فتح القانون الجديد لإنشاء التعاونيات نافذة أمل أمام النساء القرويات بدائرة أحواز فاس ليكسرن قيود العزلة ويرسمن طريق المستقبل من خلال تحويل أحلامهن في الاندماج الاجتماعي إلى حقيقة، حيث انطلقن في إحداث تعاونيات مهنية خاصة بهن، تضم متزوجات وأرامل ومطلقات وعازبات وغيرهن، بعد أن عمّق الفقر معاناتهن بسبب تحدرهن من أوساط تعاني الهشاشة والتهميش. نساء يتلمسن طريقهن للخروج من محيطهن المغلق، الذي فرضه عليهن الدوار وتقاليد القبيلة، وكل أملهن أن ينتشلن أنفسهن من الوضعية الصعبة التي يعشنها، عبر إنجاح مشاريعهن في قطاعات مختلفة، منها الخياطة التقليدية وتربية النحل وصنع الحلويات. أغلب المشاريع التعاونية النسائية بدائرة أحواز فاس خرجت من رحم المركز متعدد الاختصاصات لتكوين المرأة بأولاد الطيب، الذي تشرف عليه جمعية "سايس للتنمية"، وهي مؤسسة ساهمت في تكسير حاجز التقاليد بالمنطقة عبر مساعدة المرأة القروية المحلية على الانخراط في سوق الشغل، وفي الحصول على مورد للرزق تساعد به زوجها، الذي يفتقر إلى عمل قار، أو أسرتها التي ترزح تحت وطأة الفقر. نساء ينشدن الدعم لتحدي المستحيل "بعد أن أسسنا تعاونيتنا سنة 2016 اكتسبنا شخصية جديدة، وأصبحت لدينا ثقة في النفس"، تقول السيدة نبيلة العديوي، عضو تعاونية "اللمسة الذهبية" للخياطة التقليدية بأولاد الطيب، التي أكدت لهسبريس أن عضوات إطارها المهني تلقين تكوينا في مجال اشتغالهن بالمركز متعدد الاختصاصات أولاد الطيب، الذي اتخذن منه مقرا مؤقتا لتعاونيتهن. وأوضحت العديوي، التي تتكون تعاونيتها من تسعة أشخاص، أن عضوات "اللمسة الذهبية" يقتسمن العمل فيما بينهن، ويشتغلن على خياطة ألبسة تقليدية خاصة بالناس والأطفال، مبرزة أن مدخولهن لا يزال متواضعا، وأنهن يطمحن للمشاركة في المعارض للتعريف أكثر بمنتوجهن لتسويقه على نطاق واسع، آملة في دعم تعاونياتها لإحداث ورشة للخياطة التقليدية لتشغيل مزيد من النساء المهمشات بالمنطقة. وإذا كانت نساء تعاونية "اللمسة الذهبية" اخترن الاشتغال على الخياطة التقليدية نظرا لتواجدهن في وسط شبه حضري، فإن نساء تعاونية "صوندا"، المتخصصة في إنتاج العسل الحر، والتي تنشط بدوار أولاد امعلا بجماعة عين الشقف، اخترن الاشتغال في المجال الفلاحي، وتحديدا في قطاع تربية النحل، حيث تمكن من كسر قاعدة احتكار الرجل لهذا القطاع، كما هو الشأن بالنسبة إلى السيدة فاطمة الأزعري، رئيسة هذه التعاونية، التي أكدت، في حديثها مع هسبريس، أنها اكتسبت، شخصيا، خبرة تربية النحل من والدها، الذي ينحدر من منطقة عين اللوح بإقليم أزرو. "تعاونيتنا حديثة العهد، وتأسست بفضل دعم مركز أولاد الطيب متعدد الاختصاصات، الذي استفدنا داخله من تكوين في المجال على يد خبراء متخصصين"، توضح فاطمة الأزعري، التي أبرزت أنها كانت تبيع العسل "البلدي" بطريقة تقليدية عندما كانت تشتغل بشكل فردي، مشيرة إلى أن سلسلة الإنتاج داخل تعاونيتها تتم وفقا للطرق الحديثة، بدءا بتربية النحل داخل صناديق عصرية، مرورا بعملية التعليب، ووصولا إلى عملية الإشهار والتسويق. "عضوات تعاونيتنا يعشن ظروفا هشة، وكل