السقوط من الطابق الثالث ينهي حياة أم بطنجة    أمن البيضاء يحقق مع جزائريين وماليين على خلفية دهس بين 7 أشخاص بسيارات رباعية    ميناء طنجة المتوسط يقوي قدراته اللوجستية باستثمار 4 مليارات درهم    الدرهم يتراجع بنسبة 1,18 في المائة مقابل الدولار الأمريكي بين شهري شتنبر وأكتوبر (بنك المغرب)    وقفات تضامنية مع غزة ولبنان بعدد من مدن المملكة        عدد وفيات مغاربة فالنسيا بسبب الفيضانات بلغ 5 ضحايا و10 مفقودين    الدريوش يتلقى استدعاء لتمثيل هولندا    بواسطة برلمانية.. وهبي يلتقي جمعية هيئات المحامين بالمغرب غدا السبت    فعاليات الملتقى الجهوي الثالث للتحسيس بمرض الهيموفيليا المنعقد بتطوان    مدافع الوداد جمال حركاس: تمثيل "أسود الأطلس" حلم تحقق        أكديطال تتجه لتشييد مصحة حديثة بالحسيمة لتقريب الرعاية الصحية    منظمات أمازيغية تراسل رئيس الجمهورية الفرنسية حول استثناء تعليم اللغة الأمازيغية    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    الوسيط يعلن نجاح الوساطة في حل أزمة طلبة الطب والصيدلة    سانت لوسيا تشيد بالمبادرات الملكية بشأن الساحل والمحيط الأطلسي    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    "جبهة نقابية" ترفض المس بالحق الدستوري في الإضراب وتستعد للاحتجاج    المغرب وفرنسا… إضاءة التاريخ لتحوّل جذري في الحاضر والمستقبل    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    وسيط المملكة يعلن عن نجاح تسوية طلبة الطب ويدعو لمواصلة الحوار الهادئ    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان        إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذاكرة المشتركة المغربية التركية: عمق ماضٍ ورهان راهن
نشر في هسبريس يوم 01 - 08 - 2018

ورش فكري واعد توجد عليه المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، بقدر ما يروم رهانه جمع شتات ذاكرة بينية مغربية دولية، من خلال حفز الباحثين للانفتاح عليها والتنقيب والجمع والتأليف حول قضاياها المتشعبة كتراث لا مادي برمزية عالية، بقدر ما يهدف الى إغناء الخزانة المغربية التاريخية بنصوص علمية، وبأرشيف وطني وأجنبي داعم للبحث في مجال حيوي على صعيد علاقات راهن الدول، مع ما لكل هذا من قيمة مضافة وأهمية في تمتين روابط تعاون واستثمار لِما هو مشترك ثقافي تاريخي لتقاسم بناء وتنمية حاضر ومستقبل معاً.
سياق جاءت فيه ندوة يوليوز 2018 بالرباط حول الذاكرة المشتركة المغربية التركية التي نظمت بتعاون مع سفارة تركيا بالمغرب، تنزيلا لاتفاقية شراكة بين المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والمديرية العامة لأرشيف تركيا، وتتويجا لمحادثات جرت بين الوفدين المغربي والتركي خلال زيارة عمل لجمهورية تركيا في نونبر2017م أسفرت عن تبادل وثائق تاريخية، بحيث حصلت المديرية العامة لأرشيف تركيا على قرصين مدمجين يتضمنان 871 صورة وثيقة تاريخية متعلقة بالذاكرة التاريخية المشتركة المغربية التركية، وتلقت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ثلاثة أقراص مدمجة تضمنت 3292 صورة وثيقة تاريخية و338 مستند ومقالة تاريخية مع صورة مؤطرة من حجم متوسط، لأمر سلطاني بمنح ميدالية حربية ذهبية امتيازية للمولى حفيظ عرفاناً بمساعداته في الحرب العالمية الأولى شتنبر 1915.
