أن يتخفف الإنسان في فصل الصيف وأيام العطل من عوائد الأيام ورتابة العمل، وأن يهجر المألوفات وما درج عليه من نمطية وتكرار إلى حين، هذا كله محمود ومطلوب ومرغوب؛ لكن أن يتحول هذا الخروج على المعتاد والمألوف إلى ما يشبه الفوضى في كل شيء، فهذا مما يثير الاشمئزاز ويبعث على الأسف. يسهل أن يلاحظ المرء ما يعانيه الكثير منا من عبث ولا معقول وسوء تقدير في التفاعل والتعاطي مع أيام العطل، وتحديدا في فصل الصيف. كما يسهل كثيرا رصد جملة مظاهر سلبية أذكر منها ما يلي: 1- الميل إلى قتل الوقت وتزجيته في أي شيء: يقترن فصل الصيف عند الكثير منا بألوان من التسيب والفوضى غير الخلاقة، بكل ما في الكلمة من معنى.. السيبة في كل شيء: في النوم، في الجلوس، في الأكل، في الكلام والثرثرة والضحك، في اللباس، في الغضب، في السياقة؛ وهو ما يعني أن الكثير منا يعيش في هذه الأرض بلا رؤية أو أفق، هائما فيها والسلام.. هل نحن كائنات بلا عقل؟ المؤكد أن ببنية عقولنا خللا، والأسباب عديدة، مل الباحثون والمفكرون من رصدها وتكرارها، ولا فائدة كبيرة ترجى. عاجزون كل العجز عن التحكم في أيامنا، حين تصبح ملكا لنا؛ فإما أن ننخرط في الزمن بمنطق الوظيف وطقوس المعمل بالنسبة إلى من يشتغل، وإما أننا عاطلون وفاشلون لا قدرة لنا على التصرف في أوقات العطل. إننا نعاني مشاكل، بل مآس حقيقية في علاقتنا بالزمن، حالنا يقول: نحن أمة اللازمن.. يكفي أن نتأمل أحوال الكثير من المتقاعدين في بلادنا، الذين يقترن لديهم التقاعد بالنهاية وبالموت أو انتظار الموت سيان. 2- مخاصمة الثقافة ومتعلقاتها: من المظاهر اللافتة التي تطبع صيفنا التبرم من كل ما له علاقة بالتثقيف الجاد، والتضايق من كل ما يمت بصلة إلى فعل القراءة والمذاكرة العلمية والفرجة الهادفة، والميل كل الميل إلى الانغماس المجاني في أشكال لا متناهية من اللهو المنحط والسفاسف المفرغة من أي مضمون حقيقي، فلا شيء هناك، عدا التهريج ورفع الأصوات بالضجيج الذي يسمى فنا.. والمؤسف أن هذه الملاحظة تكاد تعم الكثير من الناس، بمن فيهم من ينعتون عادة بالنخبة، إذ تجد من يمضي الساعات الطوال على رصيف مقهى يرقب المارة، دون أن يكلف نفسه ولو قراءة جريدة أو النظر في كتاب أو الانهماك في متابعة مادة مفيدة على هاتفه المحمول.. مجتمع ينشد الحداثة والديمقراطية نخبه لا تهتم بشيء، عدا الأكل والشرب، وما إليها. 3- كثرة الشغب وضعف السلوك المدني: يصدر الكثير من الناس، في أيام العطل والصيف بخاصة، عن سلوكات تفتقد كثيرا إلى الحس المدني، حتى أن المرء ليتساءل متعجبا: ما معنى كل هذه البذاءة في الأقوال والدناءة في الأفعال؟ وما معنى هذا الميل إلى تخريب وتدمير كل جميل، على قلته، في مرافقنا وحدائقنا وساحاتنا العمومية؟ ما معنى هذا الهجوم العدواني على الملك العمومي؟ ما معنى رمي الأزبال والقاذورات في أي مكان، وبلا سؤال ولا تأنيب ضمير؟ ما معنى هذه السرعة الجنونية في السياقة ورفع أصوات المنبهات والأغاني المنبعثة من السيارات؟ كيف نفهم الكثير من سلوكات أطفالنا وشبابنا، الذين يملؤون شوارعنا وساحاتنا وشواطئنا زعيقا وشغبا وشجارا، وعبثا بكل شيء؟ هل كان هؤلاء حقا في مدارسنا؟ ماذا استفادوا إذن؟ إنه مؤشر دال ومؤسف. سئل الحسن البصري، ما الإنسان، فأجاب: الإنسان مجموعة أوقات، إذا ذهب وقت، ذهب بعضه. إن استثمار العطلة وتمضية الأوقات فيما يفيد ليس شعارا للاستهلاك، ولا ميزانيات ترصد؛ بل هو، قبل ذلك وبعده، رؤية، وجواب عن سؤال محوري هو: ماذا يعني ضياع أو تضييع وقت مواطن؟