قال مصرفيون إن المغرب تمكن من الحفاظ على استقرار عملته الدرهم منذ أن بدأ تطبيق نظام أكثر مرونة لسعر الصرف، لكن إجراء إصلاحات على نطاق أوسع يبدو ضروريا لدعم الاستثمار قبل اتخاذ الخطوة التالية على مسار تحرير العملة. وفي يناير وسعت المملكة نطاق تداول الدرهم مقابل العملات الصعبة إلى 2.5 في المائة صعودا أو هبوطا عن سعر مرجعي، من 0.3 في المائة في السابق، في مسعى إلى زيادة القدرة التنافسية لصادراتها، وحماية احتياطياتها من النقد الأجنبي. وأمام سلة يبلغ فيها وزن الأورو 60 في المائة والدولار 40 في المائة، تمكن الدرهم من الاستقرار رغم أن النظام الجديد يتيح للمستثمرين مجالا أوسع للمضاربة؛ وعزز ذلك توقعات بأن النطاق سيتسع مجددا قريبا. لكن مصرفيين والمندوب السامي للتخطيط ومحللين قالوا إن المغرب يحتاج إلى البدء في تنفيذ إصلاحات على نطاق أوسع لزيادة القدرات التنافسية لاقتصاده؛ وقالوا إن المستثمرين الأجانب والصناعة المحلية على السواء في حاجة إلى نظام تعليمي حكومي أفضل لإعداد عمالة مؤهلة. وهناك حاجة أيضا إلى تخفيف القيود على استيراد التكنولوجيا والمواد الخام. وقال أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط: "ما هو مطلوب الآن لبلد مثل المغرب ليس إصلاح نظام الصرف، بل يجب أن يكون تتويجا لإصلاحات، وليس أول إصلاح جوهري يتطلبه الوضع في البلاد"، وتابع: "المغرب في حاجة إلى إصلاحات جوهرية في نظام التعليم والتكوين وتخليق الحياة العامة في ميادين تدبير الاقتصاد والمجتمع وإشراك الناس". ويخفق واحد من بين كل ثلاثة من خريجي الجامعات سنويا في الحصول على فرصة عمل لأسباب من بينها الافتقار إلى التدريب الكافي. وتحتاج السلطات إلى إعادة النظر في طريقة تعاملها مع السخط الناجم عن الفقر والبطالة في بعض المناطق المهمشة، البعيدة جدا عن المركز المالي للدار البيضاء بشوارعه الأنيقة وأبراجه البنكية. وقال رشيد أوراز، الخبير الاقتصادي بالمعهد المغربي لتحليل السياسات: "تغيير نظام سعر صرف العملة يعادل إصلاحا دستوريا على المستوى السياسي". الواردات بعد سنوات من الإعداد، وبدعم من صندوق النقد الدولي، أطلق المغرب في يناير ما أسماه "المرحلة الأولى" في نظام تدريجي لتحرير سعر الصرف لجعل الاقتصاد أكثر مرونة. ونجاح هذا الإصلاح مهم لتحقيق طموح المملكة في أن تصبح مركزا ماليا في أفريقيا. وبينما استقر الدرهم، تضررت آفاق الاقتصاد جراء ارتفاع أسعار النفط، وحملة مقاطعة من المستهلكين لثلاث علامات تجارية كبيرة في البلاد، من بينها "دانون" الفرنسية لمنتجات الألبان. وفي الأشهر الستة الأولى من العام، هبط الاستثمار الأجنبي المباشر 33.1 بالمائة على أساس سنوي، إلى 10.071 مليار درهم (1.06 مليارات دولار). وشهدت بورصة الدارالبيضاء طرحا عاما أوليا واحدا فقط للأسهم منذ بداية العام، مع انخفاض قيمتها السوقية بنحو خمسة في المائة إلى 595.7 مليار درهم في الفترة نفسها، في إطار موجة تخارج أوسع نطاقا من الأسواق الناشئة. ويقول مصرفيون إن من السابق لأوانه التحدث عن خطوة ثانية لأن الدرهم استفاد من عوامل مواتية خارجية، ولم يُختبر بعد بشكل حقيقي. واستفادت العملة من واردات قمح جاءت أقل من المتوقع، وتحويلات قوية من المغاربة المقيمين في الخارج، وزيادة في إيرادات السياحة، وهو ما زاد احتياطيات النقد الأجنبي بنحو تسعة ملايين على أساس سنوي إلى 225.2 مليار درهم بحلول الثامن من غشت. وقال أوراز: "السياحة والتحويلات النقدية ليستا من مصادر العملة الصعبة التي يُعتمد عليها، لأنهما عرضة للصدمات الخارجية..الجيل الجديد من المغاربة الذي يعيش في الخارج، وبصفة رئيسية في أوروبا، ليس مرتبطا بالبلاد مثل أهله". وأفاد مصرفيون بإن تخفيف القواعد التنظيمية لاستيراد السلع سيكون مهما للشركات، التي تجد صعوبة أحيانا في تعديل الخطط إذا حدث تغير سريع في أوضاع السوق. واعتبر مصرفي، طلب مثل آخرين عدم كشف هويته بسبب حساسية المسألة أن "إصلاح سعر الصرف لن يجذب مستثمرين جددا، وإنما إجراءات مرتبطة بالقواعد التنظيمية". ويستبعد بنك المغرب المركزي تعويما كاملا مفاجئا للعملة، مثل ما حدث في مصر، إذ يفضل إجراء تحرير تدريجي؛ ويرفض أن يقول كيف سيكون تدريجيا، لكنه سعى إلى التهوين من شأن توقعات بمزيد من الخطوات في أي وقت قريب. وفي يونيو قال والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، إن السوق تظهر "تفهما جيدا للإصلاح"، وإنه يوجد توازن بين العرض والطلب في سوق الصرف بين البنوك. *رويترز