في كلمة افتتاحية أمام حضور نوعي علمي ودبلوماسي حضرته الحكومة المغربية من خلال وزراء معنيين، اضافة لسفراء معتمدين منهم السفير التركي ومساحة هامة من اعلاميين مثقفين مبدعين نقابيين وباحثين بارزين وطلبة باحثين، وذلك بالقاعة الكبرى للندوات بالمكتبة الوطنية بالرباط التي امتلأت عن آخرها في فقرة افتتاح ندوة مغربية تركية بتيمة غير مسبوقة. في كلمة افتتاحية أشار المندوب السامي الدكتور مصطفى الكثيري أنه رغم حفاظ المغرب على سيادته ظلت علاقته بالإمبراطورية العثمانية قائمة في الماضي على الوئام والاحترام المتبادل، بحكم موقعه الجيوستراتيجي وانتمائه لحوض المتوسط كوعاء تواصل وتلاقي وتلاقح حضاري. وأن البلدين الشقيقين المغرب وتركيا بحاجة لتوطيد أواصر تضامن وتعاون أكثر استجابة لتطلعات الاجيال الجديدة، لمواجهة تحديات راهنة وتقلبات ظرفية وتغيرات آنية حفاظاً على الذات، باستحضار قناعة سياسيين وأكاديميين وباحثين يرون أن تركيا والمغرب دولتان أختان علاقاتهما تعود لقرون، وأنهما روحان في جسد واحد الجسد هو الأمة الإسلامية والروحان هما الدولتان المغربية والتركية، كما جاء في كلمة للدكتور عبد الرحيم بنحادة في موعد علمي حول العلاقات المغربية التركية استضافته الرباط دجنبر 2013. بل هناك من الدارسين من أورد أن أي دور لتركيا في افريقيا الغربية من المفيد والمهم أن تحضره وساطة وشراكة مع المغرب، وهذا ما أشار اليه سفير تركيا بالرباط "أوغور ارينار" بناء على ما جاء في مداخلة للباحث التركي "برهان كورأغلو" بنفس المناسبة.
وفي تقديم محكم لكتاب "الذاكرة المشتركة المغربية التركية" ورد أن ندوة الرباط الأخيرة حول الذاكرة المشتركة المغربية التركية، جاءت اعتزازاً بإرث تاريخي مشترك حافل بعلائقه وانتماءه المجالي لحوض المتوسط، وهذا الإرث هو ما أطرت بعض جوانبه اسهامات أكاديميين باحثين عن عدة مؤسسات للبحث العلمي بالمغرب. أفرزت مؤلفاً ضخماً توزع على جوانب من مشترك واسع بين المغرب وتركيا، تم ترتيب محاوره كالتالي: أوجه الاحتكاك والتدافع بين المغرب والدولة العثمانية خلال القرنين 16م و17م، في الانفتاح على الآخر، من مظاهر التواصل والتعاون، بعض جوانب التأثير والتأثر بين الجانبين.
ففي عرض بعنوان "الرحالة ابن بطوطة سفير الذاكرة ومؤسس العلاقات المغربية التركية"، أشار الباحث هشام عابد الى أهمية رحلة ابن بطوطة في علاقتها بذاكرة شعوب وأمم القرن الرابع عشر الميلادي وفي علاقتها بالتأريخ للمشترك الإنساني. فالغرب اهتم واشتغل على هذه الرحلة باعتبارها مصدراً تاريخياً هاماً، خاصة وأنها تحكي عن ثلاثة عقود من زمن هذا القرن، وعن مجال جغرافي شاسع ومواضيع متباينة في غاية الدقة والقيمة المضافة من انماط حياة وتقليد وسبل عيش وعمران ولغات ونزاع وتفاعلات... مع تأكيد على أن زيارة ابن بطوطة لبلاد الترك كانت لقاءا بين المغرب وتركيا، مؤسساً بذلك لذاكرة مشتركة لا زالت قائمة الى اليوم. أما رجاء عنقود الباحثة في المجال بالرباط فقد ارتأت "الرؤيا وأسطورة التأسيس في الدولتين العثمانية والسعدية" عنواناً لمداخلتها في هذه الندوة، مؤكدة على أن الدولتين حاورت تبرير استيلائهما على السلطة في مجاليهما على أساس جملة مبررات منها النسب والجهاد والرؤى. وأن الرؤيا استعملت كدافع غيبي أساسي ومؤثر من أجل اضفاء شرعية على قيام كل من الدولتين، مضيفة أن الأسطوغرافيا العثمانية والسعدية قدمت رؤية مؤسسي الكيانين معتبرة اياها من أهم عوامل النشأة فأحاطتها بهالة من القدسية. مداخلة تناولت رؤية عثمان بن أرطغل الشهير بعثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية، كذا رؤية محمد بن عبد الرحمن القائم بأمر الله مؤسس الدولة السعدية.