واحدة منا تكمل الأخرى داخل التعاونية"، تقول رئيسة تعاونية "صوندا"، التي أكدت أن نشاطهن التعاوني يساهم في رفع مدخول عضوات التعاونية، اللواتي لهن مسؤوليات أسرية، مشيرة إلى أن تعاونيتها بصدد البحث عن الدعم المالي من أجل تطوير الإنتاج وتثمينه بشكل أفضل، فضلا عن البحث عن أسواق جديدة بفضل المشاركة في معارض الاقتصاد التضامني. من جانبها، أوضحت أسماء البحري، رئيسة تعاونية "المأكولات الطبيعية" بأولاد الطيب، أنها أسست تعاونيتها بمبادرة من مجموعة من النساء المستفيدات من خدمات المركز متعدد الاختصاصات بأولاد الطيب. وقالت في تصريح لهسبريس: "تعاونيتنا حديثة العهد، ونحن نطمح لتوفير التجهيزات اللازمة لمزاولة نشاطنا، والحصول على مقر خاص بالتعاونية، خصوصا بعد أن استفادت عضوات التعاونية من التكوين اللازم، واكتسبن خبرات جديدة في الإنتاج والتسويق". "كل واحدة من المتعاونات كانت تشتغل بشكل فردي، لكن بعد إحداث هذه التعاونية سنتمكن من الاشتغال بشكل جماعي، وسنطور منتوجنا ونرتقي به إلى جودة أحسن"، تقول أسماء البحري، التي أبرزت أن تعاونيتها ستشتغل على صنع المأكولات، التي تتوفر على صفة "بيو"، خاصة صنع الحلويات، عن طريق استثمار المواد الفلاحية الأولية للمنطقة، مشيرة إلى أن هدف تعاونيتها هو إخراج عضواتها من الفقر والتهميش وضمان مورد رزق لهن. دعم نفسي وتأطير ومواكبة وأوضحت منى المنور، رئيس جمعية "سايس للتنمية والتضامن" بأولاد الطيب، أن المركز متعدد الاختصاصات لتكوين المرأة بجماعة أولاد الطيب، الذي تشرف على تسييره جمعيتها، يساهم، من خلال مجموعات من الورشات التكوينية تهم مختلف المجالات، في تعزيز قدرات النساء القرويات، لتسهيل ولوجهن إلى سوق الشغل، سواء في إطار تعاونيات أو في إطار مقاولات للتشغيل الذاتي. وأوضحت الناشطة الجمعوية ذاتها، في تصريح لهسبريس، أن المركز يسهم في تقديم خدماته، خصوصا، للنساء القرويات في وضعية صعبة بجماعات أولاد الطيب وعين شكاك وعين بيضة وسيدي خيار وعين الشقف، مشيرة إلى أن العمل يرتكز، في البداية، على تقديم الدعم النفسي والقانوني للنساء اللواتي يفدن على المركز، قبل تقوية قدراتهن المهنية في المجال الذي يناسب كل واحدة منهن. وأكدت المنور على أن مركزها يعمل على مصاحبة ومواكبة المستفيدات من تكويناته المهنية بعد خلق مقاولاتهن الذاتية أو التعاونية. وأضافت قائلة: "نحن نبقى في تواصل مستمر مع المستفيدات بفضل شركاء آخرين يشتغلون معنا في جميع هذه المراحل، منهم الجمعية البلجيكية للتربية والتكوين، والوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل، ومكتب تنمية التعاون، وقسم العمل الاجتماعي، ووزارة الأسرة والتضامن في شخص وكالة التنمية الاجتماعية". وأوضحت المنور أنه بفضل دعم المركز متعدد الاختصاصات لتكوين المرأة بجماعة أولاد الطيب، تم، في السنتين الأخيرتين، خلال تطبيق القانون الجديد لتأسيس التعاونيات، إحداث سبع تعاونيات، أغلب أعضائها من النساء، مؤكدة على أهمية الاقتصاد الاجتماعي كرافعة للتنمية، ولإدماج النساء القرويات في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.