الساعة تشيرُ إلى التاسعة صباحا. إلى باب الأحد بالرباط، بدأ يتوافد الآلاف من المشاركين في المسيرة الوطنية للمطالبة بإطلاق سراح معتقلي حراك الريف. حضورُ قيادات العدل والإحسان كان لافتا، والنساء في مقدمة المسيرة حاملاتٍ لافتات بشعارات: "لا للاعتقال السياسي"، "الشعب يريد سراح المعتقل"، "الأحكام القاسية لا توقف زحف الأحرار"، ليجوب المشاركون باب الأحد متجهين نحوَ شارع محمد الخامس، وصور معتقلي حراك الريف تؤثث المشهد. وجوه غاضبة على إيقاع المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، توحدت أصوات كل من الحركة الأمازيغية والعدل والإحسان وبعض مكونات اليسار، التي لبت نداء المشاركة في مسيرة الرباط، منددة بما صدر من أحكام في حق نشطاء حراك الريف ليلة السادس والعشرين من يونيو الماضي، التي وصفها بعض المُشاركين بليلة "الفضيحة" وليلة "الظلم". غضبُ المشاركين في مسيرة اليوم بالرباط عبّرت عنه المشاهد "الدرامية" التي جسّدوها؛ إذ بعدما تضَاعف عدد الحاضرين، تقدم المسيرةَ عددٌ من الشباب الذين كبّلوا أياديهم بسلاسل من حديد، مطالِبين ب"الحرية الفورية للمعتقل"، و"إطلاق سراح مُعتقلي حراك الريف". وخيّم الحزنُ صباح اليوم على شارع محمد الخامس؛ إذ رفع بعض المشاركين ثلاثة نعوش، الأول مكتوب عليه "العدالة"، والثاني طبعت عليه صورة محسن فكري، بائع السمك الذي قُتل بعدما ارتمى في شاحنة نفايات عقب مصادرة الشرطة لأسماكه بالحُسيمة، والنعش الثالث مكتوب عليه "الشهيد عماد العتابي"، الشاب الناشط في حراك الريف الذي توفي بعد إصابته في العشرين من يوليوز من السنة الماضية على مستوى الرأس أثناء تفريق مسيرة الحسيمة. لم يكن هذا المشهد "الدرامي" الوحيد الذي شهده شارع محمد الخامس هذا الصباح؛ إذ طافَ بالمكان عدد من الشبان مشكلين حلقة ورافعين لافتة "سجن الشعب"، واضعين أقنعة على وجوههم تحمل صور معتقلي حراك الريف الذين أدينوا بأحكام تراوحت بين سنة وعشرين سنة سجنا نافذا. مجموعة أخرى من الشباب وضعت على جانب الشارع ذاته لافتَتيْنِ لجمع توقيعات المشاركين في المسيرة للتنديد بالأحكام القضائية، كتب عليها "نحن المُوقعين أسفله، من أبناء وبنات الشعب المغربي، نندد بالأحكام القضائية الجائرة الصادرة في حق معتقلي الريف، ونطالب بالإطلاق الفوري لسراحهم، وفك الحصار الظالم عن منطقة الريف وتحقيق جميع المطالب المشروعة للساكنة الريفية". استياء شعبي لم تخلُ المسيرة من مبادرات المشاركين "الساخرة" و"الساخطة" على ما يحدث في المغرب؛ إذ تواجد أمام البرلمان ثلة من المواطنين بسطوا خريطة "سياسة التقسيم السياسي المخزني للتراب الوطني" ل "المغرب المحكور"، تضم مختلف المناطق المغربية التي عرفَت في الشهور الأخيرة احتقانا شعبيا، واضعين بجانب كل مدينة الوسم الذي تم توحيده من قبل المغاربة: الحسيمة "طحن مو"، الصويرة "نسى مو"، ورززات "عطش مو"، العيون "قمع مو". وكانت جرادة حاضرة في شعارات المتظاهرين وفي لافتاتهم؛ وطالبوا بإطلاق سراح معتقلي حراك مدينة الفحم، في حين ارتدى شابٌ ثياب رجل منجمي تعبيرا عن "الحكرة" التي طالت شهداء الرغيف الأسود بالمنطقة، كما يرددُ المتظاهرون. "من قتل محسن فكري؟"، "نريد العدالة الاجتماعية"، "مطلبنا رفع الحصار عن الريف"، "لا للجمع بين الثروة والسلطة"، لافتات رفعها المتظاهرون الذين لم يكفوا عن قرع الأواني وتكثيف التصفيقات تعبيرا عن استيائهم مما يحدث في المغرب. وتعيد هذه الطريقة في الاحتجاج إلى الأذهان واقعة قرع الأواني بالملاعق التي شهدتها شوارع الحسيمة ليلة السابع من ماي من السنة الماضية رفضا لما وصفه المتظاهرون ب"عسكرة الريف". وشاركَ في المسيرة بعض أفراد عائلات معتقلي حراك الريف، الذين جاؤوا من الحسيمة، وسجل والِدا ناصر الزفزافي، المحكوم عليه بعشرين سنة سجنا نافذا، حضورهما ورددا الشعارات المطالبة ب "إطلاق سراح المعتقلين". وقال أحمد الزفزافي، والد قائد حراك الريف ناصر الزفزافي، في نهاية المسيرة، "أنحني أمامكم إجلالا واحتراما لأقول للذين اعتقلوا أبناءنا وعذبوهم: ها هو الاستفتاء الشعبي التطوعي وبدون مقابل"، وصدح أبو ناصر أمام جموع المشاركين: "أقول لهذا الشعب المغربي العظيم، والأحرار والحرائر، والشرفاء والشريفات، أقول لهم هنيئا بهذا التضامن". ووجه الزفزافي، الذي قدم من الحسيمة، رسالة تلتها تصفيقات المتظاهرين، جاء فيها: "أقول لهؤلاء الذين كانوا يدعون أننا انفصاليون، ها هو الريف يوحد المغرب من أقصاه إلى أقصاه، وأشكر كل المتضامنين معنا في جمع الوقفات والمسيرات التضامنية". يُشار إلى أن مسيرة الرباط لدعم معتقلي حراك الريف هي الثانية، بعد مسيرة الدارالبيضاء، التي تنظم للتنديد بالأحكام التي صدرت في حق نشطاء الحراك والمطالبة بإطلاق سراحهم. *صحافية متدربة