وفي مداخلة من طراز رفيع أداءً وإشكالا بعنوان "عودة الى لغز اغتيال محمد الشيخ السعدي إضاءة جديدة"، تحدث الدكتور عبد الرحمن المودن عن علاقة المغرب بالدولة العثمانية من خلال الأسطوغرافيا الكولونيالية، التي ظلت في رؤيتها مجرد عداء وتنافس حول أحقية تقلد مهمة الخلافة. قراءة - أضاف- تم تجاوزها عبر جملة أبحاث أقدم عليها باحثون مغاربة معتمدين أرشيفاً تركياً، فاسهموا في نفض غبار عن علاقات معقدة ومتشعبة بين البلدين عبر قرون. مشيراً الى أن قمة تدافع الكيانين حصلت أواسط القرن السادس عشر الميلادي، زمن حكم محمد الشيخ السعدي بالمغرب وسليمان القانوني بالدولة العثمانية. معرجاً عما أوردته النصوص المغربية حول اغتيال سلطان المغرب مقابل سكوت الوثيقة العثمانية عن الحدث، وهو ما يطرح سؤال التوازي والتعارض في ذاكرة البلدين المشتركة. هذا قبل أن يعرض لاشارات دقيقة تاريخية قائلا: "في نفس الوقت الذي تدرج فيه هذه المداخلة قطعة توثيقية جديدة ترد فيها اشارة الى الحادثة المذكورة، وهي اشارة غير مسبوقة تروم نفس المداخلة استلهام أحد مبادئ العدالة الانتقالية لقراءة المرحلة المذكورة....لكن المبدأ الوارد ضمن مكونات هذا المفهوم والقائل بلزوم قراءة الصفحة قراءة سليمة تامة قبل طيها..مما لا يمس بأي ضرر لا مرحلة التعاون اللاحقة و لا نوعية العلاقات القائمة بين المغرب وتركيا في الوقت الراهن."
وحول ولاية العهد بين العثمانيين والسعديين أورد الباحث كمال النفاع في مداخلته، أن غياب نظام قار وثابت لانتقال السلطة أمر أرخى بضلاله على علاقات المغرب بتركي، ما كان بأثر على أمن واستقرار البلدين وعلى استنزاف مواردهما وتقويض مؤسساتهما الاقتصادية والمالية. متسائلا عن جذور ولاية العهد في العالم الإسلامي وعن مظاهر صراع أمراء البيتين العثماني والسعدي على السلطة، وعن ما حصل من نتائج إثر ذلك. وعن السفارة والعلاقات بين البلدين تحدث الباحث عبد الحي الخيلي في مداخلة له بعنوان "الدولة العثمانية إبان القرن السابع عشر من خلال شهادة السفير المغربي عبد العزيز الثعالبي، عن دور السفراء في توطيد العلاقات السياسية بين الكيانين خلال الفترة الحديثة. ولعل السفير السابق الذكر الذي زار استانبول خلال النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي، كان مبعوثاً من السلطان زيدان السعدي من أجل الحصول على مساعدات من الباب العالي. مشيراً الى أن الثعالبي أعد مؤلفاً حول تاريخ الدولة العثمانية بداية القرن السابع عشر، أرخ فيه لانتقال الحكم من السلطان أحمد الأول العثماني الى خلفه عثمان الثاني، واشار فيه الى نظم ومؤسسات الدولة العثمانية وما كان لها من دور في الحفاظ على قوة الدولة وتوازنها في فترة الأزمة مع القوى الأروبية. وأن من جملة ما ورد في مؤلف الثعالبي حديثه عن العاصمة استانبول وما تتميز به من ثقافة وعمران، ما جعلها مدينة تسامح وتعايش وقبلة للعلماء من مختلف جهات العالم.
