جدران وأبواب مثقوبة بالرصاص، وسيارة تحوّلت خلفيتها إلى ما يشبه غربالا نسجت ثقوبه رصاصات كسر أزيزها، مساء أمس الأحد، صمت دوار حشادة بضواحي مدينة أزرو، في فاجعة خلّفت سقوط ثلاثة قتلى، وأربعة مصابين نُقلوا إلى المستشفى في حالة حرجة، بعد إقدام شخص متقاعد على إطلاق رصاص بندقيته بشكل عشوائي على كل من صادفه في الطريق. بدر واحد من ضحايا فاجعة دوار حشادة، كان يتناول وجبة خفيفة في باحة منزله رفقة أفراد أسرته، قبل أن يتوجه إلى مَرْج في ملكيته ليسقي أشجار العرعار، ثم التحقت به زوجته، وفجأة سُمع دوي إطلاق الرصاص في الدوار، وتعالى معه صراخ زوجته، مُخبرا بأنّ الرجل الذي غادر بيت أسرته ضاحكا أردتْه رصاصات غادرة، وهو منهمك في عمله. تروي أخت بدر، لهسبريس، تفاصيل المشهد التراجيدي، الذي عاشه دوار حشادة، قائلة: "كان صراخ زوجته يمزّق الأفق، خرجنا لنستطلع الأمر، وحين وصلنا أطلق علينا الجاني النار، أصابني في رجلي. خرج عمي بدوره فأطلق عليه النار، وفررنا إلى البيت، لكنه لحقنا، وشرع في إطلاق الرصاص علينا من النافذة، وكان يصرخ: سأصفّيكم واحدا واحدا" من أحد الدواوير المجاورة قدمتْ أخت أخرى لبدر، بعد أن وصلها خبر إطلاق الرصاص على أخيها، وحين وصلت إلى بيت أسرتها، هي وزوجها، وجدت الشخص الذي أردى أخاها جنب الباب، يطلق الرصاص على القفل أملا في كسره، لتصفية من يوجد في الداخل، كما توعّدهم. "لو تمكّن من الدخول إلى البيت لقتلهم جميعا"، تقول السيدة وهي لا تزال تحت هول الصدمة. حين لمَح الجاني، الذي كان يشتغل أستاذا وهو الآن متقاعد، أخت بدر وزوجها، صوّب نحوهما فوّهة بندقيته، وأطلق عليهما النار. "دفعني زوجي أمامه ليحميني، وكان يترجّى الجاني أن يكف عن إطلاق الرصاص علينا، لكنه لم يأبَه به، فأصابته رصاصة أسقطته أرضا، ثم شرع في إطلاق الرصاص عليَّ. طارت قطعةُ لحم من يدي. وكنت أرى صدري يخترقه الرصاص وأنا أحاول الفرار والجاني يلاحقني"، تقول المتحدثة. كانت أخت بدر تجري وسط حارات الدوار، الذي كان مسرحا للجريمة الشنعاء، مناشدة أهل الدوار أن ينقذوها من موتٍ يلاحقها، "لكن الناس، تقول الناجية، أغلقوا أبواب ونوافذَ بيوتهم، وظللتْ وحدي في مواجهة الجاني، إلى أن تمكنت من الاختفاء وسط مَرج من القصب، ومكثت هناك أرقبه وهو يدخن، وكان ينتظر أن أخرج ليطلق النار علي". المشهد المأساوي الذي عاشته أخت بدر، ازدادت فصوله قتامة، حين حاولت أن تهرب عبر قناة ماء بالقرب من مَرج القصب، الذي كانت تختفي فيه، فإذا بها تجد أخاها غارقا في دمائه هناك، وكان أن مرّتْ سيارة، فما كادت ترجو سائقها أنْ ينقذها، حتى ظهر الجاني، ففرّ صاحب السيارة، وظلت هي في مواجهة الرصاص، حيث أصيبتْ في رجليْها، ورغم ذلك واصلت الهروب، إلى أن صادفت صاحب دراجة نارية هو من أنقذها، ونقلها إلى دوار أيت يحيا وعلا، حاملة معها ألم فقدان أخيها وزوجها. وفيما لا تزال التحقيقيات جارية مع الجاني لمعرفة أسباب إقدامه على ارتكاب هذه الجريمة الشنعاء التي هزّت دوار حشادة، يعتصر الألم صدور أهل الضحايا الثلاثة، الذين صرعهم الجاني. آلام تعبّر عنها أم أحد الضحايا بالقول: "حتى عقوبة ما تبرد ليا غدايد فراق ولدي، كان ضاحك ومشا يقضي شغالو حتى قتلو، أي عقوبة عطاوه ما تقنعنيش".