عرفت علاقات ليبيا مع أغلب الدول العربية، في عهد العقيد معمر القذافي الذي قتل الخميس بسرت على يد الثوار، مدا وجزرا بسبب المزاجية الغريبة للزعيم الذي كان ما أن يستقر على رأي حتى يذهب إلى نقيضه. ورفع القذافي والطغمة التي أطاحت معه بحكم الملك السنوسي في سبتمبر 1969 شعار القومية والوحدة العربية من المحيط إلى الخليج في وقت عمل فيه من حيث يدري ولا يدري على تدمير أي محاولة للتقارب بين الشعوب. ففي غرب الوطن العربي عمل القذافي بدون جدوى على زعزعة استقرار المغرب بكل السبل وكان هو من وفر الدعم المادي لانفصاليي "البوليساريو". كما عمل على بث عدم الاستقرار في جارته تونس بعد إجهاض محاولة للوحدة بين البلدين . ولعل تونس كانت الدولة الوحيدة التي عانت أكثر من غيرها من مزاجيات القذافي وتصرفاته العجائبية التي لا يمكن توقعها وبالتالي فإنها ستكون بالتأكيد أكثر البلدان ارتياحا للتخلص من جار مشاغب عمر طويلا. أما الجارة الأخرى لليبيا ,مصر, فحكايتها مختلفة. فبعد سنة واحدة من الود نتيجة إعجاب وافتتان القذافي بجمال عبد الناصر ومشروعه العروبي والقومي ومجىء خلفه أنور السادات , وبالرغم من أن هذا الأخير حقق انتصار أكتوبر على إسرائيل , فسرعان ما تعكرت العلاقات مع مصر خاصة بعد عقد السادات لصلح مع إسرائيل وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد التي سماها إعلام القذافي آنذاك اتفاقيات "إصطبل داود" وهاجمها بكل قوة ودفع الأموال في كل إتجاه لهذه الغاية. ولم تتوقف العلاقات عند هذا المستوى من التدهور بل تحول الأمر إلى مواجهة مسلحة عندما هاجم أنور السادات القذافي في خطاب له مشهور وحذر من أنه سيلقنه "درسا" لن ينساه بسبب تماديه في مهاجمة بلاده . وبالفعل قامت طائرات مصرية بالإغارة على مواقع في عدة مناطق ليبية دون أن يتمكن القذافي من القيام بأي رد في المستوى, وتوقف النزاع بعد وساطات جهات عربية.. ولم يختلف الأمر كثيرا في عهد خلف السادات الرئيس السابق حسني مبارك حيث عرفت العلاقات مدا وجزرا, تتحسن أحيانا لتسوء بعدها نتيجة عدم رضى القذافي على سياسات القاهرة خاصة في الشق المتعلق بعلاقاتها مع إسرائيل. ورغم عودة مصر إلى حظيرة العرب في نهاية الثمانينات وعودة مقر الجامعة العربية إلى القاهرة, ظلت العلاقات الليبية المصرية تشهد تدهورا وحملات إعلامية أحيانا حادة اللهجة طفح معها الكيل بحسني مبارك مرة وقال إن القذافي "سليط اللسان وقليل الأدب". وظل القذافي يلعب بورقة العمال المصريين في ليبيا كورقة ضغط على مصر التي كانت تتجاوز أحيانا على تصفات القذافي وتصريحاته التي لا تدخر أحدا . وفي خضم بدء تحسن علاقات القذافي بالغرب، بعد قطيعة طويلة، تحسنت في نفس الوقت علاقاته بالقاهرة وأصبح يزورها بين الفينة والأخرى ويستقبل أيضا حسني مبارك ويلتقي بالسياسيين كما يلتقي بكتاب ورجال الإعلام المصريين ل"تعريفهم" بمشروعه الذي لم يعرف كيف يحققه رغم الأموال الطائلة التي كان يجمعها من الثروات البترولية لليبيا. غير أن علاقات معمر القذافي مع الفلسطينيين كانت الأشد غرابة حيث كان يدعم جهات فلسطينية على حساب أخرى ويهاجم منظمة التحرير وزعيمها الراحل ياسر عرفات بسبب الاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية في مدريد، وبلغ به حد أن جمع العديد من الفلسطينيين المقيمين منذ سنوات في ليبيا وإيفادهم إلى فلسطين بدعوى أنها تحررت وبقي هؤلاء اللاجئون الفلسطينيون لاجئين في لجوئهم وعالقين على الحدود الليبية المصرية مدة من الوقت في أجواء أقل ما يقال عنها أنها كانت "بئيسة جدا" زادتها بؤسا أحوال الجو التي كانت سائدة آنذاك قبل أن تتدخل وساطات لتعيد الأمور إلى نصابها. أما علاقات زعيم الثورة الليبية مع دول الخليج فكانت في أغلبها سيئة ولم تكن حكاية تورط القذافي في محاولة اغتيال ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز إلا فصلا من هذه العلاقات المتأزمة. ورغم المصالحة التي تمت في قمة عربية بشرم الشيخ ظلت العلاقة بين البلدين تتراوح بين مد وجزر لم تعد إلى طبيعتها. وفضلا عن علاقاته المتذبذبة والمتدهورة أحيانا مع أغلب الدول العربية كان القذافي يمثل مشكلة في حد ذاته للقمم العربية ب "قذافياته" التي كانت مثار تندر الملاحظين نظرا لغرابة ما كان يقوله ويقترحه حيث كان يهاجم الجميع.. الحاضرين قبل الغائبين.