وعن التأسيس والتعاون في العلاقات المغربية التركية قاربت زهرة النظام باحثة بالمحمدية، زمن بداية العلاقة بين البلدين التي قالت أنها تعود الى حدث فتح القسطنطينية من قِبل محمد الفاتح 1453م، من خلال تهنئة للمغرب بهذا الحدث التاريخي الهام. وأن تفاعل العلاقات ارتبطت بما كان عليه حوض المتوسط خلال القرن السادس عشر، من تحولات طبعتها وقائع التوسع المسيحي بقيادة اسبانيا والبرتغال والتي افضت الى احتلال شواطئ مغربية عدة وتهديد باقي جهات العالم العربي الاسلامي. مشيرة الى أن الدولة العثمانية برزت آنذاك كقوة حامية للبلاد الاسلامية من الأخطار المسيحية، وأن التعاون العثماني المغربي أثمر ايقاف زحف الابيريين وتحرير ثغور مغربية عدة. ومؤكدة أن فترة حكم المولى محمد عبد الله بالمغرب عرفت انفتاحاً وتعاوناً مع العثمانيين، ما تجلى فيما قدمه المغرب من دعم مالي ودبلوماسي للدولة العثمانية التي كانت تمر بفترة حرجة بسبب التضييق الروسي عليها، وفي استفادته منها للقيام بإصلاحات شملت عدة مجالات منها المجال العسكري.
وحول موضوع لا يزال شبه مغمور من الوجهة التاريخية، تناولت نزهة عقيلي باحثة بالرباط اشكالية " الصرة المغربية في العهد العثماني"، تحديداً ما يخص تدبير وتصريف شؤون الصرة المغربية التي اضطلع فيها الباب العالي بأدوار هامة خلال فترة معينة من النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي. ولعل الصرة في الاصطلاح التاريخي، هي حزمة الأموال والذهب التي يبعثها حكام البلدان الاسلامية الى أهالي الحرمين الشريفين بشكل منتظم رفقة مواكب الحج. المداخلة توقفت على ما شهدته عملية نقل وتوزيع الصرة المغربية على عهد سيدي محمد بن عبد الله من تغيير، بحيث عوض نقل هذه الصرة بواسطة ركب الحج الرسمي بعثها السلطان المغربي رفقة ركب الحج العثماني- الشامي، ما احتاج معه الأمر لتواصل بينه وبين عبد الحميد الأول العثماني كما تؤكد ذلك الوثيقة العثمانية. وفي مداخلة بعنوان " الدعم المغربي لايالة طرابلس خلال الحرب الليبية الأمريكية 1801- 1805"، عرضت خديجة القباقبي اليعقوبي باحثة بالرباط لجهود الحكومة الأمريكية من اجل حماية سفنها بحوض المتوسط بعد حدث استقلالها عام 1776، وهي الفترة التي فتح فيها المغرب موانئه امام التجارة الأمريكية لتظل بالمقابل بنوع من التوتر مع الولايات العثمانية بالجزائر وتونس وطرابلس. وعلى اثر حصار ضربته الولايات المتحدة على طرابلس دخل المغرب الحرب متضامناً مع حكام هذه الأخيرة، بعد رفض المسؤولين عن الأسطول الامريكي الافراج عن سفينة مغربية محملة بالقمح كان قد وجهها السلطان محمد بن عبد الله لباي طرابلس، ما كان وراء اعلانه الحرب على الولايات العثمانية وطرد ممثلها بطنجة. ولعل هذه التطورات تترجم ما عرفته العلاقات المغربية العثمانية خلال هذه الفترة من تحول.
وبتناول متميز في مداخلة علمية بعنوان "الزعماء الروحيون ومدربو الحياة"، ناقشت فدوى تنان باحثة عن المدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط، مسألة التصوف الذي انتشر في المغرب عبر الزوايا وفي تركيا عن طريق حركات دينية تعرف بالأخويات. ناقشت بأسلوب خاص عميق جاذب وقع مسار سيدي عبد الرحمن المجذوب بالمغرب ومولاي جلال الدين الرومي بتركيا والذين كانا مثيرين ولا يزالا إلى اليوم، مؤكدة أنه رغم ما يفرق بينهما من زمن ولغة وثقافة وبيئة...فقد كانا بمصير متشابه ومدربان للحياة. بإفصاحهما عن الامكانات البشرية من خلال مبادئ العمل التي هي متجذرة في الحكمة والثقافة الروحية الصوفية. مع أهمية الإشارة الى ما احتوته هذه الندوة من مداخلات لباحثين ومؤرخين أتراك كما بالنسبة للدكتور رفيق توران، رئيس معهد تاريخ تركيا، والذي تناول موضوع "رمزان باشا والانتصار في معركة وادي المخازن الإمدادات التاريخية والفترة الذهبية للإمبراطورية العثمانية في إفريقيا" الدكتور ادريس بوستان عن جامعة استنبول في موضوع "المبعوثون المغاربة إلى استنبول والعلاقات المغربية العثمانية"، الدكتور البراورتايلي عن جامعة كلاطازراي، ثم الدكتور أوغورأونال المدير العام لأرشيف الدولة بتركيا، في موضوع "أهمية الأرشيف العثماني في سياق العلاقات المغربية التركية".
