هو البرلمان.. يُسَمِّيهِ القانونُ «مجلس النواب».. ويُسَمِّيهِ شبابُنا «مجلس النُّوّام».. وقد شبع الناس ضحكًا على برلمان لا يستيقظ من سُباتِه العميق.. هو نائمٌ ومُنَوَّمٌ على طول.. لا يتتبّعُ الملفات.. ولا يكونُ البرلماني حاضرا في الجلسات، إلا إذا كان الموضوعُ مُرتبطًا بمصلحتِه الشخصية.. أو خلالَ الجلسةِ الافتتاحية.. وما عداهما، تكونُ قاعةُ البرلمان فارغة، باستثناءِ كمشةِ أفراد هنا وهناك.. وفيهم من حضر الجلسةَ الافتتاحية، وانصرفَ لحال سبيلِه، ولم يعُد للبرلمان إلا بعد ان استكمل ولايتَه النيابية.. جلُّ البرلمانيين وصلُوا إلى البرلمان بشراءِ الأصوات، وشراء التزكيات.. وأغلبُ هذه الأغلبية، هم من تُجّار الممنوعات.. البرلمان ملآن بأباطرة المخدرات، والمهَرَّبات، وعليهم تراهنُ الأحزابُ لتقديمِها للترشيحات أو للمجالس المحلية والإقليمية، باعتبارِها «شخصيات مهمة»، من عليةِ القوم، والأعيان، والأشراف، والوطنيين، والحُجّاج، وذوي العُمراتِ المتلاحقة... بهذه العيّنات يتمكنُ البرلمان من تكملةِ قوائمِ «نُوّابِ الأمة»، أو حسبَ التّعبيرِ الشبابي «مجلس النُّوّام».. ومن فيهم حاضرون بين الحين والآخر، من أجل «التواصُل» مع الأسياد في العاصمة: كبار المال والأعمال، وزراء، كبار الموظفين، ومن يريدون منهم هدايا أو سيارات فخمة، أو توصية خاصة إلى فلان أو فُلانة.. «مجلس النُّوّام» لا ينوبُ عن الشعب، ولا يخدمُ مصالحَ الشعب، بل هو في خدمةِ نفسِه، ولا يرى في كلمة «برلمان» إلا «وكالة عقارية» أو مصلحةً من المصالحِ المالية والضرائبية والخدَماتية.. ولا وجودَ للشعبِ في قلبِه وعقلِه.. وعندما يتحدّثون عن الشعب، فمن باب الصدقات، أو الشكاية من شعب يقولون فيه: «إنه لا يحتاج شيئا، إلا الخبز».. ويقولون فيه: «هذا الشعب يمكننا أن نضحك عليه لقرونٍ أخرى قادمة».. ولم يخطر ببالهم أن هذا الشعب، ستخرج منه الأعاجيب.. هو نفسه سيبتكر مسيراتٍ اجتماعيةً مسالمة، ومقاطعةً للسلع والمواد الغذائية الغالية، وسينتصر على كل الاحتكاريين، وكل الحكومة المتواطئةِ مع الاحتكار.. وهذا الشعب سيستمتعُ بالضحك.. نُكت كثيرة يتداولُها شبابُنا في مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، وفي المجالس الخاصة والعامة.. ويضحكُ الناس.. ويتبادلون النكت.. والفكاهة.. يُحوّلُون «مجلس النُّوّام» إلي أضحوكة.. وشعبُنا هذا يتحمّلُ كثيرا.. ويجعلُ من المرارة ضحكةً من الأعماق.. والضحكةُ مهمّةٌ جدا في حياةِ أيّ أنسان.. تحفزُ على العلاقات، وتساعدُ على الإنتاج، وترفعُ الهموم، وتُنشط العزيمةَ والإصرار.. فوائدُ كثيرة يستخلصُها الضاحكُ من هموم الدنيا.. وقد قيل قديمًا: «الإنسانُ حيوانٌ ضاحِك»! وانتشرت في بلدِنا ثقافةُ الضحك.. وظهرَ في العالم «أدبُ الفُكاهة».. والبرلمانُ يحسبُ أنهُ وحده يضحك ويتضاحك.. بينما الضحك، والسعادةُ بصفةٍ عامة، ليست لها حدود.. وشبابُنا يزرعون الفُكاهةَ حولَهم.. وقد أنتجَ مجتمعُنا ظاهرةَ «التّسوُّل الضاحك»: شبابٌ يحملون «صينيةً» داخلَ حافلةٍ عمومية، ويطلبون من الركاب «حسنَةً لوجه الله»، من أجل برلمانيين فُقراء، يموتون من الجوع، وليس لهم لا خُبز ولا ماء... فُقراءُ مساكين لا يملكون من متاعِ الدنيا إلا بضعة ملايير مكدّسَة في أبناك! ويضحكُ الرُّكّاب.. ويضعُ كلُّ واحدٍ منهم بهذه «الصينية» بضع دُريهمات من أجل بؤساءِ البرلمان.. برلمان لم يحُلَّ أيةَ مشكلة، رغمَ أنه صفَّقَ بالتّصويت على مشاريع قوانين.. وفي مُجملِها لا تحلُّ المشاكلَ بقدرِ ما تُعَقّدُها.. ثم يضحك الناس.. ويتضاحَكون.. وانفجرَ الناسُ ضحكا على برلمانيين وصفُوا زملاءَهم بأنهم لا يملكون قُوتَ يومِهم.. وانطلقَ شعبُ الفيسبوك، شبابا وكهولاً، في التّنكيتِ على «فُقراء» البرلمان.. وهل في البرلمان فُقراء؟ - أغلبُهم من ذوي الملايير.. هذا بالغرفةِ الأولى.. جلُّهم لا يعرفون حتى كم يملكون.. أما الغرفة الثانية، فهذه كلُّ من فيها اشتروا مقاعدَها.. فهؤلاء، من الغُرفِ التجارية والمهنية وغيرِها، من ذوي المشاريع المالية الكبرى، لا أحدَ منهم لم يشترِ الكرسي.. الغرفةُ الثانية يملكُها من قد اشتروا أعضاءَها.. والتصويتُ فيها أمرٌ شكلي.. إن أغلبَ من في البرلمان بغُرفتيْه ليسوا إلا أثرياء، وورثة الأثرياء، ولا يدافعون إلا عن أثرياء.. وأغلبُهم متشبّعون بثقافةِ تفقيرِ الفقراء، وتكليخِهم، لكي لا يصلحُوا إلا لبيعِ أصواتِهم الانتخابية لهم، لا لغيرِهم، وأن ينوبوا عنهم لتقبُّل أيِّ اتّهام لأسيادهم الأباطرة.. هكذا يرانا الأباطرة.. مجردَ تابِعين.. وأنَّ البرلمانَ هم ورثُوه من أبيهم أو جدّهم، وأن أبناءهم هم سيكونون أعضاءَ فاعلين في نفس البرلمان، ووزراء في حكومةٍ قادمة.. وأن أحفادَهم سيكونون على رأسِ المؤسساتِ المالية، والأحزاب، والنقابات، وغيرها. هم يحكموننا كما يريدون.. ونحنُ لهم صاغرون.. هم يرثون الثروة والسلطة، ونحن نرثُ الفقر والجهل، ولا ننتطرُ منهم إلا أن يتكرّموا علينا بابتسامةِ رضا، مقابلَ أن يأخذوا منا عرقَ جبينِنا.. وأن نبتسم لهم، حتى ونحن متألمون.. المظلوم يضحك للظالم.. الضحك يُخفّفُ من الأشجان والآلام.. كأننا لا نصلحُ في أقصى «تنازُلاتهم» إلا أن نُضحِكَهُم.. وبالأمسِ أضْحَكناهُم.. واليومَ نحنُ الضّاحِكون على برلمانٍ في منتهَى الغباء.. برلمان يسيءُ لنفسِه.. ولكل البلد.. - والعبرةُ بالأواخِر!