصة مسيرتهم عبر تحقيق نجاح وراء نجاح. ولعل ألمع مثال لهؤلاء النجوم هو الممثل النيويوركي روبرت دي نيرو، الذي أتم عامه ال75 في 17 غشت الجاري، ويتمتع بمسيرة تفوق 50 عاما في صناعة السينما. ولد دي نيرو في نيويورك، أيقونة الساحل الشرقي للولايات المتحدة، من أبوين فنانين، هما الرسامة والشاعرة فرجينيا هولتون، والرسام والنحات روبرت دي نيرو، اللذان كانا يتمتعان بقدر كبير من الشهرة في الوسط الثقافي بنيويورك. لكن مع انفصال الوالدين، وكان عمر روبرت ثلاثة أعوام فحسب، بدأ الطفل يقضي وقتا أقل مع والده، لكنهما دأبا على مشاهدة الأفلام خلال المرات التي أتيحت لهما فرصة اللقاء، ومن هنا نشأ داخل الطفل حب الفن السابع. وكان دي نيرو قد قال خلال مقابلة مع صحيفة "إيه بي سي" الإسبانية "بدأت مسيرتي حين بلغت العاشرة من عمري. أديت دور الأسد الرعديد في "ساحر أوز" في مسرحية مدرسية"، قبل أن يعزف عن التعليم، متبعا شغفه بالتمثيل، لكن بطريقة احترافية. اتجه دي نيرو اليافع نحو دراسة التمثيل في "ستيلا أدلر ستوديو أوف أكتينغ" بمسقط رأسه، وبدأ بعد بلوغه ال20 من عمره المشاركة في أفلام لبرايان دي بالما، الذي ربطته به صداقة وطيدة، واستهل معه مسيرته السينمائية بفيلم (Greetings) أو (تحيات) في 1968، الذي يعد بوابته نحو الشهرة. إذ بفضل هذا الفيلم، سيتعرف دي نيرو على من سيكون قائده في عدد كبير من الأفلام التي شارك فيها. كان هذا الشخص هو المخرج الكبير مارتن سكورسيزي، الذي فاز بفضله بثاني جائزة أوسكار في مسيرته، وكانت لأفضل ممثل عن فيلم (Raging Bull) أو (الثور الهائج) في 1980. وقد تعاون الاثنان في أفلام أخرى شهيرة للغاية، منها (Taxi Driver) أو (سائق الأجرة) في 1977، خاصة بسبب جملة دي نيرو الخالدة فيه "أتتحدث إلي؟"، وفاز الفيلم بجائزة السعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي في فرنسا، وأفلام مثل (Goodfellas) أو (الأصدقاء الطيبون) في 1990، و(Casino) أو (الملهى) في 1995. لكن أول جائزة أوسكار لدي نيرو كان قد فاز بها في 1974 حين أدى دور الشاب دون فيتو كورليوني مع المخرج فرانسيس فورد كوبولا في سلسلة (The Godfather) أو (الأب الروحي) في 1974. إن مسيرة روبرت دي نيرو العملية طويلة للغاية، وحسبما أكد هو في مقابلة مع جريدة "إلموندو" الإسبانية "لن أتقاعد قبل أن يفعل مارتي الشيء عينه". ويظهر هذا الأمر بوضوح في كون أحدث أفلام دي نيرو هو إنتاج هذا المخرج لصالح منصة "نتفليكس" فيلم (The Irishman) أو (الرجل الأيرلندي). ويستلهم الفيلم أحداثه من رواية (I heard you paint houses) أو (سمعت أنك تطلي المنازل) للكاتب تشارلز براندت. ويضطلع دي نيرو بدور فرانك شيران الملقب ب"الأيرلندي"، الذي تنسب إليه 25 جريمة قتل يعتقد أن لها صلة بعصابات المافيا. عملت في هذا الفيلم وجوه مألوفة بالنسبة إلى سكورسيزي مثل جو بيسكي وليوناردو دي كابريو، وأيضا الممثل الموهوب آل باتشينو. ولم يتقرر تاريخ محدد لطرح الفيلم، لكن مصادر من "نتفليكس" أكدت لوكالة "إفي" أنه سيصل الشاشات في 2019. وبعيدا عن مسيرته كممثل، يقدم دي نيرو نفسه كأحد أوفى مؤيدي الحزب الديمقراطي بالولاياتالمتحدة، وقد وجه في أكثر من مناسبة انتقاداته إلى سياسات الرئيس الحالي للبلاد دونالد ترامب. وكان آخر أقسى انتقاداته ذلك الذي وجهه خلال النسخة الأخيرة من حفل جوائز توني، حيث كان من المنتظر أن يقيّم أداء بروس سبرينجستين، لكنه فور نزوله عن المنصة وجه السباب إلى الرئيس، الأمر الذي قابله الجمهور بالتصفيق والإشادة. وقبل ذلك، كان الممثل النيويوركي قد كشف عن رغبته في "توجيه لكمة في الوجه إلى الرئيس"، وعاد بعد ذلك بفترة ليذكر بأنه لم يحقق حلمه بضرب رئيس الولاياتالمتحدة حتى ذلك الوقت. كما سبق لدي نيرو أن كان جزءا من لجنة التحكيم في مهرجان كان عام 2011، ولديه ستة أبناء من ثلاث نساء. وكانت زوجته الأولى ديانا أبوت، وهي ممثلة أمريكية دام زواجه بها 12 عاما وأنجبت له رافائيل. كما تبنى دي نيرو فتاة تدعى درينا، وكانت ثمرة زيجة أبوت بزوجها السابق. وأقام دي نيرو علاقة، أيضا، مع العارضة توكي سميث، أنجبت له توأما عن طريق التخصيب الصناعي ورحم مستأجر، هما جوليان هنري وأرون كندريك. وكانت زيجته الأخيرة، المستمرة حتى الآن، قد تمت في 1997. وكانت المحظوظة هذه المرة هي جريس هايتاور، وهي ممثلة أيضا، وقد أنجبت له طفلين، هما إليوت (20 عاما) الذي يعاني متلازمة التوحد، وهيلين جريس، عمرها سبعة أعوام، وتم إنجابها عن طريق التخصيب الصناعي واستئجار رحم. وسبق أن تم تشخيص إصابة دي نيرو بسرطان البروستاتا في 2003، لكنه خضع لجراحة لاستئصال الورم وتعافى تماما، رغم أنه يتعين عليه إجراء فحوصات كل فترة لتجنب حدوث انتكاسة. أما آخر أعماله، فكان ذلك الذي أنتجته "هوم بوكس أوفيس" بعنوان (The Wizard of Lies) أو (ساحر الأكاذيب) في 2017، ويقوم فيه بدور برنارد مادوف، بطل إحدى أكبر عمليات النصب في تاريخ وول ستريت، والذي حقق 64.800 مليون دولار، وتضطلع الممثلة ميشيل فايفر بدور زوجته. وإجمالا، يُتم روبرت دي نيرو، أحد أبرز وجوه عالم السينما في العقود الأخيرة، ثلاثة أرباع قرن مع ولعه، التمثيل، منخرطا مع أسرته الكبيرة، دون أن تتأثر صورته كناشط اجتماعي. *إفي