ولعل ما ميز ندوة الرباط غير المسبوقة حول ذاكرة المغرب- تركيا، كونها تضمنت 22 مساهمة علمية لباحثين عن عدة مراكز ومعاهد ومؤسسات جامعية بالمغرب وتركيا، مساهمات تم جمعها وطبعها وإصدارها وتوزيعها وتوقيعها في أشغال الافتتاح ضمن مؤلف ضخم متفرد بحوالي خمسمائة وخمسون صفحة. مؤلف بتقديم متميز للدكتور مصطفى الكثيري المندوب السامي، بقدر ما جاء بعمق معرفي علمي ومنهجي في علاقته بسياق العلاقات المغربية التركية، بقدر ما كان برؤية ودراية ووعي بما يمكن أن يسهم به المشترك التاريخي كذاكرة، في رسم معالم تنمية حاضر واستشراف نماء يخص مستقبل البلدين.
كما جاء المؤلف في مطلعه معززاً بتوطئة عميقة باشارات علمية ذات صلة وبتركيب منهجي محترف لباحثين متميزين في حقل تاريخ المغرب ووش العلاقات المغربية العثمانية خاصة، ويتعلق الأمر بالدكتور عبد الرحمن المودن وعبد الحفيظ الطبايلي اللذين يستحقان إجلالا وإكباراً، لِما كان لهما من فضل رفقة أطر المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في بناء وإعداد وانجاح هذا الموعد غير المسبوق. وإذا كان هذا العمل العلمي الذي يستحق التنويه قد توجه بعنايته لرصد فعل وتفاعل المشترك التاريخي بين المغرب وتركيا من خلال وثائق وتجليات متداخلة، فقد اسهم عملياً في توسيع التراكم سياقاً ونصاً في هذا المجال، وعمل على إبراز قيمة ما هو مشترك تاريخي في عمل الدبلوماسية المغربية من خلال الأرشيف، وعياً بما يمكن أن تُسهم به الذاكرة والتاريخ لفائدة حاضر البلاد ومستقبلها.
ويبقى مؤلف"الذاكرة المشتركة المغربية التركية" كوثيقة حصيلة تطارح فكري في ندوة يوليوز 2018 بالرباط، من وثائق الأعمال العلمية الأكاديمية ذات القيمة المضافة حول ما هو ديبلوماسي راهن في زمن المغرب، لِما تأسس عليه من أسئلة عميقة وما انطلق منه من وقائع وأحدات ورؤية تبصرية استشرافية في هذا المجال. ولعل هذا يتجاوب وينسجم مع اهتمام واسع في هذا الاطار، لدى مهتمين وسياسيين وفاعلين اقتصادين وغيرهم. وبمقابل دراسات تاريخية توجهت باهتماماتها لِما هو علائقي مغربي أروبي، شكلت تراكماً أكاديمياً على قدر عالٍ من الأهمية حول تاريخ علاقات المغرب الدولية، كما بالنسبة لدراسة قيمة انجزها الدكتور سمير بوزويتة حول العلاقات المغربية الأمريكية اللاتينية. مقابل هذا توجه مؤلف "ذاكرة المغرب- تركيا" صوب جبهة أخرى، بحساسية هوياتية مجالية سياسية وثقافية لا تزال بأفق اشتغال علمي واسع. ما شكل تثميناً لما حصل من اسهامات علمية على قدر عال من الأهمية، وتحفيزاً لانفتاح الباحثين أكثر على هذه الذاكرة من خلال استثمار متوفر هام من الأرشيف، تجاوباً مع انشغالات وأسئلة دارسين ودبلوماسيين ومستثمرين وقراء ومهتمين بهذا المجال. وعليه، يسجل لندوة الرباط حول "الذاكرة المشتركة المغربية التركية"، وللمؤلف الذي صدر بالمناسبة ضمن منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين واعضاء جيش التحرير، أنهما كانا في الموعد المناسب بجرأة أدبية وإرادة ورهان جعل الذاكرة والتاريخ في خدمة راهن علاقاتٍ وتشاركٍ مغربي تركي استشرافي واعدٍ ومتميز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.